أم كلثوم - أحمد حسانين باشا - محمد التابعى - مصطفى أمين
أم كلثوم - أحمد حسانين باشا - محمد التابعى - مصطفى أمين


فى ذكرى وفاة اكتنفها الغموض.. أحمد حسنين باشا فى مرآة التابعى ومصطفى أمين وأم كلثوم

عاطف النمر

الأربعاء، 09 فبراير 2022 - 05:48 م

فى ١٩ من شهر فبرايرعام ١٩٤٦ لقى أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى وزوج الملكة نازلى والدة الملك فاروق مصرعه فى حادث غريب ومريب يصفه الكاتب محمد السيد صالح فى كتابه «أسطورة القصر والصحراء..

أحمد حسنين باشا»  قائلا: «مات أحمد حسنين ولم يعرف أحد إن كان موته قضاء وقدرًا أم كان حادث قتل مدبراً، ففى ظهر يوم ١٩ فبراير ١٩٤٦كان أحمد حسنين مدعواً على الغداء فى بيت أحد أصدقائه ، لكن الأعمال تراكمت عليه فى مكتبه بقصر عابدين كرئيس للديوان الملكى، فاعتذر للداعى وأكمل بقية أعماله، وفى الساعة الثالثة ظهرا غادر القصر فى سيارته متجهًا إلى بيته بالدقى..

وعندما كانت السيارة تعبر كوبرى قصر النيل، ظهرت فجأة من الناحية المضادة سيارة لورى تابعة لقوات الجيش الإنجليزى بسرعة جنونية، ودار اللورى الإنجليزى فى لحظة حول سيارة أحمد حسنين وصدمها صدمة هائلة.

تقهقر اللورى الإنجليزى إلى الخلف ودار نصف دورة حول سيارة أحمد حسنين، ففوجئ بسيارة قادمة من الإتجاه الآخر، فعاد إلى الخلف مرة أخرى ليصدم سيارة أحمد حسنين مرة ثانية، وتصادف وقتها مرور سيارة أحمد عبد الغفار وزير الزراعة، فأسرع بنقل الباشا بسيارته إلى مستشفى الأنجلوأمريكان، لكن روح أحمد حسنين فاضت إلى بارئها قبل الوصول للمستشفى».

 ويرسم لنا أمير الصحافة محمد التابعى صورة وافية لأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى الذى كان على معرفة وثيقة به فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة» قائلا: «هو الرجل الذى كان بيده خيوط السياسة المصرية فى الفترة من عام 1940 إلى عام 1946، كان خلالها يقيم الوزارات ويسقط الوزارات، وهو فى نفس الوقت حريص على أن يبدو فى تصرفاته وأقواله كرجل لا يعرف شيئا مما يقع فى البلد، ولا يد له فى أى أمر يقع، بل ويؤكد لمعارفه أنه لا يفهم شيئا فى السياسة، وكان طول عمره موضع إعجاب النساء.

كان فيه كل ما يعجب المرأة، كان ممشوق القامة، حلو الحديث، حسن الهندام، جذاباً، مؤدباًَ، إذا أقبل على سيدة يتحدث معها خُيّل إليها أن حسنين لا يرى سواها ولا يهتم بسواها، كان رياضياً ممتازاً وبطلاً مبرزاً من أبطال السيف، ورحالة مشهوراً، جاب مجاهل الصحراء، وجابه أخطارها، واكتشف واحة أو واحتين، ودوى نبأ اكتشافاته فى جوانب العالم.

وكرمته الدول والهيئات العلمية والعالمية، وكانت ثقافته واسعة متعددة الألوان، كان يستطيع أن يتحدث بسهولة فى الشعر العربى القديم والحديث، وفى المسرح، والفرق بين المدرسة الإنجليزية فى التمثيل والمدرسة الفرنسية، والصيد والقنص والطيران، كان يتحدث فى الموضة وتطوراتها، وكان يمكنه أن يناقش وعلى قدم المساواة أية سيدة خبيرة فى الأزياء». 


 وكتب عنه مصطفى أمين مقالاً فى ذكرى وفاته بمجلة «آخر ساعة» عام 1950 يقول فيه: «كنت أقلب فى أوراقى القديمة فوجدت ورقة مطبوعة باللغة الإنجليزية وقد كتب فى ظهرها ما يلى «أعطانى حسنين باشا هذه الورقة فى فبراير عام 1943 وقال لى فيها سأعطيك نصراً صحفياً.

وهذه وصيتى، فقلت له إنها قصيدة للشاعر الإنجليزى كبلنج، فقال إنها عندى من سنة 1913 وقد قرأتها آلاف المرات وحاولت أن أجعل حياتى تسير على هداها، وأن تكون تصرفاتى على منوالها وإن لى وصية لمن بعدى؟ فهذه القصيدة هى وصيتى ولو عشت لجعلت حياتى عبارة عن أبيات هذه القصيدة.

 ولو مت فستكون حياتى قصيدة ناقصة» ، قلت له ضاحكا: «ستعيش حتى تتم القصيدة»، فضحك وقال «خذها على كل حال»، وقد مرت سبع سنوات كان حسنين باشا رئيس الديوان ملء السمع والبصر واليوم أصبح حفنة من تراب!

وعندما نقرأ القصيدة نجدها تقول «إذا استطعت أن تحتفظ برأسك فى الوقت الذى يفقد فيه من هم حولك رءوسهم وينحون عليك بالأئمة، وإذا وثقت فى نفسك فى الوقت الذى يشك فيك الجميع ومع ذلك سامحتهم لأنهم شكوا فيك، وإذا استطعت أن تنتظر ولا تمل الانتظار، ولم تقابل أكاذيب الناس بالأكاذيب، وإذا كرهت الناس فلا تكرههم.

 وإذا استطعت أن تحكم دون أن تسيطر عليك أحلامك وأن تفكر ولا تجعل التفكير هو كل أهدافك، وإذا استقبلت النصر كما تستقبل الهزيمة، وإذا استطعت أن تتحمل نتيجة أقوالك، وأن تجعل من كل انتصاراتك نصراً واحداً ثم تغامر به وتفقده، ثم تعود فتبدأ من جديد بغير أن تتحسر على ما فقدت، إذا استطعت أن تتحدث إلى الشعب من غير أن تفقد فضائلك وأن تصاحب الملوك من غير أن تفقد الشعب.

وأن تمنع الأعداء والأصدقاء من أن ينالوا منك، وأن تحسب لكل إنسان حسابه، وأن تملأ فراغ كل دقيقة من حياتك بالعمل، إذا استطعت أن تفعل هذا كله ملكت الأرض وما عليها وأصبحت أكثر من ذلك رجلاً يا ولدى»، ويستطرد مصطفى أمين فى المقال قائلا: «عندما أقرأ هذه القصيدة أجد قصة حسنين كلها ومفتاح شخصيته كلها..

نعم كانت حياة حسنين قصيدة خالدة».


 وكانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم  من الأصدقاء المقربين لأحمد حسنين باشا الذى كان يعشق صوتها، وفى مقال نشرته فى «آخر ساعة» عام 1948 بعنوان «لحن جميل لم يكتمل» وصفته بالمناور السياسى الذى كان يضرب خصومه ثم يصافحهم، ويناقش الملوك والأمراء فى قصر عابدين صباحا ويجلس مع أبناء العمال الفقراء فى «السيدة» مساءً.

وتؤكد فى المقال إنها كانت ترى فيه السياسى الذى لعب بالسياسة ولم تلعب به، والرجل الوطنى الذى يعمل للوطن بغير ضجة، وصاحب الشخصية العجيبة التى مزجت العلم بالسياسة والوطنية بالمغامرة بالرياضة، فهو مثل العباقرة الذين لا يستهويهم التصفيق الرخيص، وكان بعض الناس لا يفهمون حركاته السياسية يوم حدوثها، مثلهم مثل الذين لا يطربون لأغنية إلا بعد أن يسمعوها مرتين.

وبعض مناوراته السياسية كانت أشبه بلوحة فنية»، وقالت إنه عاش حياته بتناقضات الفنان، كان يستيقظ فى الصباح ويذهب إلى القصر يجتمع بالملوك ويتحدث إلى الأمراء، ويشترك فى إدارة شئون الدولة العليا، ثم يخرج من هناك إلى تل زينهم فى السيدة زينب حيث يجلس مع الأطفال أبناء العمال الفقراء، ويتحدث إليهم ويبادلهم المحبة كأنهم أولاده.

وكأن الجو وطريقة الحياة العمالية طريقته وبيئته، كأنه ولد وعاش طول حياته فى حى من أحياء العمال، ووصفته بأنه كان بطلا يلعب دوره السياسى فى القصر، ثم يخرج من هناك إلى نادى السلاح ليلعب السيف، فكان داهية فى السياسة وبطلا فى الرياضة يضرب خصمه ولا يسخر من مضروب أو يهزأ من مهزوم!.


 وتحدثت أم كلثوم عن الجانب الصوفى فى شخصيته، وتناولت انفتاحه الفكرى الذى جعله يترأس جماعة أنصار التمثيل والسينما، وكان اشترك فى احتفالاتهم وينقد رواياتهم وتناولت ارتباطه بالكوميديان الأسطورى نجيب الريحانى الذى كان يشاركه فى قراءة موضوعات مسرحياته قبل عرضها.

وتقول إن منجما هنديا قابل أحمد حسنين فى لندن وقال له «إنى أراك أشبه بممثل، وأراك دائما فوق المسرح وأشهدك تتنقل من أدوار صغيرة إلى أدوار كبيرة حتى تصل إلى الدور الأول، وفجأة والأدوار مسلطة عليك، والجمهور يصفق لك، ويهتف باسمك، ينسدل الستار فجأة».

وتقول إنها تتذكر حسنين باشا كلما غنت «سلوا قلبى»، بل إنها تبكى هذا الرجل الذى اختفى فجأة كلحن لم يتم.. ومع ذلك بدا أجمل من لحن كامل».


«كنوز»

إقرأ أيضاً|طقوس الملك فاروق في أيام عيد الفطر

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة