الأحد، 20 مارس 2022 - 09:09 م

أشار عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد إلى حالة من الصفاء النفسى، والسكينة الروحية، والتسامى الوجدانى انتابته، وهو ينسج فصول كتابه الأشهر «الحسين أبو الشهداء»، ويعيش أحداث مأساة البطل الشهيد الذى قدم إلى الإنسانية كلها مثالاً مذهلاً للإيثار والتضحية، صار مضرباً للأمثال ومنارة للأجيال، وكما انتابت العقاد تلك الحالة المتسامية عند استغراقه فى الكتابة عن السبط الأنبل،

تتملكنى مشاعر شبيهة من التسامى عند ذكر هؤلاء الشهداء الأعلام وخاصة زينتهم وغرتهم الساطعة فى العصر الحديث العميد الشهيد إبراهيم الرفاعى الذى تلقى أسرار حياته المجهولة عند الكثيرين أضواء تمنح بطولاته وتضحياته معانى أعمق، ودلالات أروع، وقد أمدنا المؤرخ العسكرى القدير والكاتب الصحفى الكبير عبده مباشر بكثير من هذه المعلومات المجهولة،

عبر كتاب له يُعد إضافة رائعة إلى كتاب الغيطانى ذائع الصيت، ومؤلف المؤرخ المدقق والباحث الدؤوب محمد الشافعى عن نفس البطل الشهيد الذى لا تزال شخصيته الأسطورية وتضحياته المذهلة، تستحق الكثير من المؤلفات والدراسات، وللأسف لم يحظ كتاب مباشر عنه بالاهتمام الجدير به، لا أدرى لماذا؟ ومع أهميته لم يلق الأصداء التى استقبل بها الباحثون والقراء كتابيه المرجعين: «حرب الاستنزاف» و«تاريخ البحرية المصرية» الذين ألفهما بالاشتراك مع العميد إسلام توفيق، ولأن «مباشر» باحث متعمق دائمًا لموضوعه، أنصت دائمًا لأى طرح جديد يقدمه، لذلك تلقيت أحدث كتبه: «القاهرة من شرفات التاريخ» الصادر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، باهتمام بالغ وحرصت على أن أخصص لقراءته وقتاً مستوعباً، وكعادة «مباشر»   يضعك منذ البداية فى قلب الحدث أو الموضوع ببراعة دون إطالة، أنه يدعوك إلى داخل موضوعه، تمامًا كالمضياف الكريم الذى يجذبك جذبًا إلى دخول بيته ثم تنهمر التحايا والهدايا على الضيف..

أقصد القارئ حيث يصحبنا «مباشر» إلى رحلة عشق وغرام تخترق شوارع وميادين القاهرة.. تلك المدينة التى عشقها على الرغم من أنه ريفى لم ينشأ فيها، وإنما وقع فى هواها منذ وطأت قدماه أرضها، فعشقها وتعلق بروحها العجيبة ذات الأوجه المتعددة، وفى ارتحالات إلى التاريخ من الشرفة كما يعبر هو يطل بنا مباشر على ملامح المحبوبة العريقة ذات الحسب والأصل والنسب فى تطواف ممتع يجمع بين جدية الدرس التاريخى، والدقة العلمية، ورقة العاشق وحنين المتيم، وخيال الفنان.