هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

نفق الحرية

هشام مبارك

الأربعاء، 08 سبتمبر 2021 - 07:28 م

 رغم كثرة الافلام العالمية والعربية التى تناولت هروب مساجين من السجن إلا أننى اعتبر «وداعا شاوشانك» للنجم مورجان فريمان هو عمدة تلك النوعية من الافلام إن صح التعبير. لا أود أن أسرد قصة الفيلم فهى معروفة بل ومحفوظة لعشاق السينما العالمية لكنها باختصار لمن لم يسبق له مشاهدة الفيلم تدور حول سجين دخل السجن متهما فى قتل زوجته وعشيقها فيستقبله أقدم سجين وهو مورجان فريمان الذى يحكى لنا بصوته كل الاحداث منذ لحظة قدوم المصرفى المتهم «اندى» للسجن وحتى لحظة فراره منه. قصة عبقرية وسيناريو وحوار ولا أروع يجعلنى أجلس مشدودا طيلة فترة عرض الفيلم الذى كنت اظنه بالطبع ضربا من الخيال حتى فعلها هولاء الاسرى الفلسطينيون الستة منذ ايام قليلة مضت والذين نجحوا وحرروا انفسهم من سجن اسرائيلى يدعى جلبوع.
لأول مرة فى حياتى أرى الواقع يفوق الخيال روعة وجمالا. فالبطل فى الفيلم دخل السجن متهما فى قضية أخلاقية رغم إنكاره الشديد لها وعدم اعترافه بارتكابها من الاساس، بينما فى الواقع الابطال الستة الحقيقيون هم أسرى لدى العدو الغاصب لأرضهم. تخيل شعورك عندما تجد عدوا يغتصب أرضك ثم يقيم عليها سجنا يضعك فيه أسيرا. تخيل نفسك مثل ملايين الفلسطينيين المكبلين فوق ارضهم التى شهدت ميلادهم والتى يدافعون عنها وعن حريتها منذ نعومة اظفارهم، هكذا يولد كل فلسطينى مرتويا من لبن أمه، ذلك اللبن الذى لا يمده فقط بالعناصر الغذايية المطلوبة ليكبر وينمو بل انه يرضع مع نفس اللبن، إنه مشروع شهيد قبل أن يكون مشروع وطن يبحث عن هوية. وشتان الفارق بين متهم مدان بالقتل ويبحث عن وسيلة للخلاص من السجن ليستمتع بالاموال التى اقتنصها من مأمور السجن الفاسد وبين متهم هو فى الاصل حر صاحب قضية وعقيدة سيظل يدافع عنها ما كتب له من عمر. أقص ما وصل إليه خيال المولف ان يجعلنا فى الفيلم الخيالى نتعاطف مع بطل لسنا متاكدين تماما من براءته بينما فى الواقع الجميل نحن بصدد ستة أبطال كلنا متأكدون من براءتهم تماما، فهل يوجد فى القاموس تهمة تسمى تهمة الدفاع عن حرية الاوطان؟ 
فى الفيلم الخيالى استعان البطل بصورة ممثلة الإغراء الشهيرة ريتا هيوارث حيث وضعها ليخفى بها الحفرة التى ظل يحفرها سنوات طويلة بحيث كلما تعرضت زنزانته للتفتيش تصدرت الصورة المشهد فتشغل المفتشين عما وراءها بينما فى الواقع الجميل لم يلجأ الأبطال لصورة ممثلة إغراء، فقد امتلكوا من قوة الارادة واليقين على صدق قضيتهم ما جعلهم يحفرون نفق الحرية دون الحاجة لصورة مغرية يختبأون وراءها. وإذا كان ذهن المؤلف قد تفتق عن حيلة ذكية جعلت بطله الوهمى يستخدم شاكوشا حديديا صغيرا للحفر فلم يحتاج أبطالنا الحقيقيون أكثر من ملعقة ألمونيوم صغيرة فقط ليأخذوا بأسباب النجاح بينما هم فى قرارة أنفسهم يدركون حقيقة قوله تعالى «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى».
لقد انتهى فيلم «وداعا شاوشانك» النهاية السعيدة حيث تمكن المتهم المشكوك فى براءته من تنفيذ خطته وهرب بعد ان غير اسمه ووطنه ليستمتع بنتيجة هروبه، بينما ابطالنا الحقيقيون نجحوا فى تحرير أنفسهم ومقاومة العدو وليس الهروب من الأسر دون الحاجة لأسماء أو هويات جديدة، بل أعلنوا للعالم كله وبكل فخر أسماءهم الحقيقية وحتى لو نجح الصهاينة فى إعادة اسر هولاء الأبطال فيكفى أنهم حفروا فى داخل كل عربى حر نفقا جديدا للامل لن يختفى أبداً وليذهب افيخاى ادرعى وأمثاله للجحيم، فقد سبق أن قال وبكل فخر إن الفلسطينيين لو أدركوا ما نعرف عنهم لتنازلوا فورا عن فكرة المحاربة فلا شيء يتحرك فوق الارض ولا تحتها دون علمنا بذلك، لا شيء يخفى علينا. خسئت يا افيخاى أنت ومن تمثلهم فسوف يأتيكم الابطال من السماء ومن وراء الجدران ومن تحت الأرض، فلا نامت أعين الجبناء.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة