واحد من الـ50
واحد من الـ50


فرفش كده | واحد من الـ50

الأخبار

الخميس، 03 فبراير 2022 - 08:38 م

أحمد الرومى

كان وياما كان، فى هذا العصر والأوان، رجلٌ عطّاس بأنفٍ ملتهب مزكوم، كالقرطاس، كلما هاجمته نوبة سعال سارع بتنحية الكمامة عن وجهه فى الحال، طالقًا أنفه الموجوع على عتبة شباكٍ مفتوحٍ فمه كبهلوان ضاحك. دافعًا هواؤه رزار العطسات نحو مصارين الباص، والناس يا سادة فى المواصلات العامة ملمومة لمّة. 


ظل صاحبنا يتلذذ بالتعاطس، ويتمزّج بمبادلة مجاوره الدعاء له أن يرحمه الله، ويرزقه الصحة والعافية. حتى وإن غاب التباعد وتركت الكمامات وجف الكحول.


وفجأة هتف الكمسرى من آخر العربة على وقع خبطات صنعها بدفتر التذاكر. قائلًا بشمم آمر «ابعااااااات». 


أخرج الراكب المزكوم الأجرة، بعد رحلة دعك فى وجهه بأصابعه العشرة، والتفت نصف التفاتة وقال لمن خلفه «اديله واحد م الخمسين».


تناقلت الأيدى «الخمسين»، أول من استقبلها كان شابًا ذاهبًا للجامعة، سلمها لسيدة جالسة خلفه، تعمل موظفة بجمعية خيرية، ومنها إلى معلمة فى مدارس شعبية، تبعها عامل فى مصنع بقلاوة وكيك.


 وهكذا دوليك.


وصلت ورقة خمسين جديدة «بشوكها» ليد الكمسرى الخبيرة، فنشرها فى الهواء عاليًا، ليتأكد أنها ليست مزيفة، ثم فركها ودسها بين باقى العملات فى يده، وبلل إبهامه بلسانة بلّة سخية، لقطع ورقة من دفتر التذاكر، حتى صارت التذكرة من ريقه مرخية، وصاح وهو يمد يده لأقرب راكب أمامه «تذكرة وباقى خمسين فى السكااااااة هتجيك».


وهكذا دواليك.


ومرّ اليوم بسلام، وذهب الجميع إلى الديار وناموا، وفى اليوم الثالث من اليوم الموعود، أيقظ الكمسرى صوت لطم على الخدود وإذ به يجد حرارته مرتفعة، والجسد كأن به أمر هدد، فلم يقدر على النهوض فصاح «المدد المدد»، فنادوا له الإسعاف، فنقلته إلى المشفى باللحاف، وهناك أخذ من الوقت فُسحة إلى أن أجروا له الكشف والمسحة، إذ به يفاجأ بالنتيجة «بوسيتيف كورونا»، فصرخ: «كيف أتانى الفيروس ابن المجنونة!». ودخل فى عزلٍ مقفول بعد أن صرفوا له البروتوكول.


وهكذا دواليك.


وفى يوم التعافى والخروج، كان الكمسرى بالفرح ممزوج، الشمس فى حضن السماء ساطعة، وعيونه للحياة جائعة، وإذ به فى ساحة المشفى الواسعة. يلمح معلمة الإعدادية، والست موظفة الجمعية، وعامل البقلاوة والكيك، وكلما دقق فى الوجوه تذكر وجوها قابلها، وأخرى لم يعرفها، لكنه وسط الزحام، وجد صاحب الورقة «أم خمسين» يعبر بوابة الخروج وقد أزاح الكمامة عن أنفه ليغطى بها ذقنه، ناسيًا ما جرى له فى أمسه.


قطع رحلة التدقيق سارينة إسعاف مشتعلة كالحريق، ومسئول الاستقبال ينادى على الإسعاف بصوتٍ مجلجل «ابعااااااات»


وهكذا دواليك.

اقرأ أيضاً |فرفش كده .. إشارة الحب حمرا

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة