أسامة عجاج
أسامة عجاج


يوميات الأخبار

ليبيا.. زمن الفواتير المتأخرة

أسامة عجاج

الخميس، 03 فبراير 2022 - 08:27 م

ليبيا جزء من تاريخ منطقة مأزومة، لم يكد الغرب ينتهى من إتمام مخططه ضد العراق، فقام بفتح ملف ليبيا المسكوت عنه منذ أوائل ثمانينات القرن الماضى، لنعيش مرحلة مع عقاب شعب عربى آخر.


لست من أتباع ولا معتنقي، نظرية المؤامرة فى فهم أحداث تاريخ المنطقة العربية، ولكن نظرة شاملة على أحداثها، تقول إنها بها جزء من الحقيقة، هى منطقة مستهدفة؟ نعم، خاصة تلك الدول التى كان لقياداتها مشروعات خاصة مختلفة، وقد تكون بصورة أو بأخرى متناقضة مع مصالح الغرب وأهدافه فى المنطقة، ولعل فى الحقب الأخيرة من القرن الماضي، تحديدا منذ الخمسينات وحتى الآن ما يؤكد ذلك، ولدينا ثلاثة نماذج فى مصر والعراق وليبيا، والجمع بين تجربة عبدالناصر وصدام والقذافى فقط من زاوية استهداف الغرب، مع التأكيد على اختلاف الملامح الشخصية، والتباين فى التجارب الثلاثة، دون أن ينفى ذلك وجود أخطاء كارثية فى كل منها، سمحت بنجاح المخطط الغربي، وفى يومياتى السابقة منذ شهر تحدثت بالتفاصيل عن استهداف العراق خاصة مع صدام حسين، وفى هذه اليوميات نرصد تجربة ليبيا القذافي، مع مرور ١١ عاما على الثورة الليبية، ودور حلف الناتو فى اسقاط نظامه عبر التدخل العسكرى المباشر بقيادة فرنسا، فالغرب صبر على مشروع ليبيا القذافى طوال سنوات طويلة، حيث تراكمت الملاحظات، والمناكفات وخلاف المصالح، ومن ذلك موقف القذافى من عملية السلام مع اسرائيل، وتبنى المنظمات الفلسطينية المتطرفة، وإبداء العداء الدائم للسياسات الأمريكية، ودعم منظمات مناوئة لسياسات الغرب، ومنها الجيش الجمهورى فى أيرلندا، والتصدى لمصالح الغرب  فى افريقيا، خاصة فرنسا.


 وجاء زمن الحساب  الحقيقى على ثلاث مراحل، (الأولي) بإثارة قضية تورط ليبيا فى قضية لوكيربى وتفجير الطائرة الفرنسية فى سماء النيجر، وفرض حصار على الشعب الليبى بقرار من مجلس الأمن فى نهاية مارس ١٩٩٢، على أن يتم التنفيذ بعدها بأسبوعين، والتى استمرت سنوات، ورغم كل التنازلات التى قدمها نظام القذافى وتعديل سياساته، (والثانية) التخلى طواعية عن البرنامج النووى الليبي، أما (الثالثة والأخيرة)، فكانت الانتقام الأكبر فى إنهاء النظام برمته فى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١.


ملف متأخر 


على عكس ملفات عربية أخري، وزيارات لدولها فقد تأخرت زيارتى الى العاصمة الليبية طرابلس سنوات، وكانت الأولى  فى أغسطس ١٩٩٠، وتحديدا فى قمة الدار البيضاء  العربية فى مايو 1989، بعد أن اتفق مبارك والقذافى على عقد قمتين فى  مرسى مطروح، والثانية فى طبرق على جانبى الحدود، حيث تم الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية، وفتح السفارات. 


طرابلس وإن طال الغياب 


ونعود إلى الزيارة الأولى للعاصمة طرابلس، حيث تمت دعوة الإعلام المصرى ومكاتب وسائل الإعلام الدولية الى مؤتمر صحفى للعقيد الراحل معمر القذافى فى الأسبوع الأخير من أغسطس ١٩٩٠، لتقديم مبادرة ليبية لإنهاء الأزمة بين العراق والكويت، بعد حادث الغزو، فى ٢٩ أغسطس، كتبت تقريرا عنوانه (سر موقف القذافى المتوازن من أزمة الخليج)، ربطت فيه بين تحفظ الموقف الليبى وعدم تحمسه  للشعارات العراقية البراقة، حول فعل الغزو، وذكرت يومها أن المتابع للسنوات الأخيرة للشأن الليبي، يكتشف أن النظام خرج من مرحلة (النقاء الثوري)،الذى ارتكب خلالها أخطاء كثيرة، إلى مرحلة (النضج الثوري) والتى أتاحت مراجعات على أكثر من صعيد، ورصدت مواقف سابقة تؤكد ذلك، طرح العقيد القذافى يومها مبادرة لإنهاء الأزمة فى إطار عربي، دون أى تدخل خارجي.


وحقيقة الأمر، ان التقرير لقى استحسان كبير من احمد قذاف الدم، وقد فتح الطريق الطريق أمام لقاء وصداقة أعتز بها مع أحمد قذاف الدم، ولقاءات شبه دائمة، وأتذكر أنه فى نهاية نوفمبر من نفس العام، أننا عدنا كإعلاميين بالعشرات من جديد الى العاصمة طرابلس، لحضور مؤتمر صحفى عالمى للعقيد القذافي، ليعلن فيه نتائج مبادرته فى الجمع بين الرجلين الملك فهد وصدام حسين، بحضور العقيد القذافي، مع اشتراط السعودية إعلان العراق انسحابه من الكويت، بأى صورة من الصور، لتسهيل عقد اللقاء، وتأجل المؤتمر الصحفى يوما كاملا.


الفاتورة الأولى


وجاء الدور على ليبيا، بعد انتهاء الجولة الأولى من استهداف صدام حسين فى العراق بعد تحرير الكويت فى فبراير ١٩٩١، فبعد أشهر فقط وتحديدا فى نوفمبر من نفس العام، أعلنت واشنطن رسميا اتهامها لاثنين من الرعايا الليبين  بالمسئولية عن تفجير إحدى طائرتها ونجحت أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فى إصدار قرار من مجلس الأمن فى نهاية مارس من عام ١٩٩٢ والمتضمن فرض عقوبات جوية وعسكرية ودبلوماسية على ليبيا، وأتذكر أننى كنت فى زيارة للعاصمة طرابلس وقت صدور القرار، فأصابنى قلق شديد حول طريقة عودتى فى ظل الحصار، ولم أطمئن سوى بعد قراءة القرار بصورة كاملة، حيث ترك فرصة أسبوعين لبدء تنفيد القرار، حيث عانى الشعب الليبى الأمرين من الحصار الجوي، وكانت الأزمة وتطوراتها، وراء تعدد زيارتى لليبيا مع الراحل الكبير الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام للجامعة العربية، التى دخلت على خط الحل منذ بدايتها، وكانت إحداها فى أبريل ١٩٩٤، على متن طائرة خاصة حيث بدأت الرحلة من القاهرة حتى مطار جربة فى جنوب تونس، وهو أقرب المطارات إلى ليبيا، ومنها بالسيارات الخاصة بالمراسم إلى طرابلس، حيث التقينا بالعقيد فى خيمة له، لمناقشة مقترح الجامعة العربية بمحاكمة المتهمين أمام محكمة العدل الدولية، وتعددت الزيارات وحضور بعض الاجتماعات الرسمية. 


وخلال الأزمة حاول العقيد القذافى التوصل الى حل بعد تضييق الحصار، عن طريق دخول وسطاء، وعقد مباحثات غير معلنة، وإدخال جهات ومنها شركات بترول امريكية، لها مصالح توقفت فى ليبيا نتيجة الحظر، واستخدم أساليب مختلفة منها، (التقرب إلى إسرائيل) بالسماح بزيارة عدد من الليبين الى مدينة القدس، ومنها (إثارة مشاكل) وكان هذا واضحا فى قرار طرد العاملين الفلسطينيين فى ليبيا فى أكتوبر ١٩٩٥.


  واستمر الحصار حتى ابريل عام ١٩٩٩ بعدما وصل المشتبه بهما فى حادث لوكيربى إلى لاهاى فى هولندا، بقرار من الأمم المتحدة، بعد ان تسبب  فى إلحاق أضرار بالغة للشعب الليبي، طالت اوجه الحياة الانسانية والاقتصادية والاجتماعية، واثرت فى البرامج والخطط الانمائية ووصلت ارقام الخسائر إلى أكثر من ٣٣ مليار دولار، وكانت القطاعات الأكثر تضررا هى الصحة والزراعة والمواصلات والنقل والاقتصاد والطاقة. 


الفاتورة الثانية 


ووعت ليبيا درس الحصار وأثمانه، كما أخذت العبر مما تعرض له العراق، بعد إخراجه من الكويت، وإثارة أزمة برنامجه النووي، ودور الأمم المتحدة فى تنفيذ قرارات أممية عبر لجان تفتيش من الوكالة الدولية للطاقة، للبحث فى مزاعم أمريكية بامتلاك العراق لمشروع إنتاج أسلحة نووية وكيماوية، ومحاولة استغلالها فى إذلال النظام، بتفتيش القصور الرئاسية، وإدرك أنه هو المرحلة الثانية بعد الانتهاء من ملف لوكيربي، خاصة وأن الغرب كان على إطلاع كامل بتطورات البرنامج، ولديه كل الوثائق عن طريق جواسيس لهم، وأتذكر إننى زرت مرافقا للسفراء العرب فى القاهرة، بدعوة من سفيرة ليبيا سلمى راشد ضمن اتفاق على اعداد كل سفير  لزيارة إلى دولته، حيث كان مصنع الرابطة ضمن البرنامج، واستمعنا الى شرح من العاملين هناك، إلى آلية العمل مع نفى إنتاجه للأسلحة الكيماوية. 


الفاتورة الأخيرة  

  
شهدت فترة العشرية الأولى من القرن الحالي، جهدا ليبيا للانخراط ضمن المجتمع الدولي، اتفاق مع إيطاليا، ومشاركات فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطرح مشروعات للتغيير بقيادة سيف الإسلام القذافي، ولكن مع أول خروج ليبين محتجين فى بنغازى وطرابلس، كجزء من ثورات الربيع العربي، جاء وقت الحساب، فقد قرر الغرب التدخل العسكرى عن طريق هجمات جوية من قوات الناتو، وفى القلب منها فرنسا، واستمر القصف شهورا حتى سقط النظام، ولأن الغرب كما هو فى الحالة العراقية، لديه مخططات إسقاط الأنظمة، دون أى رؤية لمرحلة ما بعد ذلك، وعندما انهار النظام، ترك الشعب الليبى فى حال يرثى لها اقتتال ليبى ليبي، بعد اقتحام والسيطرة على مخازن الأسلحة التابعة للنظام، وقيام كل مدينة أو قبيلة فى حماية نفسها، ومع مرور ١١ عاما على الأحداث، دخلت ليبيا فى (نفق مظلم) ولم نعد نرى (ضوء) فى نهايته، انسداد سياسي، وصل الى درجة العجز على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وصراع أخذ بعدا عسكريا، سمح بتدخلات خارجية من جهة عديدة، ومختلفة ووجود قوات اجنبية وميليشيات، تدعم هذا الطرف، او ذاك مؤتمرات دولية واقليمية تنفض دون تحقيق أى نتائج ملموسة، وانهيار اقتصادي، وفاتورة اعادة تعمير، يقدرها وزير ليبى ب١١١ مليار دولار، ويصل الرقم إلى ٢٠٠ مليار دولار، وفقا لإحصائيات تقرير للبنك الدولى.   


النهاية 


وأربكت ثورة الشباب الدولة الليبية، والتى عجزت حتى على اقناع الامانة العامة بمشاركة السفيرة سلمى راشد، بالعمل من جديد كمندوب لبلادها فى الجامعة العربية، وأتذكر أننى التقيتها أثناء وجودها فى القاهرة، فطلبت منى زيارة طرابلس والاطلاع عن قرب على الاحداث هناك، فاشترطت لاتمامها ضمان اجراء حوار مع العقيد القذافى أو على الأقل سيف الاسلام، ويبدو ان الامر كان مستحيلا، فاعتذرت عن الزيارة، ومن يومها غابت ليبيا عن أجندة زياراتى الخارجية، ولكنها ابدا لم تغب عن اهتماماتي، ومتابعتى وكتاباتي.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة