محمد الشماع
محمد الشماع


.. وهل ينفع الندم؟

بوابة أخبار اليوم

السبت، 14 أغسطس 2021 - 01:38 م

بقلم: محمد الشماع

- الشباب والإخوان يعترفون أخيرا: ندمنا على ما فعلنا في يناير

«كان غرض كل الناس نمشي مبارك وبعد كده نتكلم.. مشينا مبارك وبعد كده متكلمناش.. بعد كده اتخانقنا»، هذه الجملة تعتبر المفتاح الأكبر لحل لغز إخفاق ثورة 25 يناير عن تحقيق مطالبها. تلك الجملة قالها وليد عبدالرؤوف، عضو ما سُمي بـ«ائتلاف شباب الثورة» في فيلم وثائقي قصير انتشر بالأمس على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان «المنفيون في جزر الندم».

الفيلم أشبه باعتذار قدمه بعض الشباب الذي شاركوا في ثورة يناير، على مختلف اتجاهاتهم، حيث يظهر فيه أعضاء من ائتلاف شباب الثورة، وإعلاميين، وإخوان أيضاً!، وهم يحاولون إقامة ما يشبه بـ«المراجعات» عن مواقفهم في المطالب التي رفعوها أيام الثورة على مبارك، وهي أشبه بـ«المراجعات» التي أقيمت للإسلاميين المتشددين في السجون في التسعينيات، ولكن هنا «المراجعات» اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لها، ربما قد تصل لأكثر عدد من الناس. 

«المراجعات» التي طرح المشاركون في الفيلم القصير - الذي لم تزد مدته على أربع دقائق - عناوين لها استحوذت على نقاشات كبيرة أثناء الثورة، وبعدها على الفضائيات، بل استمرت تلك النقاشات لسنوات طويلة بعد ذلك. أهم العناوين التي طرحوها كانت «هل ما قمنا به كان الأصح؟». ربما كان هذا السؤال مطروحاً لفترة طويلة، ولكن بعد تلك السنوات خرج هؤلاء الشباب ليؤكدوا أنه ربما كان هناك أصح مما قاموا به، خصوصاً في مسألة الانجرار وراء الهتافات الحماسية والتي حملت في بعضها مطالب مقبولة، ومطالب أخرى لم تكن مقبولة في هذا التوقيت، مثل «إسقاط النظام» الذي استتبع بعد ذلك إجراءات دستورية وقانونية جعلت البلد على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي.

يقول أحدهم إن المطالب التي كان سيوقع عليها شباب الثورة في البداية كانت محدودة نسبياً، مجرد مطالب بتعديل «قانون الطوارئ» و«تغيير الحكومة»، ولكن الهتافات الحماسية كانت آتية من بعيد لتطالب بـ«إسقاط النظام». تم تمزيق الورقة التي كتب عليها المطالب المقبولة والمعقولة، ليكتب بدلاً منه ورقة أخرى، مثلما قال إسلام لطفي، أحد الوجوه المألوفة أيام الثورة، والذي يعمل الآن في شبكة تليفزيون «العربي» القريبة من أفكار الإخوان.

كان الحوار بين الجماعات والائتلافات التي قادت الثورة أشبه بحوار «الطرشان»، حيث يتحدث الشخص ولا يستمع الآخر، وهو ما ظهر في الفضائيات، حيث وصلت الخلافات بين المستضافين إلى حد التراشق بالألفاظ و«الضرب بالأحذية». 

أعضاء حزب الحرية والعدالة المنحل، والتابع لجماعة الإخوان الإرهابية بقرار الحكومة المصرية، وكثير من الحكومات العربية والعالمية، والذين يظهرون في الفيلم، يبدو وكأنهم يغسلون أيديهم من دوامات العنف التي انطلقت في مصر خلال سنوات مع بعد ثورة يناير. دوامات حصدت المئات من المصريين الذين لا ذنب لهم في ذلك. دوامات دفعت ثمنها مصر الثمن باهظاً من حياة أبنائها وفلذات أكبادها. دوامات دفعت مصر ثمنها انهيار أخلاقي وثقافي واقتصادي، احتاجت الدولة أن تقيم قواعد وأسس جديدة بسببها، ما كلفها وقت وجهد ومال كثير.

خرج الفيلم القصير (أو برومو لفيلم طويل قد يخرج بعد أيام) إلى النور ليلة أمس، ونحن في ذكرى فض اعتصام رابعة والنهضة المسلحين. خرج الفيلم وكأن المشاركين يبدون ندماً على إجراءات وأفعال خاطئة ارتكبوها، ولكن تلك الأفعال كانت ستؤثر على مصير دولة كبيرة بحجم مصر، فهل ينفع الندم فيما حدث؟، هل ينفع الندم بعد تعريض هوية دولة بأكملها للخطر، حيث كادت مصر في سنة حكم الإخوان المسلمين أن تفقد مصريتها الحقيقية، وأن تغرق في دوامة التشدد والتطرف والجهل والرجعية. هل ينفع الندم بعد أن سالت الدماء وساد العنف؟، هل ينفع الندم بعد أن صارت «الجزر»، بتعبير عنوان الفيلم، مكانا للهجوم على مصر وشعبها؟. 

خرج الفيلم إلى النور، وربما سيخرج غيره الكثير، مع تقدم الزمن، واختلاف «المراجعات»، والتي نتمنى جميعاً ألا تكون مثل مراجعات كثير من الإسلاميين، الذين أبدوا ندمهم في البداية، ممارسين مبدأ «التقية»، ثم عادوا إلى أفكارهم الهدامة. نتمنى أن تكون الدموع التي ذرفها بعض المشاركين في الفيلم - وغيرهم في الحياة - أن تكون دموعاً حقيقية، لا دموع «تماسيح» يخدع بها التمساح ضحيته.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة