رئيسة تايوان تساى إنج وين ومسئول الدفاع الأمريكى مايك مولين
رئيسة تايوان تساى إنج وين ومسئول الدفاع الأمريكى مايك مولين


تايوان مرعوبة من تكرار سيناريو كييف

آخر ساعة

السبت، 12 مارس 2022 - 03:08 م

دينا توفيق

عيون تراقب وتتابع الحرب الروسية الأوكرانية، تدرس استراتيجيات وردود الأفعال الدولية.. وعيون أخرى تترقب وقلوب ترتجف خوفًا، قلق من تكرار هذا السيناريو ويشتعل صراع بين الصين وتايوان. دعم إنسانى للشعب الأوكراني، ورفض تلقى «تايبيه» مصير كييف.. مخاوف التايوانيين تزداد يوما بعد يوم مع رفض الرئيس الصينى «شى جين بينج» انتقاد نظيره الروسى «فلاديمير بوتين»، كثر الحديث عن مراقبة بكين للروس والأوكرانيين مع التركيز على صراع مستقبلى للسيطرة على جارتها تايوان.. ورغم رسائل الطمأنة التى حملها الوفد الأمريكى إلى تايبيه إلا أن استراتيجية الولايات المتحدة للمحيطين الهندى والهادئ تثير احتمالات الحرب مع الصين.

لا يوجد تاريخ فى التقويم التايوانى أكثر إثارة من 28 فبراير عام 1947، ابتداءً من ذلك اليوم واستمرارًا لأسابيع تلت ذلك، قامت حكومة الكومينتانج الصينية «KMT» ، التى استولت على تايوان بعد استسلام اليابان عام 1945، بإخماد انتفاضة سكان الجزر الذين سئموا من قسوة وفساد إدارة حزب الكومينتانج. وبحلول الوقت الذى انتهت فيه الثورة، بعد قتل وسجن عشرات الآلاف من المدنيين بما فى ذلك الكثير من المثقفين فى الجزيرة. ومنذ «حادثة 28 فبراير» ظلت الجزيرة ما يقرب من أربعة عقود تحت حكم عرف باسم الإرهاب الأبيض. ولكن منذ ذلك الحين مرت تايوان بتحول سياسى واجتماعى دراماتيكي. اعتذر حزب الكومينتانج رسميًا عن المذبحة باسم الحكومة عام 1995، وأعلن يوم 28 فبراير يومًا لإحياء ذكرى الضحايا.

 

وعلى الرغم من استمرار النقاشات حول ما إذا كانت العدالة قد تم تحقيقها بالكامل، تحول الحزب إلى مجرد مكون واحد من السياسات الديمقراطية المسالمة وإن كانت مشتتة فى تايوان. لم يعد التهديد الذى يواجه التايوانيين هو حزب الكومينتانج بل المنتصرون الشيوعيون فى البر الرئيسي، ومع احتفال التايوانيين بالذكرى الخامسة والسبعين للمذبحة الشهر الماضي، تم تذكيرهم بهذا التهديد من خلال الأحداث التى وقعت فى الطرف الآخر من اليابسة الأوراسية، مع الحرب التى اندلعت بين الروس والأوكران. هذا ليس مفاجئًا؛ الشعار الذى يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعى التايوانية هو «أوكرانيا اليوم، وتايوان غدًا!» وبشكل أكثر تأكيدًا من حديث بوتين عن تعهد الناتو بعدم التوسع شرقًا، يصر حكام الصين على أن تايوان جزء من الوطن الأم ويحتفظون بالحق فى استخدام القوة لإجبارهم على العودة. وبالنسبة إلى التايوانيين، فإن أوجه التشابه بين ما يفعله بوتين بأوكرانيا وما قد يفعله نظيره الصينى جين بينج لتايوان واضحة للغاية، وفقَا لما ذكرته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، خاصة أن الاثنين عرفوا علاقتهما بأنها «بلا حدود».


الولايات المتحدة ملتزمة بأمن تايوان، ولكن ليس إذا كانت تايوان متهورة بإعلان استقلالها الرسمى لاستفزاز الصين، بحسب وصف المجلة البريطانية، وللتأكيد على هذه النقطة أثناء الحرب الدائرة فى أوكرانيا، أرسلت واشنطن فى أواخر فبراير مدمرة بحرية عبر مضيق تايوان لإظهار التزامها البحرى وانفتاحها فى المحيطين الهندى والهادئ، وهى خطوة أدانتها الصين ووصفتها بأنها استفزازية.

وفى مطلع الشهر الحالي، وصل إلى تايبيه وفد من المسئولين الأمنيين الأمريكيين السابقين، أرسله الرئيس «جو بايدن» بقيادة الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة «مايك مولين»، لطمأنة الرئيسة التايوانية «تساى إنج وين» وإدارتها، والتزام الولايات المتحدة من الحزبين تجاه البلاد، خاصة فى وقت الأزمة الأوكرانية. كما أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكى السابق «مايك بومبيو» إلى تايوان علامات استفهام، خاصة أنها جاءت عقب يوم من زيارة منفصلة قام بها المسئولون الأمريكيون. وأكد بومبيو على ضرورة اعتراف الولايات المتحدة بالجزيرة «كدولة حرة وذات سيادة»، يجب عدم السماح بأن تواجه تايوان نفس المصير الذى واجهته أوكرانيا.

وأضاف الوزير الأمريكى السابق قائلا: «أعتقد أن هذه الأيام تستدعى التذكير بأنه ليس من الخطأ أن يطالب المرء بالحرية»، محذرا من أن «أولئك الذين يرغبون فى تدمير الحرية وتغيير حياة البشر» سيرون فى الصمت فرصة لهم». وفى مقابلة مع مقدمة برنامج بقناة «فوكس بيزنس» الأمريكية «ماريا بارتيرومو» قال الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» إنه يعتقد أن «الصين ستغزو تايوان»، وأنه يتوقع حدوث ذلك «عاجلاً وليس آجلاً». وجاءت تصريحاته ردًا على سؤال عما إذا كان يعتقد أن الصين ستشن «غزواً» ضد تايوان: «بالطبع، سيفعلون ذلك عاجلاً وليس آجلاً، لأنهم يرون مدى غباء إدارة الولايات المتحدة».


فيما صعدت تايوان مستويات التأهب منذ اشتعال الصراع بين روسيا وأوكرانيا، خشية أن تستغل الصين انشغال حلفائها الغربيين وتتحرك ضد الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي. دخلت تسع طائرات صينية منطقة الدفاع الجوى التايوانية فى الساعات التى أعقبت الغزو الروسى لأوكرانيا فى 24 فبراير الماضي، وسرعان ما حشدت تايوان طائراتها العسكرية ردًا على ذلك، وفقًا لوزارة الدفاع التايوانية. تزايدت المخاوف بشأن ما إذا كانت تايوان ستواجه نفس مصير أوكرانيا.


أظهر استطلاع للرأى العام أجرى خلال الحشد العسكرى لبوتين الشهر الماضي، قبل العمليات العسكرية أن ما يقرب من ثلثى المستطلعين يعتقدون أنه من غير المحتمل أن تستخدم الصين الصراع فى أوكرانيا كفرصة لمهاجمة تايوان. ولكن ربما يعكس أكثر من 51% من المشاركين فى الاستطلاع الذى أجرته مؤسسة الرأى العام التايوانية ضعف البلاد، وقالوا إنهم أصيبوا بخيبة أمل لأن الرئيس بايدن لم يخطط لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا إذا اندلعت الحرب. كما كان مصدر القلق الجوهرى هو تراجع تايوان فى إصلاح قدراتها الدفاعية وتعزيز ردعها. 


ويصر الرئيس الصينى على أن الحزب الشيوعى يجب أن يسيطر على تايوان بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لهزيمة جيش التحرير الشعبى الذين فروا إلى تايوان؛ وهو طموح له تداعيات هائلة على صناعة التكنولوجيا وكل جانب من جوانب الحياة التى تعتمد عليها. ولكن حتى لو حدث ذلك، فلا تزال هناك أسئلة كبيرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون مستعدة للدخول فى حرب خارجية مع خصم قوى نوويًا.


وقبل اندلاع الصراع الروسى الأوكرانى بأيام، كشف البيت الأبيض عن استراتيجية إمبريالية كبرى جديدة لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ والتى تثير احتمالات الحرب مع الصين. هذه الاستراتيجية فى ظاهرها دعم للدول المنطقة وفى باطنها تريد واشنطن فرض سيطرتها وتحجيم النفوذ الصيني. تبدأ الاستراتيجية الجديدة بتكرار العبارات المألوفة حول النوايا الإنسانية الأمريكية المفترضة فى جنوب شرق آسيا ودورها فى توفير الأمن الذى سمح للديمقراطيات الإقليمية بالازدهار، مع إدانة العنف الصينى المنتشر فى دول المنطقة.

ووفقًا للاستراتيجية، يتمركز أفراد الجيش الأمريكى من ساحل المحيط الهادئ إلى المحيط الهندى أكثر من أى مكان آخر خارج الولايات المتحدة، كما أن هذه المنطقة تدعم أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة أمريكية، ومصدر ما يقرب من 900 مليار دولار من الاستثمار الأجنبى المباشر فى البلاد، وفى السنوات المقبلة، حيث تقود المنطقة ما يصل إلى ثلثى النمو الاقتصادى العالمي، فإن أهميتها ستزيد بالنسبة للولايات المتحدة. ووفقًا للتقرير الذى نشره البيت الأبيض، هذا التركيز الأمريكى المكثف يرجع جزئيًا إلى التحديات المتزايدة فى المنطقة، لا سيما الصين التى تمتلك قوة اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية وتكنولوجية ما يساعدها فى أن تصبح القوة الأكثر نفوذًا فى العالم. 


ربما يكون الوضع مطمئنا الآن مع زيارة الوفد الأمريكى إلى تايوان، وانشغال الغرب فى الأزمة الروسية الأوكرانية، ولكن تصريحات بومبيو وقبلها ترامب ومعها استراتيجية البيت الأبيض تجاه المنطقة تثير القلق وهل ستكون تايبيه كييف الثانية؟    

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة