عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

الإيمان بالعلم يجنب تجريب الجهل

الأخبار

السبت، 27 نوفمبر 2021 - 06:08 م

وإن كان لا أحد فوق الكرة الأرضية، بما فى ذلك العلماء والخبراء والمتخصصون فى الدراسات العلمية المستقبلية يملك حتى مشروع جواب واضح عن ركام الأسئلة، الذى يزيد تراكمه كل لحظة و حين، و تتعلق كلها بالتطورات المتعلقة بهذا الفيروس اللعين، الذى أحدث رجات عنيفة فى الأوضاع الاجتماعية كما فى الأوضاع الاقتصادية و السياسية، و تسبب فى سيادة مظاهر خوف مقلقة جدا، نتيجة انعدام وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل المنظور .و كل ما يمكن الإقرار به لحد اليوم أن العلم و العلماء فشلوا فى القضاء النهائى على هذا الفيروس الصغير، بل لم يجمعوا حتى على مصدره و منشئه، و بقى الفيروس حيا ، يمارس نشاطه المدمر بكثير من الحرية و الأريحية.


لا جدال فى أن سنتين من عمر الوباء، الذى لا يمكن التكهن لحد اليوم بعمره الافتراضى ، غيرت ملامح النظام العالمي، و تسببت فى بداية إعادة تشكيله على أساس المعطيات و النتائج، التى تسترسل تداعيات انتشار الوباء فى الكشف عنها. لقد دمر الوباء حياة ملايين البشر سواء الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة بسببه فى غياب شبه مطلق للعلاج الطبى المناسب، أو الذين فقدوا مصادر عيشهم و وجدوا أنفسهم فى لحظة مباغتة بدون مصدر رزق، لأن كثيرا من الاقتصاديات تهاوت بسبب الخسائر الفادحة التى تكبدتها، نتيجة تدابير الإغلاق و العزل التى سارعت مختلف السلطات العمومية، فى جميع أنحاء العالم، إلى اتخاذها للاحتماء بها فى مواجهة الشراهة العنيفة التى أبداها الفيروس خلال فترات طويلة .و لم تكتف تداعيات الوباء بعد سنتين كاملتين بهذه الحصيلة الكارثية ، بل طالت جوانب أخرى من الحياة البشرية، حيث مثلت هذه الجائحة فرصة سانحة لتجريب مجموعة من القيم الإنسانية، كما الشأن بالنسبة للتضامن العالمى و التعاون بين الشعوب فى مواجهة الكوارث الكونية و الطوارئ العالمية . كما كانت مناسبة لائقة لاختبار قوة ومتانة الخدمات العمومية، خصوصا فى مجالات الصحة و الرعاية الاجتماعية .و لا غرو فى أن الجائحة خلفت بعد سنتين فقط من عمرها أجواء رعب حقيقية فى العالم بأسره، لا فرق فى ذلك بين دولة عظمى و أخرى متوسطة القوة و ثالثة ضعيفة القوة.  هذه الأجواء ناتجة عن انعدام وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل المنظور . فما تأكد لحد اليوم أن خطورة هذا الفيروس لا تحد، و تكمن أساسًا فى التحول والتغير والتناسل والتوالد، مما حد من الفعالية العلمية للقاحات و من الجهود العلمية المبذولة فى سبيل القضاء عليه. و واضح أن مشروعية هذه المخاوف مبررة فيما يعيشه العالم حاليا، حيث ارتفعت معدلات الإصابات بالفيروس اللعين بشكل مذهل وخطير فى الدول التى حققت أعلى معدلات التطعيم ، فى بريطانيا كما فى هولندا، كما فى النمسا، كما فى فرنسا و ألمانيا و غيرها كثير ، مما ساهم إلى حد كبير فى أن يفقد جزء كبير جدا من المواطنين فى مختلف أرجاء العالم الثقة فى فعالية هذه اللقاحات الكثيرة التى قيل فى البداية إنها كفيلة بالقضاء على الوباء، قبل أن يقال إنها تحمى الذين خضعوا لها من الإصابة، قبل أن ينزل السقف إلى مجرد تخفيف الأعراض بعد الإصابة، و قبل أن يتم الترويج للحقن بالجرعة الثالثة لأن عمر الجرعتين السابقتين محدود. و هكذا أضحى مفهوما، حتى لا نقول مبررا، انعدام الثقة المطلقة فيما يبذل من جهود علمية جبارة للقضاء على الوباء، خصوصا أن جميع الدول العظمى التى عاد الفيروس للانتشار فيها بشكل مهول لم تجد بديلا عن التدابير الاحترازية التى اتخذت فى بداية انتشار الوباء، حيث أعادت من جديد فرض إجراءات الحجز و الإغلاق، و أكثرها ليونة فى مواجهة هذا التغول الجديد للفيروس فرضت تدابير اعتبرها عدد كبير جدا من المختصين مسا واضحا و خطيرا بحرية الأشخاص فى التنقل و فى اتخاذ القرارات بصفة مستقلة ،خصوصا ما يتعلق بالتوفر على جواز التلقيح الذى ارتأى بعضهم أنه لا يعنى فى نهاية المطاف غير فرض إجبارية التلقيح ، الذى قيل فى البداية إنه اختيارى ، و إخضاع المواطنين لتدابير تمييزية خطيرة ، و هذا ما ذهب بالبعض بعيدا فى الاعتقاد بنظرية المؤامرة ، التى تمثل أسهل و أبسط سلوك بشرى فى التفاعل مع ما يحدث .


أجواء القلق التى تؤشر على بداية تشكيل معالم نظام عالمى جديد تجلت أيضا فى الرفض العارم الذى انتشر فى كثير من مناطق العالم، حيث خرج ملايين الأشخاص إلى الفضاءات العامة فى حركات رفض واحتجاج لتدابير التضييق، ليس بسبب القناعات السياسية فقط الرافضة لجميع مظاهر التضييق على الحريات، و لكن أيضا لأنه بالنسبة لملايين الاشخاص، فإن هذه التدابير تمثل مواصلة إغلاق شرايين الحياة، و بالتالى قطع الأرزاق على ملايين الأشخاص الذين يفضلون مواجهة الوباء بما يحمله ذلك من مخاطر على تدابير العزل والإغلاق التى تعنى بالنسبة إليهم موتا أليمًا لا يختلف عن خطر الموت الذى يحمله الوباء بصفة مباشرة.


ما هى آفاق الأوضاع العالمية فى ضوء ما تعيشه البشرية حاليا ؟ سؤال يكتنف الجواب عنه كثير من الغموض والالتباس بعدما نجح الفيروس فى فرض نفسه كحقيقة ثابتة أضحت ملازمة للحياة البشرية المعاصرة ،بما يعنى ذلك من حتمية تكييف هذه الحياة للتعايش مع الوباء .و أقصى ما يمكن أن نفسر به هذه المعادلة الصعبة هو تكريس الثقة فى العلم كملاذ أخير لتجاوز مرحلة القلق و الخوف. فحياة الإنسان مهما طال أمدها، فهى قصيرة، و من الأفضل أن يعيشها الفرد فى أجواء الثقة و الاطمئنان بديلا عن الهوس و الخوف، و لأننا لا نملك ملاذا آخر أكثر أمنا واستقرارا، و إن كان الإيمان بالعلم فى هذه المرحلة مكلفا نفسيا واقتصاديا واجتماعيا بالنظر إلى محدودية التصدى العلمى للوباء، فإن الكفر بالعلم فى الظروف الراهنة قد يكون أكثر تكلفة ، فالإيمان و الاعتقاد فى العلم اليوم أقل خطورة من تجريب الجهل ، لأن العواقب فى هذه الحالة قد تكون أكثر خطورة وقتامة .


نقيب الصحفيين المغاربة

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة