أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
عامود الخيمة..الأب .. فى سينمانا المصرية !
الجمعة، 22 أكتوبر 2021 - 01:14 م
أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
“ عامُــود الخيمــة “ .. هذا التعبير الدال الذي يعني المعادل الموضوعي لكلمة “ الأب “ في لغتنا العربية الرائعة؛ وترجمته ــ بالمعنى الإنساني ــ هو الراعي والسند والحماية من الرياح العاتية في صحراوات حياتنا؛ لكل من أتوا من صُلبه ودمه؛ وهي بخلاف كلمة “ الأبــوَّة “ التي تعني الحنان والحب والرعاية؛ لمن هُم ليسوا من صُلبه ودمه؛ أو كانوا ذوي قربى في الإنسانية وتربطهم ــ فقط ــ وشائج الروح الشفافة المُحبة لكل ماهو جميل في الحياة .
وتقول ـ الموسوعة العالمية ـ بتصرف ـ : “ ... من أجل تكريم وتعظيم دور “الأب “ والاحتفال به عالميًا ؛ تم العمل على تخصيص يوم الأب ( Father’s Day) هو احتفال عالمي اجتماعي، يُشبه يوم الرجال الدولي، باستثناء أنه يختص لتكريم الآباء، ويُحتفل به في أيام مختلفة في أنحاء العالم... “ .
ولقد اعتمدت الفنون كافةــ وبخاصة سينمانا المصرية والعربيةــ على الإضاءة والتجسيد لشخصية “ الأب “؛ والتعريف بمدى سباحة جينات الحب والرحمة ــ العفوية التلقائية ــ في دماء وشرايين من وهبه الله لقب “ أب “؛ ليتساوى _ في الجمال والمودة والرحمة ــ مع من وهبها الله نعمة الأمومة؛ وللأمومة قدسيتها وجمالها في حياتنا الدنيوية.. لأنها التعبير الصادق والعملي على استمرارية الحياة إلى يوم يبعثون !
وعلى طول سنوات صناعة السينما في مصر منذ أكثر من مئة عام ؛ قدَّم صناع هذا الفن عشرات النماذج من/ وعن صفات المرأة “ الأم ‘ و “ الأمومة “ بشكل عام في شتى الاتجاهات والمواقف الإنسانية منذ ظهرت على الشاشة البيضاء الفنانات : دولت ابيض،فردوس محمد،أمينة رزق،عقيلة راتب، وغيرهن ؛ وقدمت أشكالا مختلفة من العلاقات الإنسانية عن المرأة “ الأم” والأمومة؛ بداية من استعراض مواقف سنوات المراهقة والحب العذري والرومانسية والزواج ومشاكل الأسرة والأطفال والتربية والتعليم .. بل وصلت حتى مشارف التقصي والبحث عن مشاكل العنوسة والطلاق في مجتمعاتنا المصرية والعربية؛ وقامت تلك الأفلام بالمساهمة الفعالة في إلغاء وتغيير بعض القوانين؛ وأنشأت الجديد في التشريعات القانونية والدستورية،ولكن .. لم تقم السينما بالإضاءة الكافية على شخصية “ الأب “ــ وعلى استحياء ــ إلا في القليل من أفلام فترة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي بأبطال تلك الحقبة الزمنية : حسين رياض، زكي رستم، سراج منير، يوسف وهبي،فاخر فاخر، عبد الوارث عسر، سليمان نجيب وغيرهم ، ويأتي بعدهم في الحقبة التالية أبطال جيل الوسط : يحي شاهين، عبد المنعم مدبولي، الرائع الفنان العالمي /محمود المليجي، فريد شوقي ( بعيدًا عن أدوار الشر )، رشوان توفيق، حسن حسني ... إلخ .
ولعلي أقف ـ في جملة اعتراضية ـ للرصد والتوثيق ــ لأقول : إن سيدة الشاشة العربية / فاتن حمامة؛ لعبت باقتدار “دور الأب “ في رائعتها : أفواه وأرانب”؛ قبل أن تتغلب عليها جيناتها الأنثوية بالخضوع لمنطق الحب .. لينتصر “الأب “ ـ أخيراً ــ في داخلها لتستمر الحياة بينها وبين متطلبات الأفواه والأرانب .. ولتقدم لنا السينما المصرية رائعة من روائعها عبر تاريخها الطويل .
ولأننا كشعب يحب الدخول في المقارنات والموازنات بين الأبطال الرجال في تلك الأفلام؛ والبحث عن أيهم كان الأبرع في تجسيد أدوار البطولة في تقديم شخصية “ الأب “ في أبهى صورها وعمقها الفني والأنساني؛ أرى أنه لم تستطع أقلام السادة النقاد أن تقدِّم واحدًا على الآخر، وكانوا جميعًا بمثابة حديقة الفاكهة الموسمية على أفنانها؛ ولكل صنف من تلك الفاكهة طعم ومزاج خاصين، يختلف باختلاف صاحبه واختياراته وقناعاته .
وإذا ما لجأنا إلى مجال المقارنة لاختيار أفضل وأبرع من قام بدور الأب في أفلام السينما المصرية؛ سنجد في مقدمة المرشحين لنيل لقب “الأجدر” ؛ هو الفنان الكبير/حسين رياض الذي يتمتع بـ “ كاريزما “ صوته العميق وملامحه الطيبة التي يعرف عن طريقها كيف يستغل موهبته الفذة في الارتقاء بلغة الجسد وتتشكل ملامح الوجه؛ والوصول إلى درجة عالية من إقناع المُشاهد بالجدية والوصول إلى حالة تمثيل “اللاتمثيل “ ؛ حتى تظن كأن المَشاهِـدْ على الشاشة البيضاء جزءٌ لايتجزأ من الأحداث في واقع الحياة ؛ ولا ينسى المتفرج العادي أدواره في فيلم “ رُد قلبي “ وشخصية الجنايني الريِّس “عبد الواحد” .
ويأتي الفنان/يحي شاهين في كفة الميزان المقابلة للفنان/حسين رياض ؛ لتتأرجح الكفتان والوصول إلى حالة توازن بدوره الخالد بشخصية “سي السيد “ في ثلاثية نجيب محفوظ ومقدار البراعة في أداء دور “الأب” الحازم القاسي على أهل بيته؛ ولكنه في المساء يبدو كرجل آخر بكل مواصفات “رجل الليل” الذي يعشق ويشرب ويغني ويرقص ضاربًا عرض الحائط بكل شخصية المستبد القاسي في منزله !
ولكن يبدو أن خياراتي تتعارض مع مشجعي الجيل القديم في السينما المصرية والانحياز التام للفنان العظيم/زكي رستم ؛ وهو الذي برع في أداء دور الأب الحنون المسالم الذي يرعي بناته في غياب الأم ؛ ويقوم بتحمل أعباء الحياة في التربية والإنفاق على أولاده ؛ وليصنع النموذج الأمثل لما يكون عليه “الأب” في المجتمع المصري والعربي .
ولضيق المساحة .. نقول أن هناك العديد من الفنانين الذين يستحقون “جائزة الأوسكار “ في القيام بشخصية الأب الذي يحمل على أكتافه عبء توجيه المجتمع إلى قدسية وعظمة دور شخصية “الأب” الذي بدونه نشعر بان رياح الحياة العاتية؛ تهز بعنف وخطورة “عامود الخيمة“ الذي نحيا تحت ظلاله وننعم بروعة الحنان الذي يمنحه وجود العائل الكبير بين أحضان أهله وذويه .
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة