سامي الحسن
سامي الحسن


«سامي الحسن» يكتب: الهوية والأنساق الثقافية

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 02 أغسطس 2021 - 04:41 م

بقلم : سامي الحسن

 

هوية الفرد تتحدد من حاضره وما ينجزه، فى الوقت الذى تتشكل فيه هوية الدول بحكم ما تنتج من سلع وخدمات وما تؤثر به الدولة فى الاقتصاد والسياسة العالميين.

 

ودارت النقاشات بين من يروا أن الهوية المصرية يجب ألا تخرج عن نطاق حضارة قدماء المصريين كمكون أصلى للشخصية المصرية ماضيها وحاضرها، بينما اتفق ذوو التوجه الدينى مع ذوى التوجه القومى العروبى والذين يطمح كلاهما لطمس أى ملمح من الحضارة المصرية كمؤثر فى الشخصية المصرية الحديثة، وسد كل رافد من روافد الثقافات التى طبعت مصر شعبا ودولة على مدى القرون، ماعدا الروافد العربية، واستخدام قديمها بالنسبة للحركات الدينية والتعلق بحديثها بالنسبة للقوميين العروبيين.

 

بينما يرى فريق أن استخدام اللغة العربية فى المكاتبات الرسمية وفى الصحافة والفن والأدب محدد للهوية، بينما يرى البعض أن ذلك ليس إلا غلبة اللغة العربية على اللغات الأخرى فى الثقافة المصرية.

 

وربما تتنوع الهوية الثقافية داخل الوطن الواحد، فالهوية هي ما يميز مجتمعا عن غيره، رغم وجود تنوع واختلاف في بعض المكونات الثقافية المحلية، لكن هناك ذاتية عامة تشكل الهوية الوطنية لأي مجتمع، فالكل يختلفون في الجزئيات والوسائل ولكنهم يتفقون على الأهداف العامة لوطنهم الموحد. 

 

أما الثقافة فلا يشترط فيها أنْ تكون واحدة فقد تتنوع داخل المجتمع الواحد؛ لأنها تشكل الرؤية الخاصة بكل فئة، فهناك ثقافة السلطة وثقافة المعارضة، الثقافة المحلية القديمة وثقافة العشيرة، والطائفة… الخ، غير أن هذه جميعها ينبغي أن تحدد ما هو مشترك وكلي، وتنسج هدفاً واحداً ورؤية واحدة للمستقبل، هذا ما يمكن أن يجتمع في ما نسميه بـ”الهوية الثقافية الوطنية أو القومية”، حيث تتداخل الهوية العامة بالثقافة الجزئية، لتصير ثقافة كلية للمجتمع الواحد، وهذه الكلية لا تنكر التنوع، بل تحتويه وتنميه في جوفها. 

 

وهكذا تجتمع في مفهوم “الهوية” الثقافة الواحدة؛ ما هو ذاتي وما هو موضوعي، ما هو فردي خاص وما هو مجتمعي ووطني عام فكيف يمكن أن نقيم دور مؤسساتنا الثقافية وعلى رأسها وزارة الثقافة والهيئات الثقافية الأخرى في تطوير وعي يتسق مع هذا المفهوم ويسعى لتفعيل دور الثقافة فيها ؟ 

 

وإذا كانت الهوية تتميز بالموضوعية والثبات النسبي والتطور البطيء، فإن الثقافة تتميز بالذاتية والنسبية، وتكون أكثر حركة وأسرع في التطور، وتمثل الإضافات المتجددة للهوية، حيث تبدأ بالإبداعات الفردية والجزئية، وحينما تتراكم وتتداخل في إطار الهوية الوطنية الأشمل، فإنها تشكل ذلك النسيج المتعدد للروح الكلية، المعبر عنه بالهوية الثقافية الوطنية أو القومية.

 

الدعوة الدؤوبة لاستخدام اللغة العربية يجب توضيح الهدف منها، لأن أى لغة تتخذ أهميتها واستدامتها بحكم أهمية استخدامها فى الحياة العامة والأدب والعلم والفن وبالتالى لا حاجة للترويج لذلك، أما الدعوة للعربية بصفتها لغتنا الأم فتلك مغالطة ساذجة، لأن اللغة الأم هى اللغة التى يفهمها ويتحدث بها ويعبر بها عن نفسه طفل ما دون الخامسة، وهى ليست اللغة العربية الفصيحة بالتأكيد، أما الدفع بذلك من قبيل النوازع الوطنية من حيث ربط المهاجرين بوطنهم الأم فهناك أمور أجدى تربط الفرد ببلده الأصلى غير لغة بالكاد يستخدمها بين أسرته الصغيرة فى وطن جديد، عليه أن يتقن لغته ويعتاد ثقافته، أما عن مسألة الفخر باللغة وربطها بالهوية فعلينا ألا نندهش لعدم أهمية ذلك فى عالم ينقلب أغلب سكانه للتعامل باللغة الإنجليزية التى تعد لغة التحول الرقمى دون أن يشعر هؤلاء المواطنون العالميون بأى شعور من الدونية تجاه الإنجليزية، أو النقص تجاه انحسار لغاتهم الأصلية.

 

إن الهوية ليست ما كان لنا من تأثير فى الماضى وكم من الدول غزونا واحتللنا، وكم كان لدينا من العلماء والشعراء فى زمن من الأزمنة، وكم كنا نتحكم فى طرق التجارة والثروة، بل يجب أن تكون الهوية بحكم ما هو قائم الآن رجوعا لمثل المقارنة بين سنغافورة واليونان، حيث تتحدد الهوية بحكم ما تنتج الدولة من خدمات وسلع، وما تسهم به فى البحث العلمى والتعليم، وما تؤثر به فى السياسة والاقتصاد العالميين، والحقيقة أن هذا يدفعنا إلى طرح مغاير، وهو هل مسألة الهوية مسألة قومية أم مسألة فردية، لأن نجاح الفرد وتحققه لا يشترط أن يرتبط بنجاح الدولة، بينما يمكن أن تكون الدولة قوية ومستقرة بينما هناك أفراد فاشلون، وهو ما يخلصنا من كل هذا الكم من الاشتباكات والتشابكات لنخرج برؤوسنا لنسأل الجميع إن كانت هناك أهمية للهوية من الأساس! فى عالم تتشكل فيه شخصية الفرد بشكل متواز، سواء كان فى ألاسكا أو فى جنوب إفريقيا أو فيتنام.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة