إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة:

كل هذا الضجيج.. لماذا ؟

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 23 سبتمبر 2021 - 05:55 م

فى الأيام الأخيرة ثار موضوع غريب بين بعض رجال الدين عن الميراث، وهل يحق للإنسان أن يكتب لأبنائه، وخاصة أبو البنات، ثروته وهو حي. هناك من قال إن هذا خطأ وخروج عن الشرع وهناك من قال صحيح. طبعا كعادة هذه الأيام امتلأت الميديا بالنقاش. هناك من رأى أن ما يقوله الرافضون هو الصحيح وكانوا أكثر من غيرهم. طبعا نالهم من البنات والسيدات الكثير من القدح باعتبار أنهم ذكوريون ضد المرأة. الذى لم ينتبه إليه أحد أنه لا وجه لإقامة القضية ومناقشتها أصلا، فما قبل الموت لا يدخل فى الميراث. بل يدخل فى حرية صاحبه فى التصرف فيه. لقد قابلت فى حياتى أكثر من شخص أنجب البنات فقط وكان قبل وفاته فى أزمة شديدة لأن ما يملكه سيكون إرثا يدخل فيه الأعمام أوأبناء الأعمام فالأم والأب ماتا، وفى النهاية كتبا مالهما لبناتهما ضمانا لحياة أفضل لهن . لم يقف هؤلاء أمام أى تفسير فبناتهم أحق بكفاحهم من غيرهم خاصة، أن لا أم ولا أب لأى منهم يمكن أن يظلمه. ما بعد الوفاة هو الذى ينطبق عليه قوانين الميراث، والمسألة لا تحتاج أى دليل دينى فهى تتسق مع العقل، ولم يكن الدين ضد العقل أبدا. بل العقل هو المرجع الذى علينا ان نستخدمه فى محاولة فهم أى شىء، فالعقل يختصر الكثير جدا من الجدل فى التراث الفكرى لباحثى الأديان. المسألة الثانية التى أخذت مساحة كبيرة أيضا من النقاش هى كفر المنتحر. انفجرت من جديد بعد انتحار فتاة وتلاها شاب فى اليوم التالي، فتم تكفيرهما بالقول إن المنتحر كافر لأنه يائس من رحمة الله، بل سيصلى نار الجحيم. لم يدرك أحد أن يأسه هذا هو حالة نفسية جعلته ييأس من كل شىء ومن الحياة نفسها، وأنه لحظة الانتحار لن يذكر الدنيا ولا الآخرة ، بل يذكر الموت الذى يذهب إليه ليرتاح، وربما يرى أن الذهاب إلى الخالق أفضل من البقاء بين البشر. الانتحار حالة نفسية ليست حالة دينية ولا فكرية ولا اقتصادية ولا اجتماعية فقط. هى حالة تتجاوز كل مظاهر الروح والعقل والحياة، مكانها العلاج النفسى قبل الانتحار، لكن من ينتحر لا يتهيأ لذلك فى وقت طويل، ولا يفكر قبلها شهورا فى ذلك ولا يناقش ذلك مع أحد. المسألة كلها لحظات لن تزيد عن ساعة خرج فيها المنتحر من كل مظاهر الحياة، ولم يعد يراها فكيف يقول بعض الشيوخ إنه خارج عن شرع الله، وأنه سيلاقى العذاب فى الجحيم؟ لقد قرأت ذلك منسوبا إلى فضيلة المفتي، وأنا الحقيقة لا أصدق كثيرا مما يقال على الميديا منسوبا لأحد، لكن أكثر من رجل دين أو شيخ قال ذلك، كأنه يناقش المنتحر باعتباره عاقلا، وهذا أمر محزن ألا يعرفوا معنى الانتحار. وبالمناسبة المنتحرون كثيرون جدا فى التاريخ من رجال الفكر والفن ولم يناقشوا أحدا قبل انتحارهم، وإن تركوا وراءهم أوراقا توضح محنتهم لم ينشروها فى حياتهم. هل يعرف أحد لماذا لم ينشروها فى حياتهم؟ . لأن الرحلة للانتحار أخذتهم ولا معنى للمناقشة مع أحد فى شىء. هاتان قضيتان أثيرتا على الميديا وأخذتا مساحة كبيرة من النقاش بينما هما قضيتان سهلتان حقا. الذى جعهلما تأخذان هذه المساحة من النقاش هو رأى بعض رجال الدين الكبار فيها، فهل فات رجال الدين ما قلته وهو بسيط جدا. أن تكون حرا فى مالك فى حياتك، وأن المنتحر لا يفعل ذلك مدركا الفرق بين الموت والحياة . بل تصبح الحياة هى الموت نفسه فيذهب إليه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة