أحمد زكى يجسد شخصية «أحمد سبع الليل» فى فيلم «البرئ»
أحمد زكى يجسد شخصية «أحمد سبع الليل» فى فيلم «البرئ»


كنوز | 17 عامًا على غياب نجم السينما الاستثنائى الأسمر

عاطف النمر

الأربعاء، 30 مارس 2022 - 06:06 م

وكأنها كانت بالأمس.. تلك اللحظة التى فارقنا فيها «عندليب التمثيل» النجم الأسمر أحمد زكى الذى رحل عنا فى 27 مارس عام 2005، 17 عاما مرت على رحيله لكنه مازال يسكننا بأعماله السينمائية الكبيرة التى أثبت خلالها أنه نجم فوق العادة، يشكل حالة استثنائية فى تاريخ السينما العربية، وحالة إنسانية فريدة لكل من عرفه عن قرب، والحالتان لم ينبعا من فراغ، فوراء كل منهما مشوار طويل من الألم والقهر واليتم والتيه والدموع، انصهرت جميعها فى بوتقة من الصدق فأفرزت لنا فنانا جميلا قلبا وقالبا، وإنسانا نقيا تلقى من الطعنات والشائعات والحروب الخفية والمعلنة ما يهد الجبال، ولكنه بالصبر أفرز على الشاشة فنا راقيا جعله يتربع على قمة النجومية رغم أنف الجميع، لم يكن مثل بقية الأدعياء الذين اتهموه بالغرور ووجهوا له السهام الطائشة غير عابئين بشفافية نفسيته التى تتسم ببراءة الأطفال ونقاء أهل الريف البسطاء. 


عندما التقيته لأول مرة خلف كواليس «مدرسة المشاغبين» قال لى: «لقصور وبيوت الثقافة بالزقازيق فضل علىّ، فمن خلالها كنت أشبع رغبتى فى التعبير عن نفسى كممثل، وعندما جئت إلى القاهرة لكى التحق بمعهد الفنون المسرحية كان فى داخلى زحام من الطموح والمعاناة التى عرفتها فى الوسط الفنى لصعوبة التجانس مع من يعملون به، فأنا إنسان بسيط قضيت سنوات عمرى فى الزقازيق وسط أناس بسطاء لم يتلوثوا بعقد العظمة أوهيستيريا الشهرة، تعبت من الانتظار والوعود والأحلام والأفلام التى لا تأتى، وفجأة،  توقفت مع نفسى فى يوم عيد ميلادى الثلاثين، ونظرت إلى السنوات التى مرت من عمرى دون أن أنجز شيئا مما كنت أحلم به، أحسست أننى سرقت، إحباطات القاهرة سرقت من حياتى عشر سنوات كاملة، وعندما يكبر «اليتيم» مثلى تختلط الأشياء فى نفسه، الابتسامة بالحزن، والحزن بالضحك، والضحك بالدموع، وأنا إنسان سريع البكاء، لا أبتسم، لا أمزح، أدخل السينما لأشاهد ميلودراما من الدرجة الثالثة فأجد دموعى تسيل، عندما أخرج من العرض وأبدأ فى تحليل الفيلم، قد أجده سخيفاً فأضحك من نفسى، لكنى أمام المآسى أبكى بشكل غير طبيعي، أو ربما هذا هو الطبيعى، إذ أن من لا يبكى هو فى النهاية إنسان يحبس أحاسيسه ويكبتها».


فى رأيى الشخصى..

استطاع أحمد زكى بصدقه الفنى أن يهز الدنيا، ويخلخل عروش النجوم ويغير من مقاييس النجومية المألوفة عندما أثبت أنها لم تعد حكرا على الممثل الوسيم ذى الشعر الأصفر والعيون الزرقاء، وهو بذلك يكرر أسطورة «عندليب الغناء» عبد الحليم حافظ، وحياتهما معا تكاد أن تصل إلى حد التطابق، فهما أبناء محافظة الشرقية، وكل منهما عانى فى طفولته من اليتم والحرمان العاطفى، كل منهما جاء إلى القاهرة بغربة الفلاح الفطرى بحثا عن قدم ومكان تحت الشمس، وسط غيلان من النجوم الكبار الذين تربعوا على القمة ولا يريدون لأحد أن يزاحمهم عليها، كل منهما بصدقه وتمرده وصبره نجح فى تغيير كل المعادلات الثابتة والساكنة، فغير عبد الحليم من مفهوم الغناء الكلاسيكى، وجاء أحمد زكى ليغير من مفهوم التشخيص السينمائى، ومن مصادفات القدر أن كلا منهما ارتبط عاطفيا وفنيا بسندريلا السينما الراحلة سعاد حسنى، التى أحبها حليم ووقف إلى جوارها فى بداياتها، وأحبت هى أحمد زكى وقدرت موهبته ووقفت إلى جواره فى بداياته. 


وصف لى أحمد زكى حياته بأنها ميلودراما من نمط الأفلام التى كان يقدمها مخرج الروائع حسن الإمام، تبدأ هذه الميلودراما الفاجعة التى خطها له القدر منذ ميلاده عام 1949، لم يكمل عامه الأول حتى رحل والده عن الدنيا فلم تحتفظ ذاكرته بقسمات وجه الأب، تزوجت أمه بعد رحيل والده بفترة قصيرة جدا، وحدثنى عنها قائلا: «أمى كانت فلاحة صبية، لا يجوز أن تظل عزباء، فزوجوها وعاشت مع زوجها، وتربيت أنا فى بيوت العائلة، بلا أخوة، رأيت أمى للمرة الأولى وأنا فى السابعة من عمرى، عندما جاءت الى البيت امرأة حزينة جداً، رأيتها تنظر إليّ بعينين حزينتين، ثم قبلتنى دون أن تتكلم ورحلت، شعرت باحتواء غريب، وظلت هذه النظرة لا تفارقنى أبدا، فى السابعة من عمرى أدركت أننى لا أعرف كلمة أب أو أم، وعندما تمر أمامى كلمة بابا أو ماما فى حوار بمسلسل تليفزيونى أو فيلم سينمائى، أشعر بحرج شديد ويستعصى علىّ نطق الكلمة بسهولة . 


من هذه اللحظة تجذرت فى داخله شجرة الإحساس باليتم والغربة وتغلغلت فى كل تفاصيل حياته، أصبحت الغربة من العلامات التى تقرأها فى عينيه، فلم يكن أمامه غير التمثيل الذى يفرغ فيه مشاعره المكبوتة، فأصبح حالة استثنائية تحتاج لكتاب إذا ما أردنا أن نكتب عنه.
« ع . ا »

إقرأ أيضاً|بعد «شفيقة ومتولي».. حقيقة طلب أحمد زكي استبدال سعاد حسني بفيلمه الجديد

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة