سالم الكتبى
سالم الكتبى


نهاية عصر التدخلات الأمريكية

الأخبار

الأحد، 26 سبتمبر 2021 - 08:37 م

 سالم الكتبى

هل يمكن أن تضمن الدبلوماسية بمفردها تحقيق وعود الرئيس الأمريكى جو بايدن بشأن استعادة هيبة الولايات المتحدة ونفوذها عالمياً، حيث قال فى أولى كلماته بعد توليه منصبه «أمريكا عادت» على الساحة العالمية؟ هذا التساؤل يتجدد بعد أن أعلن بايدن فى كلمته مؤخراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن انتهاء «عصر الحرب التى لا نهاية لها» وتدشين عهد الدبلوماسية، وقال بايدن «أنهينا الـ 20 عاما من النزاع فى أفغانستان، وبينما نضع حدا لهذا العهد من الحرب التى لا نهاية لها، نفتتح عهد دبلوماسية لا نهاية لها»، وأضاف بايدن أن استخدام القوة العسكرية يجب أن يكون «آخر الأدوات، وليس الأداة الأولى»، ويجب «ألا يكون ردا على أى قضية فى العالم».
الرئيس الأمريكى اقترب فى هذا الطرح من وضع مبدأ استراتيجى جديد واستكمل رؤيته قائلاً  «بلا شك، ستحمى الولايات المتحدة نفسها، ونحن مستعدون لاستخدام القوة، لكن كل مهمة يجب أن تكون واضحة الملامح وقابلة للتحقيق»؛ وأهمية هذه الرؤية تنبع من عوامل عدة أهمها عنصر التوقيت حيث يطرح الرئيس بايدن رؤيته عقب الانسحاب الأمريكى مباشرة، وفى ذروة التوتر مع إيران بشأن أزمة الاتفاق النووي، حيث تنطوى هذه الرؤية على رسالة واضحة ومؤكدة بشأن انتفاء أى احتمالات للصدام العسكرى بين الولايات المتحدة وإيران بغض النظر عن الانتهاكات المتواصلة لنظام الملالى ولاسيما فيما يتعلق بتجاوز معدلات تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها فى الاتفاق النووي.
تركيز بايدن على الدبلوماسية فى كلمته بالأمم المتحدة ليس جديداً، فقد سبق أن أكد فى بداية ولايته على ضرورة «الاستثمار فى دبلوماسيتنا» باعتبار أن ذلك «ليس شيئا نفعله لأن هذا هو الصواب للعالم وحسب، بل نفعله كى نحيا فى سلام وأمان ورخاء، نفعله لأنه يصب فى مصلحتنا الذاتية»، فضلاً عن كونه قد اختار وزارة الخارجية مكانا لإلقاء أول كلمة دبلوماسية رئيسية دلالة كبيرة على الأهمية التى يوليها للدبلوماسية والدبلوماسيين فى تحقيق أهداف سياسته الخارجية.
بايدن يعتمد على القيادة من خلال الدبلوماسية، ويعنى بها المزيد من التلاحم مع الحلفاء والشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، ولكن اللافت أنه قد اصطدم مؤخراً بشريك أوروبى مهم هو فرنسا على خلفية اتفاقية اتفاقية أمريكية بريطانية لتزويد أستراليا بغواصات نووية، ماأدى إلى إغضاب  إلى فرنسا التى كانت لديها عقود مع أستراليا مدتها خمس سنوات لتزويد الأخيرة بغواصات تعمل بوقود غير نووي، حتى أن وزير الخارجية الفرنسى جان ايف لودريان وصف الاتفاقية بأنها «طعنة فى الظهر»،  واستدعى سفيرى فرنسا من الولايات المتحدة واستراليا. وهذه الواقعة تحديداً تعكس عدم قدرة إدارة الرئيس بايدن على تفادى الأخطاء التى وقع فيها الرئيس السابق ترامب مع الحلفاء الأوروبيين، ماتسبب فى تفاقم أزمة تراجع الثقة بين حلفاء الأطلسى لدرجة سحب السفراء بين باريس وواشنطن فى واقعة غير مسبوقة أطلسياً.
الشواهد تقول أن الكثير من المراقبيين يشككون فى فاعلية الخط الذى تنتهجه الإدارة الأمريكية الحالية، ويتهمونها بالضعف والتراخى فى مواجهة التحديات والأزمات التى تمس مصالح الولايات المتحدة، ولكن يبدو أن الرئيس بايدن ينطلق من قناعة راسخة بقدرة الدبلوماسية على توفير الحلول لجميع هذه التحديات ولكن منتقديه يرون فى الرهان الحصرى على الدبلوماسية نوع من التردد والتباطؤ وعدم القدرة على المزاوجة بين العصا والجزرة فى السياسة الخارجية الأمريكية، لاسيما أن هناك أنظمة مارقة مثل ملالى إيران ينظرون إلى دبلوماسية بادين باعتبارها نوع من الضعف بل وانحسار النفوذ الأمريكى عالمياً، مايشجعهم على المزيد من التمادى فى انتهاك التزاماتهم المنصوص عليها فى الاتفاق النووى الموقع عام 2015.
الخلاصة أن ارتهان الرئيس بايدن لاستخدام القوة بـوضوع الملامح وقابلية الأهداف للتحقيق تعنى انتفاء قدرة الردع بشكل كبير لاسيما فى ظل التعقيدات التى تحيط بملفات الصراع التى تتداخل فيها القوة الأمريكية، فسيناريو مثل ضرب المنشآت النووية الايرانية لا يندرج بالتبعية ضمن الأهداف القابلة للتحقق بشكل موثوق، نظراً لاعتبارات وعوامل عدة ولكن المعروف أن مجرد التلويح باستخدام القوة العسكرية وخشية نظام الملالى من التعرض لضربة أمريكية قد تطيح به من السلطة كانت تمثل عامل ضغط هائل على قادة النظام، ولكن اسقاط الرئيس بايدن لورقة الردع العسكرى بشكل فعلى يفتح الباب واسعاً أمام المزيد من تشدد الملالى وتلاعبهم بالقانون الدولي، وهذا الأمر يمكن أن يتكرر فى ملفات ومناطق أخرى ما يضعضع ثقة حلفاء الولايات المتحدة فى التعهدات الأمريكية الخاصة بحمايتهم ضد أى اعتداءات.
الانسحاب الأمريكى من أفغانستان قد لا يكون مؤشراً حقيقياً على تراجع نفوذ الولايات المتحدة وقوتها العسكرية، ولكن رؤية الرئيس بايدن بشأن الاعتماد المطلق على الدبلوماسية فى تحقيق أهداف السياسة الخارجية ونهاية عصر التدخلات الخارجية، هو ما يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل القيادة الأمريكية للنظام العالمى وقدرة واشنطن على الاحتفاظ بمقعدها فى ظل التحديات الصعبة التى تواجهها، فهيبة الولايات المتحدة ونفوذها العالمى طيلة العقود والسنوات الماضية اعتمد بشكل أساسى على القدرة على الانتشار عسكرياً وامتلاك القدرة على حماية المصالح الأمريكية والتدخل دفاعاً عنها فى أى منطقة من العالم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة