راحلنا الشاب الطيب الوديع ياسين محمد عباس
راحلنا الشاب الطيب الوديع ياسين محمد عباس


كنوز | الوداع يا ابن صفحة « كنوز» .. هنا بدأت ولمعت وتألقت فصرت كنزاً

عاطف النمر

الأربعاء، 08 سبتمبر 2021 - 05:24 م

شاهدت راحلنا «ياسين» لأول مرة فى مكتب الصديق الأستاذ الدكتور أحمد زكى بدر عندما كان رئيسا لأكاديمية «أخبار اليوم»، وشاهدته بعدها أكثر من مرة لحظة خروج ابنتى هند مع زميلاتها من الامتحان وكان زميل دفعتها، شابًا بسيطًا، خجولًا.

ابتسامته تضيء وجهه، وعندما سألت ابنتى عنه روت لى الكثير الذى جعلنى أحبه دون أن اتعامل معه، يكفى أنها قالت إنه كالملاك، طلبت من الزميل عبد القادر محمد على رئيس سكرتارية التحرير بالأخبار أن يتعاون معى «ياسين» فى رسم صفحة «كنوز» التى بدأ مشواره بها، انقل له خبرتى كمهنى سبقته للعمل بأكثر من 35 عاما واستمع لملحوظاته بصدر رحب، وميزة «ياسين» كانت التواضع والرغبة فى التعلم والمعرفة، وصفحة «كنوز» تحتاج لسكرتير تحرير لديه ثقافة حب القراءة لكى يتفاعل مع ما بها من مادة تاريخية لا يعرفها ولم يعشها وربما يقرأ عنها لأول مرة.

وبدون هذا التفاعل ما كانت صفحة «كنوز» تظهر بما يكنه القارئ لها من إعجاب، وأشهد الله أن «ياسين» ببساطته، كان ذكيا لماحا يستوعب بسرعة، ويسأل لكى يفهم ويعرف أهمية العنوان والصورة، فكان يبدع ويتألق فى رسم الصفحة وتنفيذها، وقد أبدى لى رغبته فى أن يتقدم بأعداد منها لمسابقة جوائز نقابة الصحفيين فرع «الإخراج الصحفى»، ووعدنى انه سوف يجمع الأعداد التى يراها متميزة إخراجيا ويتقدم بها، ولا أدرى إن كان قد تقدم للمسابقة أم لا.

وأناشد الكاتب الكبير الأستاذ خالد ميرى رئيس تحرير «الأخبار» ووكيل نقابة الصحفيين أن يختار من زملاء «ياسين» من يبحث فى أدراج مكتبه أو ينتقى له أجمل وأفضل الصفحات التى أبدعها فى «الأخبار» لتقديمها للمسابقة إذا كانت هناك امكانية، وأنا واثق أن اسمه سوف يفوز بالجائزة، وهذا أقل ما يجب أن نقدمه له بدلا من الحزن والبكاء، فلنترجم الحب الذى ابديناه له بفعل عملى، وأناشد اللجنة العليا لجائزة « على ومصطفى أمين» أن يتم منح جائزة الانتماء لاسم « ياسين» الذى كان منتميا بكل جوارحه وصحته ووقته لجريدته. 

الكنوز ليست كل ما هو تاريخى قديم وعتيق، هناك كنوز لها صفة الحداثة، ولكن تحمل نفس الأصالة والعبق والبريق، وراحلنا الشاب «ياسين» الذى فارقنا محلقا نحو مكانه الأبدى على أجنحة الملائكة، « يا سين « كنز استثنائى جاء من زمن النبل العتيق والفروسية التى لم يعد لها وجود فى عالمنا المادى، يقولون «الناس معادن» ولمن يريد أن يفهم حكاية الشاب «ياسين» فهو بإيجاز ينتمى لمعدن الذهب الذى يتحدى الزمن ويحتفظ بنفس البريق.

ولا أجد فى مفردات اللغة ما يجعلنى انحت تسمية صحيحة القب بها راحلنا الشاب الذى نال من الزملاء الكثير من الصفات والألقاب والمسميات المادية والمعنوية والرمزية، هناك من وصفه برمزية «الملاك»، وأنا أول هؤلاء، ومن لقبه بعريس السماء، ومن وصفه بأنه «ابن موت»، ومن أسبغ عليه سمو الخلق والطيبة والطهر والنقاء، و.. و..

إلى آخر ما قرأنا من صفات اطلقت فى لحظة الصدمة والانفعال العاطفى، لكنى بحكم معرفتى الوثيقة والتصاقى به مهنيا وإنسانيا، أسمحوا لى أن أقدم ما استخلصته وتعلمته وعلمته لياسين، أنه شاب «بسيط»، فلا هو متكبر، أومتعجرف، أومتقعر، أومتفلسف، ولا هو مدعٍ بغير ما فيه، بساطة «ياسين» عفوية وجينية، ومن أهم مقومات البساطة ما نطلق عليه «الضمير».

«ياسين» ضمير حى، ولو فهمنا هذه الكلمة الساحرة بدلالاتها ونتائجها لعرفنا سبب كل مشاكلنا مع الحياة والناس، وقد حدثنا «هنرى بريستد» عن جدودنا المصريين القدماء فى كتابه «فجر الضمير» مبينا بالأدلة كيف أشعوا بحضارتهم على العالم لأنهم أول من عرفوا «الضمير»، وابنى الحبيب «ياسين» كان واحدا من «كنوز» هؤلاء الأجداد الذى لم يتلوث ضميره الحى فأبهر كل من حوله، «ياسين» نشأ وتربى وتأدب على يد والده الصديق والزميل القديم محمد عباس «ابن دار أخبار اليوم» الذى كان ومازال إنسانا بسيطا معجونا بالضمير..

فياسين لو كان «تاجرا» فمن المستحيل أن يبيع سلعته بالغش والتلفيق، ولو كان «واعظا» فمن المستحيل أن يقول لك مثاليات من باب النصيحة وتضبطه يفعل عكسها، لم تتلوث فطرته فظل إنسانا بسيطا لكنه عميق الفهم بالمحيط الذى يتواجد فيه، يعلم نفسية من حاولوا استدراجه - من باب الهزار - لسلب بساطته منه، عف لسانه عن الرد بكلمات انما تنطق شفتاه بالابتسامة وتلمع عيناه بضحكة طفولية من يفهما يعرف أن «ياسين» عندما كان يرد بها فهو أشبه برهبان التبت ومن يمارسوا رياضة اليوجا..

ويتعامل ببساطة الصديقين والقديسين الذين يبيعون العالم من أجل أن تظل ضمائرهم حية، ولهذا كان يتقن عمله دون أن يظهر ما بداخله من مرض أو تعب، وما يقدمه فى سلوكياته من صبر وتحمل، وكتمان للسر، وحفظ الود، وبذل كل جهد لتحقيق الفرح للناس. 


عرفتم لماذ احببنا جميعا «ياسين»، ولماذا انفطرت أعيننا عليه بالدمع أثناء مرضه وعند رحيله، احببناه وبكيناه فى محنته لأننا أكتشفنا أننا لم نفهم أن «ياسين» إنسان بسيط عادى جدا ليس له شبيه بيننا وربما سيمضى وقت طويل حتى نعثر على هذا الشبيه، يكون لديه نفس «الضمير»..

الوداع ياياسين، ارقد فى سلام، استمتع بالجنة مع الصديقين والقديسين والأتقياء والأنقياء والأبرار والملائكة، وصلِّ من أجلنا أمام عرش النعمة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة