مغازي شوقي
مغازي شوقي


شتاء الغربة

بوابة أخبار اليوم

السبت، 15 يناير 2022 - 04:10 م

بقلم: مغازي شوقي

مستيقظا اليوم على صوت وإيقاع المطر على نافذة حجرتي.. حبات المطر الغزير أبت إلا أن توقظني من نومي وبصحبتي طوفان من الذكريات .. رائحة الشتاء هنا مختلفة.. صوت البرق والرعد موجع .. مع كل موجة برق تخطف من عمري عقداً ومن روحي دهراً من وجع البعاد .. الشتاء هنا موحش.. اختفى سرب اليمام عن المشهد وتغيب الحمام عن طابور الصباح اليومي . فقط أنا والمطر وبعض حبات القمح المعدة لإطعام الطيور في انتظار عودتها ..  مطر الغربة يطول ولا ينقطع والأمنية بعودة ظهور الطيور  أيضاً لا تموت .. ومن خلف النافذة مازلت اترقب   ومعي حاضر مفترس ..  وصندوق ذكريات الشتاء في القرية .. قاطع هذه الصورة  صوت دقة هاتفي ، احد الأصدقاء كان هناك ليسألني : وماذا تفتقد في هذه الأجواء ؟ فهو يعلم أنني في وطني كنت احب الشتاء كثيراً ، كان اكثر أصدقائي قرباً لروحي .. كنت انتظره كل عام حتى اشعر بارتواء عروقي منه وصفاء نفسي بنسماته الباردة .. 

قلت لصاحبي: وأكثر ما أفتقد في هذه اللحظة هو مشهد جلوسي  بشرفة المنزل بالقرية مرتديا معطفي الأزرق الداكن ووشاحي الصوف الناعم . وبيدي كتاب أطالعه. مطلآ برأسي على حديقة أبي الصغيرة ومتمعنآ في حبات المطر التي تنهمر على أشجار الجوافة .. تتحرك عيناي من خلف نظارة القراءة كبندول الساعه مراقبة حركة السيارات النادرة على الطريق المواجه. وبديناميكية طبيعية التقط كوب الشاي الساخن الممزوج بخليط النعناع الأخضر و استمع الى صوت الموسيقى الصوفية الهادئة التي ترن في أذني فتملأ رأسي . يخفت صوت الموسيقى حين تقترب سيارة ما بضجيجها ويزعجني ضوء مصابيحها الأصفر الكالح . يفسد هذا اللون تلك اللوحة المرسومة أمامي . هدوء وسكون . ضوء قمر جميل ورائحة المطر وسيمفونية حباته تعزف أروع لحن يصل إلى مسامعك حين تداعب في سقوطها  أشجار النارنج الراقصة وتكعيبة العنب.

المشهد الريفي في المطر لا يضاهيه عمل سينمائي ولا لوحات فان جوخ .. من يستطيع ان يصور لنا بريشته احساس هذا الرجل الفلاح البسيط وهو يسابق الزمن تحت زخات المطر متلفحاً بالإنسانية والمسئولية ويذهب هو  رغم المعاناة  والكدر ليحضر لهم البرسيم من الحقل ويبقيهم هم بالمنزل في منأى عن البرد والمطر ..  أي إنسانية وأي مسئولية هذه !! أي بهجة في صورة لمجموعة من البط تجمعت راقصة ومغنية ومطلقة أجنحتها تحت المطر وكأنها فرقة للباليه المائي من الجميلات .. من بقدرته ان يعبر عن طعم كوب الشاي المعد على الفحم في كوخ أو عش ريفي بسيط في وسط المزارع  تجمع حوله الطيبون للتدفئة ..  يا صديقي .. المطر في الغربة وجع .. لكن مطر الوطن غير .. الشتاء في الوطن دفء وإن كانت درجات الحرارة كمثيلاتها في موسكو .. يبقى طعم الشتاء في الوطن مختلف .. فانعم به أو تعلم ان تنعم ..

في حوار مع مجموعة من الأصدقاء كان السؤال : ما معنى الغربة ؟ قال أحدهم .. المغترب هو من نأى عن وطنه .. وقال آخر : بل من فارق أحبته ، ورد ثالث : من عاش وحيدآ ، ثم تناوبوا تعريف اللفظة كلا منهم مسهباً في تفسيره .. وحينما لاحظوا صمتي سألوني وأنت ماذا تقول في الغربة :  فأجبت ببيتين من الشعر القديم مذكراً .

جسمي معي غير أنّ الرّوح عندكم ..  فالجسم في غربةٍ والرّوح في وطن

فليعجب النّاس منّي أنّ لي بدناً ...   لا روح فيه ...  ولي روح بلا بدن.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة