طبيبتان بيطريتان فى حديقة الحيوان  بالجــيزة تشرفان على نظافة فيل صغير
طبيبتان بيطريتان فى حديقة الحيوان بالجــيزة تشرفان على نظافة فيل صغير


كنوز الأميرة

تجربة خاضتها الطبيبات المصريات لأول مرة عام 1970.. الأيدى الناعمة بين أقفاص الحيوانات

آخر ساعة

السبت، 05 فبراير 2022 - 01:58 م

أحمد الجمَّال

كثيرة هى المهن التى يظن الكثيرون أنها مقتصرة على الرجال فقط، لكن هناك حالات عديدة ظهرت فيها حواء وهى تعمل فى هذه المهن التى تبدو صعبة أو تنطوى على مخاطر.. وقبل نحو 52 عاما نشرت المجلة تحقيقًا للكاتبة الصحفية الكبيرة سميرة جورج، تحت عنوان تجربة جديدة تدخلها الأيدى الناعمة، رصدت من خلاله قيام مجموعة من الطبيبات البيطريات المصريات بالعمل بين أقفاص الحيوانات فى حديقة الحيوان بالجيزة.. التفاصيل المثيرة فى ذلك الوقت نعيد نشرها بتصرف محدود فى السطور التالية:

الأيدى الناعمة بدأت تظهر بين أقفاص الحيوانات.. لا للفرجة عليها إنما مسئولة عنها.. اعتاد الحراس ذلك.. رحبوا بها بينهم وتقبلوا وجودها معهم.. وهى فى تجولاتها تختلف نظرتها عن أى زائرة عادية، فهى بنظرة فاحصة يجب أن تدرك وتحس احتياج الحيوان من وقاية وعلاج ورعاية وتغذية، فهذه هى طبيعة عملها.. طبيبة فى حدائق الحيوانات بالجيزة.

وإفســـــاح المجـــــــال أمامهــــا بين الحيوانات لم يكن بالطريق السهل.. وحدائق الحيوانات لم ترحب بدخول المرأة إلا عام 1964 بالتحاق الدكتورة ميرفت مرقص بعد تخرجها مباشرة فى كلية الطب البيطري، ولكن نجاح الدكتورة ميرفت وتفوقها فى كل المهام التى أسندت إليها جعلت مديرى حدائق الحيوان يغيرون تفكيرهم إزاء المرأة، فأصبحوا أكثر مرونة فى تقبل المرأة للعمل بينهم، فمن بين خريجات الطب البيطرى لعام 1969 تم اختيار ثلاث طبيبات للعمل فى الحديقة، وهن: الدكتورة سامية السيد، والدكتورة نجوى فرغل، والدكتورة ناهد عبدالعزيز، ومعهن طبيبة خامسة هى الدكتورة لوريس وكانت تعمل من قبل فى جمعية الرفق بالحيوان وتعمل فى حدائق الحيوان فى قسم التغذية، وبذلك أصبح عدد الذين يشرفون على حيوانات الحدائق 16 طبيبًا بيطريًا، بالإضافة لطبيب مهمته الإشراف على تغذية الحيوانات.

ويقول الدكتور حسن حافظ، المدير العام لحدائق الحيوانات: إن الطبيبة لا تمارس عملها مع الحيوانات فور التحاقها بحدائق الحيوان، بل تمضى ما يقرب من 6 شهور للتدريب فى كافة الأقسام بحيث تمر على جميعها قبل تخصصها فى فرع من الفروع وهى تتلقى محاضرات فى علم الحيوان، والبيئة، وتنسيق الحـــــدائق، والإنشـــــاءات، وتغـــــذية الحيوان وطرق علاجها، ومواعيد تقديم الوجبات، وذلك تحت إشراف أطباء وأساتذة من قصر العينى وكليات العلوم والزراعة والهندسة، إذ يجب أن تكون على دراية شاملة بكل ما يخص الحديقة.

والمجال واسع جدًا للعمل فى حدائق الحيوانات، ففيها 3 أقسام للحيوانات.. الثدييات، والزواحف والطيور، وبها متحف يضم أنواعًا نادرة من الحيوانات فى العالم، بالإضـــافــــة لحيـــــوانات الحـدائق.. وأخيرا المكتبة الفنية، ويفضل وجود المرأة فيها لما تتطلب من بحث فى الاطلاع والدراسة والتصنيف، ويؤكد المسئولون فى الحديقة أن الخوف ليس من عدم قدرة المرأة على العمل، إنما الخوف على المرأة نفسها من طبيعة هذا العمل بالذات.

وقــــــابلــــت الــــدكتـــــور محــــمــــد عبدالرحيم، وكيل حدائق الحيوان.. إنه بمثابة الصديق لجميع الأطباء البيطريين فى الحدائق، وهو يدعمهم بنصائحه وإرشاداته وتوجيهاته، ولكنه يحوط الطبيبات بشيء من الخوف والحذر.. إنه يشبه الذى يخاف على طفله وهو يخطو خطوته الأولى فى سنه الصغيرة، يخشى عليهن من مواجهة الجمهور والاحتكاك بمشكلاته ومشاجراته وعدم فهمه للحيوان.. يخشى عليهن من مشاكسة الجمهور للحيوان.

ويقول عبدالرحيم: انحن لا نتجنى على المرأة عندما نحد من دخولها كطبيبة فى حديقة الحيوانات، فنحن نخاف عليها لا من الحيوانات القابعة فى أقفاصها، إنما للأسف من الجمهور الزائر.. إن مهمتها حماية الحيوان والمحافظة عليه من كل أذى.. فهل فى وسعها حمايته من مشاكسة الجمهور.. إن الطبيب أقدر فى هذه الحالة، وهذا هو تفسير تجوُّل الطبيبات فى أرجاء الحديقة وبين الأقفاص من دون ارتداء المعاطف البيضاء التى تميزهن، وهذا التصرف لا يعنى إطلاقًا عدم تقديرنا لكفاءة المرأة، ولذلك يُطلقُ الأطباءُ فى هذا المجال حتى نجنب الطبيبات متاعب هن فى غنى عنها.. وعلى كل فهو يرشح الطبيبة فى الحدائق للعمل فى المتحف فهو يحتاج لتحنيط وتنسيق وفى مجال التغذية أو المكتبة الفنية.

أما الطبيبات فلهن رأى آخر، كل منهن خاصة حديثات التخرج، يؤكدن أنهن كفيلات بالقيام بالمسئولية كاملة والتجربة ستبرهن على صدق عزيمتهن..

 وسألتهن: هل هو حماس الوظيفة الجديدة؟

ـ أبدًا.. إن نوع العمل يتناسب تمامًا مع طبيعة المرأة، فمعاملة الحيوان أو الجمهور تحتاج إلى كياسة وذوق وصبر، إلا فى الحالات االشاذةب التى تتطلب بعض العنف.

 أيهما أصعب: العمل مع الحيوانات المفترسة فى الحدائق أم حيوانات السلخانة؟

ـ إن تدريباتنا فترة الدراسة فى السلخانات المختلفة يؤكد أنه لا يمكن فى يوم من الأيام أن تصبح المرأة طبيبة فى السلخانة.. فى إحدى المرات كادت امَعلمةب أن تفتك بإحدى الزميلات وهى تفحص الذبائح، فكلمتها لا تتعداها كلمة امرأة أخرى.. فما بالك بـاالمَعلمينب الرجال، أما فى حدائق الحيوان فمعاملة الحيوانات نفسها تعتبر نعمة كبيرة.

 وهل لدى كل منكن الشجاعة الكافية لمواجهة أى حيوان؟

ـ عملنا فى الواقع لا يحتاج لشجاعة، لأننا على دراية بكل طباع الحيوان، بالتالى يسهل علينا التعامل معه.

ويتكلم الدكتور كمال نجاتي، مدير قسم الوقاية والعلاج فى حدائق الحيوان، فيقول: االوقاية هى غالبًا ما يحتاجه الحيوان هنا، أما العلاج ففى حالات نادرة تكفى نظرتنا إلى عين الحيوان أو أسنانه لنقف على أى تغيُّر طرأ على صحة الحيوان. وبالنسبة إلى حالات الولادة صنعنا جهازًا يحدِّد موعد الولادة التى تكون عادة طبيعية، إلا فى حالات نادرة تكون فيها الولادة متعسرة وتحتاج إلى تدخلٍ من الطبيب.

 ما أهم ما يلفت النظر فى عالم الحيوان؟

ـ الأمومة.. من أفضل الغرائز التى وهبتها الطبيعة للحيوانات.. تعلقها بصغارها وعنايتها لها وحمايتها من الخطر وهى مدفوعة إلى ذلك بعامل المحافظة على كيانها واستبقاء جنسها، فأنثى الفيل مثلًا تكون عادة هادئة الطبع وديعة، ولكنها تثور وتغضب إذا مس الضرر صغيرها، وتدافع عنه حتى آخر رمق فى حياتها.. وفرس النهر (سيد قشطة) على ضخامته يمتاز بحنانٍ وعطفٍ شديدين على صغاره، ويثور بعنف للدفاع عنها والأمثلة كثيرة بين الطيور.

وعاطفة الشفقة ليست مفقودة فى الحيوان، وكذلك قوة الاحتمال والصبر.. الإنسان لا يقوى على الجوع أكثر من أيام معدودة، بينما الثعابين تقضى الشتاء كله فى سُبات عميق من دون أن تتذوق الطعام!

ولكن قوة الذاكرة ضعيفة عند الحيوان، ولهذا فهو أسعد حظًا من الإنسان، لأنه إذا حزن لفقد صغاره فإن هذا الإحساس لا يدوم عنده كثيرًا، وإذا أدركه الخوف من عدو مفاجئ فإن خوفه يزول متى زال الخطر، وهو لا يفكر فى الموت ولا ينتظره ومثله فى ذلك مثل الطفل يعيش لساعته ولا يعرف للموت معنى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة