سلمى قاسم جودة
لحظة وعى
سلمى قاسم جودة تكتب : نجيب محفوظ.. بداية بلا نهاية
السبت، 11 ديسمبر 2021 - 11:17 ص
غيابه حضور.. رحيله خلود.. ميلاده إشراقة منحت المجد الأبدي.. للرواية العربية.. فى يوم الإثنين ١١ ديسمبر ١٩١١ وُلد نجيب محفوظ لتتجلى عبقرية البقاء وروعة الموهبة الفذة التى لم ولن تتكرر.. وإذا كان الأديب العظيم كتب (بداية ونهاية) وفيما بعد (حكاية بلا بداية ولا نهاية)، فهو بحق البداية التى لن تعرف قط النهاية، فلقد هزم العدم، الزمان والمكان من خلال بصيرته الثاقبة وقلمه النافذ إلى غياهب الروح الإنسانية ففتنت إبداعاته العالم بأسره.. شيد تلك الحارة الكونية، والمقهى الذى هو بمثابة الرحم الأصيل للوجود.. العطوف، الأزقة، والحارات تحاكى الجواهر المرصعة لعرش الأدب.. تلك هى كلماته من (العائش فى الحقيقة): اسعدت.. بالتوجه إلى تيار التاريخ الذى لا يُعرف له بداية ولن يتوقف عند نهاية، ويضيف كل ذى شأن إلى مجراه موجة مستمدة من حب الحقيقة الأبدية..
عندما يعصف بى الشوق إلى نجيب محفوظ المبدع والإنسان الاستثنائى ألوذ بعالمه الروائى الشاهق التنوع، الثراء والغزارة، أدلف بنهم إلى قاهرته المحفوظية، أعاود النهل من تلك الجدارية المتعملقة.. حيث الرواية التاريخية، الاجتماعية، السيكولوچية، الفلسفية، السياسية، ثم اقتفاء أثر التراث وأيضا هذه الومضات الصوفية، فهو يتقن التحولات والوثبات الأدبية.. أراه دوما أعظم أدباء العالم قاطبة بدون أى تحيز، فلقد اكتنز أدبه خصائص لا يضاهيه فيها أحد، العمق والجاذبية الساحرة فى آن، الغزارة مع الإتقان والصدق، العمر المديد الذى أتاح له فرصة السخاء فى العطاء، روعة الأسلوب، يقول فى (نجيب محفوظ فى سيدى جابر): اإن الأدب الذى لا يرتقى إلى مرتبة الشعر.. حتى لو لم يكن منظوما.. ليس من الأدب فى شيءب.. أما عن جاذبية النص والإيقاع اللاهث، العامر بالتشويق.. فأعتقد أن ولع محفوظ بالرواية البوليسية فى صباه أفضى إلى بُعده عن أى ترهل ينال من إبداعاته، وأذكر أنى قرأت منذ بضعة أعوام كتابا فرنسيا شديد الطرافة عن ١٠٠ رواية شهيرة، ومن المفترض أنها عظيمة، ولكن أغلب القراء يدّعون قراءتها، ولكن الحقيقة أن لا أحد أكملها، ومن بين تلك القائمة (عوليس).. لچويس.. ١١٠ أعوام مضت على ميلاد نجيب محفوظ هو يحكي: امنذ مولدى فى حى سيدنا الحسين وهذا المكان يسكن فى وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جدا، أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائما بالحنين إليه لدرجة الألم، والحقيقة أن ألم الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحى حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية، كانت متعتى الروحية الكبرى هى أن أذهب لزيارة الحسينب ويضيف: اكل إخوتى وُلدوا فى بيت ابدرب القزازينب، وأنا الوحيد بينهم الذى وُلدت فى ابيت القاضيب، والمكانان فى الجمالية.. كان ميدان بيت القاضي، يتميز بالهدوء والاتساع، وتكثر فيه أشجار كنا نسميها ادقن الباشاب.. النيل هذا الضوء السائل.. تلك المرآة النورانية بمثابة القرين الذى لازم محفوظ طيلة حياته وألهمه أروع كتاباته، أغلب مقابلاتى معه كانت على ضفافه فى منزله، كازينو قصر النيل، فندق شبرد، وكان يلتقى جمال الغيطانى ويوسف القعيد فى مركب (فرح بوت). الأستاذ هو العاشق الأصيل للحياة، للصداقة، للقيم النبيلة المزينة للوجود، الباحث بشغف عن معنى الحياة وخبيئتها، يقضى منها وطرا ليحوّلها إلى كلمات تنفذ إلى واقعنا عابرة، باقية سرمدية.. كتب فى (حضرة المحترم): اإنى أشتعل ياربي.. النار ترعى روحه من جذورها حتى هامتها المحلقة فى الأحلام.. وقد تراءت له الدنيا من جلال نظرة ملهمة واحدة.. كموجة من نور باهر.. فاحتواها بقلبه وشد عليها بجنون.. كان دائما يحلم ويرغب ويريد ولكنه فى هذه المرة اشتعل، وعلى ضوء النار المقدسة لمح معنى الحياة..ب
أعاود قراءة (رأيت فيما يرى النائم) لأضمِّد الخواء النابع من الفقدان، أقاوم الحنين الموجع والإرهاصات الشتائية، وأختار من تلك المجموعة (الحلم رقم ١١) الذى يوافق يوم مولد أديبنا: ارأيت فيما يرى النائم.. أننى حزين وقلبى ثقيل ولكننى لا أعرف سببا معينا لحالي.. وسرت فى طريق مجهول حتى أرهقنى السير.. وشعرت طوال الوقت بأننى أسعى وراء غاية لكنها غابت عن وعيى أو غاب عنها وعيى.. وتبرق لحظة خاطفة فى غياهب نفسى مغررة بى فأتوهم أننى مستكشفها، ولكنها سرعان ما تغوص فى الظلام مخلِّفة يأسا.. ودوما لا أكف عن التطلع والانخداع واليأس، ولا أكف عن السير.. وصحبنى الحزن مع خطاي، وانثالت علىّ صور متلاحقة سريعة هامسة بذكريات الهناء الراحل والأحبة الذاهبين.. وأذهلتنى كثرتها كما أذهلنى عدمها.. وقعقع الرعد حتى ارتعشت أطرافي، ولكنه قال بصوت واضح.. سوف تنقشع الأحزان وينهمر المطرب.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة