صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


خبير سدود عالمي: سد النهضة يعاني من مشاكل إنشائية.. وإثيوبيا تعتم عليه | حوار

منال بركات

الجمعة، 01 أبريل 2022 - 04:25 م

خبير سدود عالمي: سد النهضة يضغط على التربة وقد يحدث تحرك به

خبير سدود عالمي: إثيوبيا تعتم على مشاكل البناء التي ظهرت قبل الملء

خبير سدود عالمي: إثيوبيا تحتاج لـ500 ميجاوات كهرباء.. والسد يولد 6000

خبير سدود عالمي: الأزمة السياسية دفعت آبي أحمد لافتتاح السد قبل اكتمال الملء

كثيرا ما تفاجئنا الحياة بمسارات لم نرسمها، وتمنحنا الأقدار رحمه لم نتوقعها، تلك هي الفلسفة التي نخرج بها بعد التجربة الحياتية للمهندس رفعت عبد الملك، واحد من أكبر خمس خبراء على مستوى العالم في مجال بناء السدود. 

تنقل عبد الملك بين عدد من البلدان حتى استقر في إلينوي بشيكاغو، ومازال قلبه نابضا بحب مسقط رأسه مصر، يتذكر الأهل والأصدقاء، ومنطقة "اللسان" على شط الإسكندرية والذكريات مع الأصدقاء في منطقة الرمل. 

وفتح المهندس عبد الملك قلبه وعقله لبوابة "أخبار اليوم" وتحدث عن ذكرياته، وتجاربه المهنية، ووصله منصب رئيس مجلس إدارة كبرى الشركات الهندسية، وقراره التقاعد عند بلوغه الخامسة والستين ليترك المجال للأجيال الصاعدة، ثم انخراطه بالمجال العام، وتولى رئاسة المنظمة الدولية للطاقة الكهرومائية. 

تحدث عبد الملك عن سد النهضة، والمشكلات الفنية التي تدور في الأفق العالمي حول هذا السد، وطرح الحلول بوصفه خبيرا عالميا، وكان لنا معه هذا الحوار.

دعنا نبدأ الحوار من نقطة ساخنة، وهي سد النهضة، بوصفك أحد خمس خبراء على مستوى العالم في مجال السدود، كيف ترى السد الأثيوبي؟

عند الإعلان عن هذا السد، قامت مجموعة محايدة من المتخصصين بدراسة وتحليل التصميمات، وأبدوا عدد من الملاحظات، والغريب أن الجانب الأثيوبي لم يعلق على النقاط التي أشار إليها الجانب المحايد، وظل هناك تعتيم شديد في كل خطوات البناء.

المتعارف عليه دوليا، في بناء السدود، وضع أدوات فنية لقياس مدى تحركه، لأن أي مبني يوضع على أساس الوزن الخرساني على التربة، تلك التربة تتحرك، وهذا السد من جزئيين، سد ترابي، من أجل ارتفاع مستوى المياه للمستوي المطلوب، وسد الخرساني، والذي نضع معه أدوات القياس، التي تطمئنا على أن تحركات جسم السد، تحدث في حدود الخبرة المتفق عليها عالميا.

وسد النهضة بكمية الحجارة و الخرسانة المستخدمة، تؤثر على التربة، و البديهي أن يحدث معها هبوط، وممكن أن يتحرك أفقي أو مع ضغط المياه، وطالما أن الجانب الإثيوبي يميل للتعتيم الشديد، فمن المؤكد أن هناك خطأ ما. وقال لي بعض المسؤولين أن المشكلة الأكبر في السد تأتي من السد الترابي.

كل تلك المشكلات ظهرت بدون أي استخدام للمياه بعد. لأن المليء الثاني لم يبلغ هذه المرحلة، والصور التي يتم التقاطها عبر الستالايت، تكشف أن هناك تصليحات تجرى في هذا السد الآن. وهذا يعد نوع من عدم المسؤولية من الجانب الإثيوبي لم نواجها من قبل. 

وإصرار الجانب الإثيوبي على إخفاء قياسات تحركات السد عن العالم، أمر مقلق وفي غاية الخطورة، وقانونا من حق السودان ومصر أن تطالب بمعرفة مجريات الأمور لانهما دول المصب.

بالمنظور العلمي هل هناك حل لأزمة سد النهضة؟

الحل بسيط جدا، وهو أن يتم ملئ السد في فترة زمنية ما بين 8:7 سنوات، وفي نفس الوقت، هذا الحل سوف يرضى جميع الأطراف، ويبدو واضحا أن المليء الثاني والمقدر له بعشر أمتار، لم يتم منه إلا ثلاثة أمتار فقط، وهو دليل على أن هناك خطب ما.

 والذي حدث على أرض الواقع نتيجة مشاكل سياسية داخلية دفعت رئيس الوزراء إلى افتتاح السد وتشغيل التوربين، بالرغم من أن ارتفاع البحيرة أقل من المنسوب الطبيعي.
و بالمنظور العلمي وسوف يترتب على ذلك ضرر جسيم بسلامة التوربين ستؤدي إلى تغيره بعد عامين على الأكثر.

فالحلول العلمية والبديهية في ذات الوقت هي الملي البطيء للسد، الاتفاق علي وسيلة التعامل معا وقت الجفاف، ثالثا أن حصة مصر من المياه تبلغ 55 مليار متر مكعب في السنة، رابعا، في حالة الفيضان ما هو الوضع، حتى لا تتأثر السودان، وتلك النقاط يتجنبها الطرف الاثيوبي. 

هل أثيوبيا كانت في حاجة لمثل حجم هذا السد؟ 

تلك مأساة أخرى، أثيوبيا تحتاج فقط إلى 500 ميجاوات،  وطاقة السد تقرب من 6000 ميجا وات، ما مصيرهم. من سوف يشتري تلك الطاقة. 

دوليا عندما يتم تصدير كهرباء، يتحتم وجود كفيل لضمان أن تلتزم الدولة بتوريد الكهرباء. ودولة كينيا مجاوره لأثيوبيا، تحتاج للكهرباء، ولكنهم من الذكاء ألا يتعاقدوا مع اثيوبيا دون وجود من يعوضهم إذا لم يلتزم بتوليد الكهرباء. وحتى الآن لم نسمع عن وجود أي بديل.
المسألة تخضع للبديهيات، لتصدير الكهرباء، لابد من وجود خطوط لتوصيل الكهرباء للبلاد التالية، وهذا لم يحدث. ومصر عرضت أن نشتري الكهرباء، كنوع من التعاون، فضلا عن مساعدات أخرى طرحتها الحكومة المصرية، ولكنهم مصرون على التصرف الأحادي.

كل هذه الخبرات التي اكتسبتها على مر السنين.. هل كنت تتوقع أن تمر بتلك الرحلة عندما كنت تدرس الهندسة بالإسكندرية؟

بعد انتقال أسرتي من محافظة المنيا إلى الإسكندرية لمواصلة تعليمنا بالجامعات، كانت أمنيتي أن أكون مهندسا مدنيا، وبالفعل تخرجت الأول على دفعتي المكونة من 25 طالبا عام 1963، وكان مثلى الأعلى خالي المهندس ميلاد جريس، الذي تدرج بالوظائف الحكومية إلى أن صار نائب وزير التنمية، والمشرف على تنمية المنتجعات بالبحر الأحمر، وتأثرت كثيرا بخالي الدكتور الجراح حليم جريس مدير مستشفى الانجلو.

والعجيب هنا، عند تخرجي كنت مهندس إنشاءات، وحصلت على الدكتوراه في ذات التخصص، ولكني أصبحت خبيرا في هندسة الري، حتى أن أستاذي والذي أدين له بالفضل الدكتور محمد شاكر، عندما التقيت معه بعد سنوات لم يصدق هذا التحول في تخصصي.

ما الذي دفع بك للتخصص بالسدود بدلا من الإنشاءات؟

كله توفيق من الله، بعد حصولي على الدكتوراه من جامعة نورث كارولينا، كان لدي قناعة أن الجامعة التي تخرجت منها لا يجوز الاستمرار بها، وعملت في جامعة إلينوي للتكنولوجيا بشيكاغو 1972 وكانت صدمة كبيرة، لأن أستاذ الجامعة متفرغ للتدريس والأبحاث فقط.

وكان اختيار ربنا أفضل لي، عندما التقيت بالجامعة مع مجموعة استشارية من المهندسين، منهم اديك فيوسيك وهو رئيس مجلس إدارة شركة كبيرة، وأفصحت له عن رغبتي في ممارسة الهندسة عمليا وليس نظريا فقط، عرض علي التعاون معه للتعرف على الحياة العملية، وكان فرصتي للانطلاق، بوصفها أفضل شركة هندسية الري في العالم، وتدرجت بالعمل بالشركة إلى أن وصلت إلي رئيس مجلس الإدارة.

وتعرفت على عملاء من فنزويلا، لديهم مشروع من أكبر السدود في العالم، وهو عبارة عن تطوير سد لمضاعفة طاقته أربع مرات، توصلنا الى ارتفاعه من 30 مترا إلى 50 مترا، وهي سابقة جديدة. واكتسبنا خبرات و أجرينا أبحاثا علمية لم تجر من قبل.

وفي تلك الآونة اتخذت خطوة جريئة، تركت المجال الأكاديمي للعمل مع الشركة الهندسية عام 77.، وبدأت علاقتي مع العميل الفنزويلي، كان لديهم نهر مهم هو الكاروني، وهو نهر يمكنه أن يولد طاقة تزيد عن أي نهر بالعالم عام، وطلبت مني الشركة الفنزويلية أن انقل خبرتي للمهندسين خاصة وأن أمامهم 4 مشاريع جديدة وانتقلت لفنزويلا لفترة 18شهرا وتحولت مع الوقت إلى 14 سنة.

مشروع تطوير السد الفنزويلي، اعطاني سمعة كبيرة في مجالي، وجعلني في المقدمة ومن أكبر خمس خبراء في العالم في السدود وفتحت أمامي مجالات متعددة في بناء سدود في كل من البرازيل وتركيا، والصين، والارجنتين، والأردن، والعراق.
 

ما هي أصعب المواقف التي مررت بها خلال مسيرتك؟

عند بلوغي الخامسة والستين، تركت رئاسة الشركة الهندسية يتولاها شباب واعد. وترأست المنظمة الدولية للطاقة الكهرومائية، وهي من أكبر المنظمات التي تروج وتنظم تصميم السدود بالعالم لضمان المحافظة على الجودة، لأن أي مشكلة في إنشاء السدود، سوف يترتب عليه تخوف البشر من بناء السدود. وتلك المنظمة المكونة من ٨٠ دولة، لديهم مشاريع سدود مستقبلية في أسيا، وأوروبا، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا.

في مطلع عام 2000 ظهرت أصوات تنادي بوقف بناء السدود بوصفها ضد البيئة، في حين أن أوروبا وإيطاليا وفرنسا سويسرا وإنجلترا وألمانيا، وأمريكا، أنشأوا سدودهم في زمن الرخاء في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهي ما ساهم على نموها ورخائها. بل إن أغنى الناس في الولايات المتحدة هم ملاك للسدود وعملوا ثروة ضخمة.

وتصدت المنظمة العالمية، لأصحاب الاتجاه الرافض للسدود، وطالبنا وضع نظام يتبعه الجميع، وتوصلنا إلى نقطة مشتركة والمعروفة ببروتوكول استقرار الطاقة الكهرومائية عام 2004، وفتح المجال بالتنمية أمام السدود، والغريب أن الصين أكثر الدول التزاما في التنمية بالسدود أكثر من الاوربيين.

والطبيعي أن السدود تعمل على الرخاء والتنمية، عندما يتم تدريب الناس على الأعمال والصناعات الجديدة المحيطة بالسد، ويتم إشراك السكان في العائد من السد. وإذا لم توضح دراسة الجدوى أن تكلفة السد سوف تغطى من الدخل وأكثر، وأن هناك فائض من هذا السد، وإلا يصبح السد بلا قيمة ولا يبني.

والبنك الدولي وضع الصين من أفضل الدول بالعالم في تنمية السدود، وخصوصا للأفريقيين، لأن أفريقيا لديها حاليا أكبر مجال لتنمية السدود في العالم. وبالنظر لأفريقيا سنجد أنها أكثر القارات فقرا، لأنها لم تقدم على إنشاء السدود لتمنحهم رخاء مثل اوروبا. وأمريكا وأستراليا
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة