سد النهضة يثير أزمة بين دول المصب وأثيوبيا
سد النهضة يثير أزمة بين دول المصب وأثيوبيا


ستيفانو بورشي: لا يحق لدولة «منبع» إقامة أي مشروعات تضر بمصالح دول المصب |حوار

ريهاب عبدالوهاب

الجمعة، 09 يوليه 2021 - 07:17 م

يتفق المراقبون على أن الموارد المائية ستكون أحد أكبر واهم مصادر النزاع فى المستقبل نظراً لما تتسم به المياه من أهمية وندرة. وتشير الدلائل إلى أن ثلثي سكان العالم قد يعيشون فى بلدان تعانى من نقص فى المياه بحلول عام 2025 ..

من هنا نشأت النزاعات وكانت هناك ضرورة لكيانات مهمتها تنظيم ومراقبة القوانين المنظمة لحقوق المياه العذبة.

من بين هذه الكيانات «الرابطة الدولية لقانون المياة» (AIDA) التى انشئت عام 1967، وهى منظمة دولية غير ربحية تتألف من محامين متخصصين فى قانون المياه.

«أخبار اليوم» كان لها لقاء مع ستيفانو بورشي - الرئيس التنفيذى للجمعية والذى سبق وعمل فى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، حيث دار الحوار حول قوانين المياه العذبة وسبل حل النزاعات بين الدول ومنها النزاع الحالى بين مصر واثيوبيا حول سد النهضة. 

كيف ترون سبل حل الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي فى إطار القوانين الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول المتشاطئة على الأنهار المشتركة؟


ـ يوفر القانون الدولى للمياه إطارًا مرجعيًا قانونيًا لكل من مصر والسودان وإثيوبيا فى هذا النزاع للتوصل إلى ترتيب يوازن بين مصالح الجميع، أى مصلحة مصر والسودان كدولتى مصب فى الحصول على المياه، وإثيوبيا كدولة منبع.

لكن فى النهاية، الأمر يتوقف على الإرادة السياسية الفعلية لدى كل دولة للتوصل الى مثل هذا الترتيب، الذى ما لم يتم التوصل اليه سيستمر الخلاف الى ما لا نهاية، ويسمم العلاقات بين البلدان الثلاث. 

 

فى رأيك ما هى أفضل السبل لحل النزاعات حول المياه بين الدول ؟


مبدئياً يتعين على الدول الجلوس الى المائدة والتفاوض من أجل حل الخلافات بين بعضها البعض، واذا فشلت تلك المفاوضات يمكن اللجوء الى مساعدة («المساعى الحميدة») لطرف ثالث إذا لزم الأمر.

وبخلاف ذلك يمكن لهذه الدول اللجوء إلى التحكيم الدولي أو حتى إلى محكمة العدل الدولية. لكن يظل التفاوض بهدف التسوية أفضل من اللجوء إلى التحكيم أو إلى محكمة العدل الدولية، لأن اللجوء لأياً من تلك الوسائل يشير إلى تصلب المواقف المتضاربة ويرفع درجة التصعيد ما يجعل الوصول لاتفاق اصعب، ناهيك عن الامتثال لقرارات المحكمة النهائية .

 

و ما الحل اذا ما رفضت بعض الأطراف المتنازعة اللجوء لخيار التحكيم الدولي؟


ـ أخشى أنه لا توجد حلول سلمية أخرى، ربما باستثناء تصعيد الاهتمام بالقضية، وتوليد ضغوط من المحافل الدولية، وبالأخص، الجمعية العامة للأمم المتحدة (كما فعلت بنجلاديش فى الثمانينيات، عندما قامت الهند بتحويل تدفق نهر الجانج من جانب واحد للتدفق إلى ميناء كالكوتا .

 

كخبير فى مجال قوانين المياه العذبة ما هى خيارات مصر فى ظل تعثر المفاوضات؟


ـ يمكن لمصر أن تحاول إقناع إثيوبيا من خلال «تكبير كعكة الفوائد»، واعنى هنا توسيع وتعظيم سلة الامتيازات التى يمكن ان تحققها اثيوبيا فى حال تم التوصل الى اتفاق ودى مع مصر . ولابد وان تكون الفوائد والمزايا المعروضة كبيرة بحيث يفوق منافعها، أى منافع أخرى يمكن أن تحصل عليها فى حال عدم وجود اتفاق بين البلدين.

كذلك لدى مصر خيار آخر هو الضغط على إثيوبيا عبر المجتمع الدولى والمستثمرين المانحين، وربما حتى الجمعية العامة للأمم المتحدة - و يجب أن يرى المجتمع الدولى بوضوح كيف ان مصر مستعدة حقًا للتفاوض بحسن نية .

 

ما القواعد الدولية الحاكمة للأنهار المشتركة او العابرة للحدود ؟


ـ «القوانين» التوجيهية فى هذا الشأن هى (1) أن لكل دولة تشترك فى نهر أو بحيرة أو طبقة مياه جوفية عابرة للحدود الحق فى الاستخدام المنصف والمعقول لموارد المياه (2) على كل دولة الامتناع عن إلحاق الضرر بالدول المجاورة (3) على كل دولة تبادل البيانات والمعلومات مع الدول المجاورة والمتشاطئة و (4) على كل دولة التعاون مع الدول المجاورة و التفاوض بحسن نية إذا لزم الأمر.

 

هل يحق لدول المنبع الانفراد بقرارات إقامة مشروعات من شأنها التأثير سلباً على بقية الدول؟


ـ لا بالطبع لا يمكن لها ذلك، فبموجب «القوانين» التوجيهية السابقة، لا تمتلك دول المنبع حق الانفراد بعمل مشروعات على انهار مشتركة - ما لم توافق البلدان المتضررة على ذلك، عبر التفاوض على تحمل الآثار السلبية لمشروع دولة المنبع، ربما مقابل نوع من التعويض أو مقايضة أخرى. ولدينا حالة كلاسيكية فى هذا الصدد هى معاهدة نهر كولومبيا لعام 1960 بين كندا والولايات المتحدة، حيث وافقت كندا على إغراق أجزاء من أراضيها بالسدود المبنية فى الولايات المتحدة مقابل النقود والطاقة المولدة من هذه السدود. 

 

هل ترى ان القوانين الدولية للمياه العذبة كافية لنزع فتيل النزاعات بين الدول حول الحقوق المائية؟


ـ إلى حد ما يمكن القول انها كافية، حيث توفر قوانين المياه الدولية المتعارف عليها مجموعة من القواعد التى يجب على الدول اتباعها عند استخدام الموارد المائية او تطويرها اوحتى عند اتخاذ اى اجراءات تهدف لحمايتها من التلوث، سواء كانت تلك الموارد المائية أنهاراً دولية اوبحيرات اومياه جوفية عابرة للحدود.

 

هذه القواعد ملزمة قانونًا، بمعنى أنها ليست «اختيارية»، ويجب على الدول الالتزام بها. لكن المشكلة أنه لا توجد عقوبة لانتهاك مثل هذه القواعد، ولا يوجد نظام «شرطى» دولى يمكنه فرض احترام القواعد القانونية المذكورة على الدول التى تشترك فى نهر عابر للحدود، او فى بحيرة جوفية! 

 

الى اى مدى يمكن للقانون والاتفاقيات الدولية وضع أطر لحدود أحقية الدول للموارد المائية؟


ـ الاتفاقيات والمعاهدات الرسمية هى الادوات المعنية بتوثيق الاتفاقات التى يتوصل لها الدول بين بعضها البعض حول الموارد المائية المشتركة كالأنهار والبحيرات أو آبار المياه الجوفية العابرة للحدود . وإذا لم يكن هناك «اتفاق» رسمى ينظم الحقوق الخاصة بتلك الموارد، هنا يتدخل القانون الدولى للمياه العذبة، حيث تنظم قواعده أسس التفاوض حول أى نزاعات، وكذلك حول تحديد مدى أحقية الدول فى التصرف فى الموارد المائية على أراضيها.

 

- هل هناك بعض الأمثلة لنزاعات مشابهة تم الفصل فيها من خلال محكمة العدل الدولية؟ 


ـ من القضايا المعاصرة التى حسمتها محكمة العدل الدولية قضية سد Gabcikovo-Nagymaros، التى تم حلها عام 1998، والتى أثارتها هنغاريا ضد (تشيكوسلوفاكيا آنذاك) بشأن الآثار البيئية السلبية التى قالت المجر أنها ستعانى منها من جراء سد Gabcikovo-Nagymaros على نهر الدانوب . وهناك قضية سد Pulp Mills، التى تم حلها عام 2010، والتى رفعتها الأرجنتين ضد أوروجواى بسبب تلوث نهر أوروجواى الذى قالت الأرجنتين أنها ستعانى منه لأن أوروجواي، ستقوم بتصريف نفاياتها فى ذلك النهر عند الحدود معها. هناك ايضاً القضية التى تتعلق ببوليفيا وشيلي، واللتان تتنازعان حول ما إذا كان مجرى سيلالا المائى عابر للحدود أم لا .. وهى قيد النظر أمام المحكمة منذ عام 2016. 

 

اما القضايا المعاصرة التى تم حلها عن طريق التحكيم فتشمل نزاع كيشينجانجا، الذى تم حله عام 2013، وأثارت القضية باكستان ضد الهند بسبب بناء الهند لمشروع السد والطاقة الكهرومائية على رافد نهر إندوس، و كذلك نزاع باجليهار الذى تم حله عام 2007، وكان ايضاً بين باكستان و الهند بسبب بناء الهند لمشروع باجليهار للطاقة الكهرومائية على رافد آخر لنهر إندوس.

 

- الآن هل لنا ان نتعرف على أهداف وأهمية الجمعية الدولية لقوانين المياه AIDA؟


الجمعية الدولية لقوانين المياه، والمشار إليها باسم AIDA اختصارا، انشئت بداية فى العاصمة الأمريكية واشنطن، فى 30 مايو 1967، وذلك خلال مؤتمر المياه من أجل السلام الذى اقيم آنذاك . و كانت هناك حاجة حينها إلى منظمة غير حكومية لتوفر منتدى يجيب على كل الأسئلة المتعلقة بقانون المياه. والغرض من الجمعية هو تعزيز ودراسة ومعرفة وفهم وتطبيق قانون المياه، الوطنى والدولي، بهدف زيادة الوعى والمعرفة والممارسة فى هذا المجال من قانون الموارد الطبيعية.


الرابطة منظمة دولية خاصة غير ربحية تتألف من محامين متخصصين فى قانون المياه ومن غير المحامين الذين يشاركون مباشرة فى إدارة الموارد المائية. ويقع مقر الأمانة العامة لها حاليا فى مكاتب رئيس المجلس التنفيذى فى إيطاليا، ومسجلة فى إيطاليا وفقاً للقانون الإيطالي.


وتضم الجمعية حوالى 100 خبير فى قانون المياه، من حوالى 30 دولة - الغالبية العظمى من أوروبا والأمريكتين. ولديها ايضاً خبراء مصريين فى قانون المياه .

 

من هو ستيفانو بورشى؟
هو خبير ايطالى معترف به دولياً فى مجال قانون المياه العذبة والقانون المحلي/ المقارن والقانون الدولي/ العابر للحدود. وسبق وعمل فى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) كخبير قانونى داخلى ومستشار فى قانون المياه المحلى والدولى لدى الدول الأعضاء فى المنظمة فى آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة