محمد سعد
محمد سعد


أمنية

محاكم التفتيش

محمد سعد

السبت، 22 يناير 2022 - 05:19 م

أصبحنا نتفنن فى قتل بعضنا البعض بدم بارد و اخترعنا أساليب وحيلا جديدة، بل إننا أصبحنا محترفين على حمل النفس ودفعها إلى الهلاك، خلال الأيام والأسابيع الماضية، صعدت أرواح إلى بارئها، وهى فى عمر الزهور، قتلوا جميعا أو حملوا على إزهاق أرواحهم لأسباب لم ولن تكون منطقية أبدًا خاصة مع طبيعة المجتمع المصرى الذى يمتاز بسماحته.


لا أتصور أبدا أن تتملكنا العدوانية إلى هذا الحد، ننصب أنفسنا قضاة ونصدر الأحكام وننفذها، أى عدوانية هذه التى وصلنا إليها ولماذا؟ تغيرات اجتماعية طرأت على المجتمع فسّخت من تقاليده وقيّمه وأعرافه، محاكم التفتيش التى عرفتها أوروبا فى أواسط القرن الثالث عشر وكانت -أكثر المؤسسات البشرية سيئة الصيت-باتت فى كل شارع، منصوبة فى الحوارى والأزّقة، قضاتها جلادون لا يعرفون إلا لغة القتل وسفك الدماء.


الأمثلة عديدة ومتعددة، حتى فى ريف مصر الذى يقطنه الطيبون والعارفون بالله، هنا كفر الزيات، ولدت بسنت وترعرعت، كانت كل يوم يكبر حلم بداخلها، حتى اصطدمت بقسوة المجتمع، وأوقعها طريقها فى شاب لا يعرف الكرامة والعرض ولا الشرف والأمانة وحاول ابتزازها، ولم يكتفِ بذلك بل استعان بأصدقاء له لتكن حفلة ابتزاز جماعي، لكنها كانت أقوى منهم جميعا ولم تستسلم، لكن بينها وبين نفسها كانت أضعف ما يكون، ولم تجد من يدعمها وأمام قوتها المفرطة ظل الجناة - والذى أحيل منهم 5 للمحاكمة وينتظر أن يحال الباقون إلى محكمة الطفل لصغر سنهم- يضيقون عليها الخناق حتى اضطرت إلى الخلاص من روحها.


عندما تصدر محكمة الأرض أحكامها على الصَبية، هل تكون بسنت استعادت شرفها الجريح، هل يلزم المتهمون بإعادة روحها إلى جسدها؟، هل تسير أسرة بسنت بين الناس ورؤوسهم بلغت عنان السماء؟، لا والله لم يشفِ الحكم ولم يعد يجدي، فالضحية فارقت الحياة بعد أن أصدر قضاة محكمة التفتيش حكمهم عليها ونفذوه وحملوها على قتل نفسها.


ومن كفر الزيات إلى غرب المنصورة حيث المعلمة آية، التى رقصت على ظهر مركب نيلي، وكأنها رقصت على عرش كِسرا أو أن وسطها هز ممالك الروم وهو يتمايل يمينا ويسارا، يمكن أن تكون أخطأت، لكن أحد مرتادى الرحلة المشؤومة وأحد قضاة محكمة التفتيش سيئة السمعة كان له رأى آخر فصوّر زميلته خلسة ودون أن يدرى أحد، لكنه قرر عدم ابتزازها مثلما فعل صبية كفر الزيات، وتقدم ببلاغ ضدها ونشر المقاطع المصورة على شبكات التواصل الاجتماعى !.


كانت النتيجة أن آية فى بداية الأمر خسرت عملها الذى يدر عليها حفنة جنيهات شهريا، والخسارة الأفدح أنها أصبحت منبوذة من المجتمع، طلقها زوجها وهجرها أبناؤها وقاطعها أشقاؤها، وأصبح الناس فى الشارع يصوبون إليها النظرات كالسهام، وحاول الجميع حملها على الانتحار، لكن بلطف الله صمدت، وهى الآن تجاهد أن تصلح ما أفسده قاضى محكمة التفتيش.  


الأمثلة كثيرة ولم تتسع المساحة لذكرها، لكن الأهم من ذكر الحوادث أن ينظر المجتمع بحكمة ووعى إلى التغيرات التى طرأت على تقاليده وأعرافه ويحاول الناس جاهدين فى العلاج فورا، يقول تعالى ..

«وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» «البقرة:205».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة