أحمد الإمام
ياسر .. رحل ويبقى الأثر
الجمعة، 04 فبراير 2022 - 02:30 م
أحمد الإمام
شهدت الصحافة المصرية عبر تاريخها الطويل والحافل عشرات المواهب الفذة التي أبدعت بمداد القلم وكانت جسورا تعبر عليها الحقيقة الى الناس كل يوم.
ولكن من بين عشرات المواهب التي امتلأت بهم الصحف المصرية عبر العصور ، قليل منهم وصل الى مرحلة الاستاذية ، وهي أن يكون الصحفي الموهوب صاحب مدرسة قائمة بذاتها يتعلم فيها شباب الصحفيين أصول وقواعد المهنة.
ولدينا عشرات الامثلة لهؤلاء وهؤلاء ، بمعنى اننا لدينا مثال للاستاذ المعلم متجسدا في الراحل مصطفى امين الذي كان حريصا على نقل تجاربه وخبراته إلى الاجيال التالية بلا تحفظ ، وعلى العكس كان هناك موهوب آخر وهو الكاتب الكبير أحمد رجب الذي ظل بكل عبقريته في صومعته الخاصة ينثر عطر موهبته في زاويته اليومية التي تحمل اسمه «نص كلمة» دون أن يسعى لتشكيل المدرسة الخاصة به ونقل خبراته للاجيال الجديدة.
وكان الراحل ياسر رزق آخر حبة في عنقود المواهب الصحفية الفذة ينتمي الى فئة الأساتذة المعلمين الذين ينقلون خبراتهم للأجيال الشابة دون أن يبخل عليهم بنصيحة أو معلومة حتى أصبح صاحب مدرسة قائمة بذاتها في الصحافة المصرية تخرج منها عشرات النوابغ الذين يدينون له بالفضل والاستاذية.
وكانت جنازة الكاتب الراحل استفتاء غير مباشر على المكانة التي كان يتمتع بها في القلوب .. وكانت الدموع الصادقة التي انهمرت من عيون معظم المشيعين دليلا دامغا انه لم يكن جملة اعتراضية في تاريخ الصحافة المصرية بل كان عنوانا للابداع والتميز.
ياسر رزق لم يكن يشغل منصبا رسميا منذ رحيله عن منصب رئيس مجلس ادارة أخبار اليوم منذ 14 شهر تقريبا ولكنه كان أكبر من أي منصب فهو من القلة التي تمنح اسماءهم بريقا للمنصب وليس العكس ، بدليل انه تولى رئاسة تحرير مجلة الاذاعة والتليفزيون وكانت عبارة عن نشرة اسبوعية تتضمن مواعيد الافلام والمسلسلات فقط ، فتحولت على يديه الى مجلة فنية وسياسية شاملة ، وقفزت ارقام توزيعها الى أرقام غير مسبوقة.
وتكرر نفس النجاح والتوهج في تجربته مع جريدة الاخبار قبل أن يقيله الاخوان من رئاسة تحريرها.
وعندما انتقل الى جريدة المصري اليوم انتقل معه النجاح والتألق وكأنه وقع معه عقدا طويل الأجل.
كانت قرارات ياسر رزق المهنية حليفة للصواب دائما انطلاقا من موهبة حقيقية وعقلية فذة ولكنني أرى ان التوفيق خانه في قرار واحد كان له تأثيرا سلبيا عليه بعد ذلك.
وكان هذا القرار في عام 2017 عندما تم الفصل بين الادارة والتحرير وكان عليه أن يختار بين منصب رئيس مجلس ادارة اخبار اليوم ورئيس تحرير الاخبار وهما المنصبين اللذين كان يجمع بينهما ، فاختار ياسر رزق منصب رئيس مجلس الادارة ليغرق في المشاكل والهموم الادارية من عينة الميزانية وتدبير المرتبات والحوافز والبدلات وأزمات الاعلانات والتوزيع وغيرها ، ويبتعد رغما عنه عن معشوقته الاولى التي يجيدها بحرفية وتمكن وهي الصحافة.
وأزعم ان قلبه المتعب لم يتحمل هذا الفراق ، ولم ينجح مقاله الاسبوعي في ملء هذا الفراغ المهني في أعماقه وتعويضه عن عشقه لصناعة الصحيفة بالكامل بداية من الصفحة الاولى وحتى الصفحة الاخيرة .
وأحسبها كانت الغلطة المهنية الوحيدة في حياة فارس الصحافة الراحل ياسر رزق والتي لم يدفع وحده ثمنها بحرمانه من عشقه الاول والاخير بل دفع ثمنها أيضا الآلاف من القراء الذين حرموا من عطر موهبته مع كل مانشيت وخبر.
رحم الله ياسر رزق .. وإلى لقاء قريب في عالم أفضل.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة