د ٠ مصطفى  محمود
د ٠ مصطفى محمود


«مجرد مخلوفات».. تعريف مصطفى محمود لـ«الغرور والاستعلاء والكبرياء والعدوان»

عاطف النمر

الأربعاء، 14 يوليه 2021 - 06:05 م

بين الغرور والاستعلاء والكبرياء والعدوان يضيع العلم، ويفتضح العلم، فإذا هو تفاخر الجهلاء بما يصنعون من لعب أطفال.

وأجهل الجهل أن نجهل أمرا جوهريا واضحا كالنهار.

أن يجهل العالم العظيم والمخترع العبقرى أنه مخلوق.. وأنه يعيش على سلفة.. على قرض.. السنوات القليلة التى يعيشها هى قرض وسلفة بأجل محدود..

وأنه لا يملك هذا القرض ولا يستطيع أن يمد فى أجله.

كل « نبضة قلب »، وكل خفقة أنفاس، وكل خاطر، وكل فكرة، وكل خطوة، هى قرض.. سلفة.. هى قرش ينفق من الرصيد.

وهو رصيد لا نملكه ولم نبذل فيه جهدا.. وإنما هو عطاء مطلق أعطى لنا منذ لحظة الميلاد.

المخترع لا يخترع وإنما يجيئه الخاطر كما ينزل ندى الفجر على الزهر..

والشاعر لا يؤلف من عدم، وإنما يهبط عليه إلهام الشعر فيورق عقله كما يورق الشجر فى الربيع.


فهل يمتلك الشجر أزهاره أو أنها هبة الربيع ؟


والعلم ذاته هبة.


الكهرباء موجودة منذ الأزل من قبل أن تكتشف بملايين السنين، وهى التى كانت تضيء السماء بالبروق والصواعق.


نحن لم نخترع الكهرباء ولم نأت بها، فهى موجودة. وكذلك إشعاع الراديو وطاقة الذرة ومغناطيسية الحديد.


كل هذه كنوز موجودة تحت أيدينا..


وهى بعض الهبات التى وهبناها دون أن نطلبها.


نحن العلماء لا ندرك هذا وإنما نقول : 


« اخترعنا، ابتكرنا، صنعنا، ألفنا، صنفنا » .


ثم لا ندرك ما هو أخطر وأكثر وضوحا وبداهة.. إن العمر الذى نعيشه هو أيضا هبة لم نطلبها ولم نجتهد فيها.


الجميلة لم تجتهد لتولد جميلة، والقوى لم يجتهد ليولد قويا، والحاد البصر لم يجتهد ليولد حاد البصر.


ونحن لا نقوم بصيانة هذا الشيء المعقد الملغز المعجز الذى اسمه الجسد الحي.. وإنما هو الذى يقوم بصيانة نفسه بنفسه بأساليب محيرة.


نحن ننفق من شيك لا نملكه.. ومع ذلك نتبجح طول الوقت.. ونقول : 


«نحن اخترعنا .. نحن صنعنا.. نحن عباقرة.. نحن عظماء.. نحن على حق والآخرون على خطأ.. نحن بيض وهم حيوانات.. نحن جنس سامى وهم جنس منحط، ثم نقتتل على ثروات لا نملكها ولا فضل لنا فيها جميعا » .


ولا فضل لنا حتى فى تكويننا الجسماني، نحن مجرد مخلوقات تولد وتموت وتعيش على هبة محدودة من الخالق الذى أوجدها، ولو كنا نملك أنفسنا حقيقة لما كان هناك موت.


ولكن الموت هو الذى يفضح القصة، هو الذى يكشف لنا أن ما كنا نملكه لم نكن نملكه .


الشيخوخة هى التى تفضح جمال الجميلة فإذا بجمالها هبة زائرة لا حقيقة باقية، ولكننا نحن العلماء نجهل هذه الحقيقة الأولية الشاخصة ملء العين كشمس النهار، ولو أدركنا هذه الحقيقة البسيطة لانتهت الحروب وحل السلام، وملأت المحبة القلوب وأشرق التواضع ليجمع العالم فى أسرة واحدة، ولو أدركنا هذه الحقيقة لالتففنا إلتفاتة شكر إلى الوهاب الذى وهب.


من كتاب «الشيطان يحكم»


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة