رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

قيم الثورات وثورة الثلاثين من يونيو

رجائي عطية

الجمعة، 16 يوليه 2021 - 07:49 م

إن الحديث عن القيم والثورات، قد يبدو حديثًا غريبًا بحكم معنى الثورة وخروجها للتغيير عن المألوفات، وبحكم التاريخ الذى حمل أحداثًا دامية صاحبت ثورات سفكت فيها الدماء بغزارة، وحصدت الأرواح بغير حساب، وتحولت الإصلاحات إلى انتقامات دفعت إلى السجون بمئات الآلاف ودون تمييز بين المذنبين والأبرياء.. ولعل ما صاحب الثورة الفرنسية وتلاها فيما سمّى عهد الإرهاب أبرز الأمثلة على ما قد يصاحب الثورات من ممارسات تجعل الحديث عن قيمها حديثًا غريبًا إن لم يكن شاذًا !
ومع ذلك يبدو لى أن الحديث عن قيم الثورات ضرورى وواجب، لأنه الضمان الحقيقى الوحيد لحمايتها من نفسها وصيانتها عن الانحراف عن أهدافها التى قامت من أجلها، ورعاية خطواتها لتمضى فى أمان وبلا مظالم ولا جنوحات لتحقيق غاياتها.
وقيم الثورات إن أرادت مسئولية قياداتها، لأن التاريخ وعلم النفس يقولان لنا إن الكتل لا عقل لها، وأنها فى اندفاعاتها المتحمسة كثيرًا ما يخالطها روح القطيع، فيرتكب المجموع ما يأباه كل فرد منه إذا وقف وقفة مع نفسه ونجح فى استخراج حركته من اندفاعات المجاميع.. كان من قيم ثورة 1919 وكانت لها قيادة الضرب فى قوات الاحتلال لأن الجلاء والاستقلال كانا الغاية، وتحقيق هذه الغاية يصطدم اصطدام لزوم بقوات وآليات وإدارة الاستعمار الجاثم على البلاد.. ولكن لم يكن من أهداف ثورة 1919، وبالتالى كان منافيًا لقيمها، تدمير الممتلكات المصرية.. ففيما عدا ما تختلط فيه الأهداف حين تكون الغاية مثلاً تعطيل مواصلة أو طريق أو خط حديدى للحيلولة بين قوات الاحتلال وبين حركة مقصودة لإجهاض الثورة، فيما عدا ذلك فإن التخريب الصرف للممتلكات المصرية بلا غاية وقد حدث أحيانًا يغدو عملاً ضريرًا اندفعت إليه المجاميع بروح القطيع فخرجت دون أن تعى عن أهداف وعن قيم الثورة !
الثورة كل ثورة، ينبغى إذن أن تكون لها قيم مرتبطة بأهدافها وغاياتها، وتسير خطى الثورة وطيدة ما التزمت بهذه القيم والغايات، وقد كان لثورة يوليو 1952 قيادة، نجحت وأخفقت، أنجزت وفشلت، ولكنك تستطيع أن تلاحظ أن نجاحها وإنجازاتها اقترنا اقترانًا واضحًا بقيم الثورة وغاياتها، وتستطيع أن تلاحظ أيضًا أن إخفاقاتها كانت فى حالات ابتعدت فيها الممارسة عن قيم الثورة وغاياتها.. كان من قيم الثورة تحقيق الجلاء وضرب الفساد وإنهاء الاحتكار الأجنبى للاقتصاد والقضاء على الإقطاع.. وفى كل ذلك وغيره نجحت الثورة وأنجزت لأن الغاية والأداء التزما بقيم الثورة.
 من قيم الثورة أن تكون بنية حية لتحقيق الأهداف التى قامت من أجلها، ومن واجبها أن تحمى نفسها وقيمها من أن تتحول فى ممارسات البعض إلى « حالة » فوضوية للاعتراض أو التمرد على كل أو أى شيء !!
 من أجل ذلك، كان الثلاثون من يونيو، ثورة بكل المقاييس. 
 كان فى مقدمة غاياتها تخليص البلاد والشعب من حكم ضل سبيله واندفع فـى نهـر بلا عودة، غايته الوحيدة تكريس وجوده، والانتصار للأهل والعشيرة، والانحصار فى جمود يأخذ الوطن إلى هوة سحيقة ومصير مجهول، بعد الندامة المحققة حيث لن ينفع الندم.
 على أن الخلاص من الوضع المعيب القائم، لم يكن هو كل غاية ثورة الثلاثين من يونيو، وإنما كان إصلاح الحاضر وترميم ما حاق به من خسائر وتراجع وارتداد فى كثير من المجالات، واستشراف المستقبل والنظر إليه بوعى وأمل يدرك أنه قاطرة الإنسانية والشعوب، وأنه لا مناص لذلك من علاج المشاكل من الجذور لا بالمسكنات، وبناء مصر الجديدة والجديرة بموقعها ومكانتها بين الدول والشعوب، فكان ما كان ويكون، من تطور غدت مصر تشهده راضية مطمئنة فى العديد من الميادين والمجالات.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة