مذبحة القلعة
مذبحة القلعة


2500 أمير وفارس مملوكي قطعت رؤوسهم وعلقت على أسوار القاهرة

المؤرخون يجيبون.. هل كانت مذبحة القلعة حتمية في بداية دولة محمد على الجديدة؟

أخبار الحوادث

الأربعاء، 13 أبريل 2022 - 03:01 م

كتب: أحمد الإمام

 

تولى محمد على باشا حكم مصر بعد ثورة شعبية عارمة عام 1805م، معلنا بداية عصر جديد في تاريخ مصر المعاصر ولكن المماليك ظلوا ينازعونه حكم مصر، ويقفون فى وجه أى محاولة للتطوير والتحديث، حتى أصبح مستقبل مصر مرهونا بالقضاء على فلول المماليك قضاءا تام.


فماذا قال المؤرخون عن ظروف وملابسات المذبحة التي تخلص فيها محمد علي باشا من المماليك إلى الابد..  تولى محمد على باشا حكم مصر بعد ثورة شعبية عارمة عام 1805م، معلنًا بداية عصر جديد في تاريخ مصر المعاصر ولكن المماليك ظلوا ينازعونه حكم مصر، ويقفون فى وجه أى محاولة للتطوير والتحديث، حتى أصبح مستقبل مصر مرهونًا بالقضاء على فلول المماليك قضاءً تامًا.


فماذا قال المؤرخون عن ظروف وملابسات المذبحة التي تخلص فيها محمد علي باشا من المماليك إلى الأبد..

 

ظل محمد على يتحين الفرصة للقضاء على المماليك تمامًا ليخلوا له حكم مصر، فقد كانوا آخر عقبة تقف فى طريق فرض سيطرته الكاملة على مصر بعد نفيه لقائد الثورة الشعبية التى أتت به لحكم مصر السيد عمر مكرم!!، وكان قد تيقن من استحالة هزيمتهم عسكريًا فى معركة مفتوحة لقدرتهم على الكر والفر، والتى كانت تمكنهم من الإفلات من الهزيمة وإعادة تنظيم صفوفهم، وكانت كراهيتهم له وإصرارهم على أن حكم مصر حق موروث لهم يجعل السلام بينهم مستحيلا. 

 

وكانت محاولات التوصل لتفاهم بين المماليك ومحمد على تفشل المرة بعد الأخرى، وفى عام 1811م جاء الأمر لمحمد على باشا من الباب العالى لتسيير جيشه إلى الحجاز للقضاء على الحركة الوهابية التى كانت تسيطر على الحجاز وقتها وكانت هى الأخرى تشكل خطرًا على مشروع تحديث مصر الذى كان فى بدايته، فتخوف محمد على من أن يفتك به المماليك وجيشه خارج البلاد، فقرر أن يفتك بهم أولا، فلجأ محمد على إلى الحيلة وهادن المماليك واستدرجهم للإقامة بالقاهرة، ولكنه كان يبيت النية للغدر بهم، وعندما أتاه الأمر بتسيير الجيش للحجاز وجدها فرصته الذهبية، فقرر استغلالها وتوجيه ضربته الحاسمة.


وقد كان يوم الجمعة الأول من مارس عام 1811م موعدًا لمذبحة القلعة، فدعا محمد على كبار الدولة وأمراء المماليك لحضور الاحتفال بخروج الجيش للحجاز بقيادة ابنه طوسون، وفى صباح اليوم الموعود تحرك الموكب.

 

ويصف الجبرتى خداع محمد على للمماليك ويقول: «فلما أصبح يوم الجمعة سادسه (يقصد 6 صفر 1226هـ ــ 1 مارس 1811م) ركب الجميع، وطلعوا إلى القلعة وطلع المصرية (كان الجبرتى يسمى المماليك بالأمراء المصرية) بمماليكهم وأتباعهم وأجنادهم فدخل الأمراء عند الباشا وصبحوا عليه، وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم ثم انجر الموكب على الوضع الذى رتبوه».

 

إقرأ أيضاً | رمضان مع المماليك.. صلح إجباري بين المتخاصمين على الإفطار

 

ويتابع الجبرتى وصفه بداية المذبحة في كتابه « عجائب الآثار في التراجم والأخبار»: «فلما انجر الموكب وفرغ طائفة الدلاة ومن خلفهم من الوجاقلية والألداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب وعرف طائفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية، وقد انحصروا بأجمعهم فى المضيق المنحدر الحجر المقطوع فى أعلى باب العز بمسافة مابين الباب الأعلى الذى يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة إلى الباب الأسفل، وقد أعدوا عدة من العساكر أوقفوهم على علاوى النقر الحجر والحيطان التى به فلما حصل الضرب من التحتانيين أراد الأمراء الرجوع القهقرى فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول فى مضيق النقر وأخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضا وعلم العساكر الواقفون بالأعالى المراد فضربوا أيضا فلما نظروا ما حل بهم سقط فى أيديهم، وارتبكوا فى أنفسهم وتحيروا فى أمرهم ووقع منهم أشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون فى عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية، ونزعوا ما كان عليهم من الفراوى والثياب الثقيلة ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة وقد سقط أكثرهم.

 

وأصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه وأسرعوا بها إلى الباشا ليأخذوا عليها «البقشيش»، «وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد الى حائط البرج الكبير فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا رأسه أيضا وهرب كثيرا لبيت طوسون باشا يظن الالتجاء به والاحتماء فيه فقتلوهم وأسرف العسكر فى قتل المصريين وسلب ما عليهم من الثياب ولم يرحموا أحدًا وأظهروا كامن حقدهم وضبعوا فيهم، وفى من رافقهم متجملا معهم من أولاد الناس وأهالى البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول أنا لست جنديا ولا مملوكا وآخر يقول أنا لست من قبيلتهم فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث وتتبعوا المتشتتين والهربانين فى نواحى القلعة وزواياها والذين فروا ودخلوا فى البيوت والأماكن وقبضوا على من أمسك حيا ولم يمت من الرصاص أو متخلفا عن الموكب»، «فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك ثم أحضروا أيضا المشاعلى لرمى أعناقهم فى حوش الديوان واحدا بعد واحد من ضحوة النهار إلى أن أمضى حصة من الليل فى المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى ومن مات من المشاهير المعروفين وانصرع فى طريق القلعة قطعوا رأسه وسحبوا جثته إلى باقى  الجثث حتى أنهم ربطوا فى رجلى شاهين بك ويديه حبالا وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان هذا ما حصل بالقلعة» .. هكذا وصف الجبرتى المذبحة.

 

وبمجرد انتشار خبر المجزرة فى القاهرة حتى هاجم الجنود بيوت الأمراء المماليك واندفعوا يبحثون عنهم فى كل مكان، ونهبوا بيوتهم ولم يتركوا كبيرا أو صغيرا من المماليك إلا وقتلوه، وانتشر النهب والقتل فى المدينة، وفى صباح اليوم التالى نزل محمد على باشا إلى القاهرة فى موكبه محاطا بحاشيته ورجاله، وأمر بوقف القتل والنهب، ومثل بمن لم يمتثل فتوقف النهب.

 

 

ويقول الجبرتى أنه لو لم يفعل ذلك لنهبت القاهرة بأكملها، وأرسلوا بعدها إلى الأقاليم والصعيد يطلبون رؤوس المماليك، ولم يقبلوا شفاعة فى مملوك من كائن كان، واستمر وصول رؤوس المماليك من الأقاليم عدة أيام، ولم ينج منها إلا أمين بك الذى كان متأخرًا عن الموكب، فلما سمع صوت الرصاص قفز بحصانه من فوق سور القلعة وفر إلى الشام.

 

ويقدر الجبرتى عدد من قتل فى القلعة بأكثر من 500 مملوك، وحوالى 2000 آخرين فى عمليات القتل التى تبعتها فى طول مصر وعرضها، ونصب جنود محمد على مصطبة أمام باب زويلة وعلقوا عليها رؤوس القتلى لتكون رادعًا لمن تسول له نفسه تحدى السلطة الجديدة التى كانت ما تزال فى بدايتها، وليعلنوا انتهاء عصر المماليك فى مصر إلى الأبد وميلاد مصر الحديثة، ويبقى السؤال، هل ما فعله محمد على كان صحيحا؟ أم أنه كان يدل على الخيانة، ومهما كان موقفك من المذبحة فتبقى نتيجتها ماثلة فى آثار الدولة الحديثة التى بناها محمد على فى مصر.

 

عصر محمد علي


من زاوية أخرى يروي عبد الرحمن الرافعي في كتابه «عصر محمد علي « تفاصيل مذبحة القلعة قائلا : يسمع محمد على باشا «والى مصر»، أول طلقة، فوقف وامتقع لونه، وعلا الاصفرار وجهه، وتنازعته الانفعالات المختلفة، وأخذ يسمع دوى الرصاص وصيحات الذعر والاستغاثة وهو صامت، إلى أن حصد الموت معظم المماليك، وأخذ صوت الرصاص يتضاءل إعلانًا بانتهاء مذبحتهم فى «القلعة» يوم الخميس 1 مارس 1811،  فى حين يذكر «الجبرتى» أنها كانت، الجمعة 2 مارس.

 

يضيف «الرافعى» أن طبيب محمد على، المسيو «ماندريش» الإيطالى، دخل عليه وقال له: «لقد قضى الأمر، واليوم يوم سعيد لسموكم»، فلم يجب الباشا بشىء، وطلب قدحا من الماء فشرب منه جرعة طويلة.

 

خطط «الباشا» لهذه المذبحة بسرية تامة، ووفقًا للرافعى فإنه دعا أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه «طوسون» قائدا لحملة تتوجه إلى الحجاز، ولبوا الدعوة وتوجهوا فى أبهى زينة وأفخم هيئة، وبلغ عدد المدعوين نحو 10 آلاف شخص منهم 470 من المماليك وأتباعهم وكبار القوم، ومختلف الطوائف، وتناولوا الغذاء، وأطلقوا الغناء، حتى نادى المنادى برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، وبدأ الموكب فى السير منحدرًا من القلعة إلى «باب العزب».

 

يضيف «الرافعى»: «لم يكد الجنود يصلون إلى هذا الباب حتى ارتج الباب الكبير بإغلاقه من الخارج فى وجه المماليك، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق ليتسلقوا الصخور على الجانبين وأمطروا المماليك بالرصاص، الذين حاولوا الفرار لكن البنادق كانت تحصدهم من كل مكان بلا رحمة، حتى بلغ ارتفاع الجثث فى بعض الأمكنة إلى أمتار، وتمكن بعضهم من الوصول إلى «طوسون باشا» راكبا جواده منتظرا أن تنتهى تلك المأساة، فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامدا لا يبدى حركة، وعاجلهم الجنود بالقتل».

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة