الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي .. تبعات أكل الباطل

ضياء أبوالصفا

الأربعاء، 20 أبريل 2022 - 07:29 م

 يواصل الإمام الشعراوى تفسيره للآية 188 من سورة البقرة موضحًا تبعات أكل الباطل:

 يقول لنا الحق سبحانه: «وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل»، ومن هنا نقول: (مَنْ أكل بباطل جاع بحق). وكذلك نقول: (مَنْ استغل وسيلة فى باطل أراه الله قبحها بحق)، فالذى ظلم الناس بقوته وبعضلاته المفتولة لابد أن يأتى عليه يوم يصبح ضعيفاً.


والمرأة التى تهز وسطها برشاقة لابد أن يأتى عليها يوم يتيبس وسطها فلا تصبح قادرة على الحركة، والتى تخايل الناس بجمال عيونها فى اليمين والشمال لابد أن يأتيها يوم وتعمى فلا ترى أحدا، وينفر الناس من دمامتها.


 إن كل مَنْ أكل بباطل سيجوع بحق، وكل مَنْ استغل وسيلة بباطل أراه الله قبحها بحق، واكتب قائمة أمامك لمَنْ تعرفهم، واستعرض حياة كل مَنْ استغل شيئاً مما خلقه الله فى إشاعة انحراف ما أو جعله وسيلة لباطل لابد أن يُريه الله باطلاً فيه.


 وأنا أريد الناس أن يعملوا قائمة لكل المنحرفين عن منهج الله، ويتأملوا مسيرة حياتهم، وكل منا يعرف جيرانه وزملاءه من أين يأكلون؟ ومن أين يكتسبون؟ ليتأمل حياتهم ويعرف أعمال الحلال والحرام ويجعل حياتهم عبرة له ولأولاده، كيف كانوا؟ وإلى أى شيء أصبحوا؟ ثم ينظر خواتيم هؤلاء كيف وصلت.
 ومن حبنا لهؤلاء الناس نقول لهم: تداركوا أمر أنفسكم فلن تخدعوا الله فى أنكم تجمعون المال الحرام، وبعد ذلك تخرجون منه الصدقات، إن الله لن يقبل منكم عملكم هذا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب.


 ونحن نسمع عن كثير من المنحرفين فى الحياة يذهبون للحج، ويقيمون مساجد ويتصدقون، وكل ذلك بأموال مصدرها حرام، ولهؤلاء نقول: إن الله غنى عن عبادتكم، وعن صدقاتكم الحرام، وننصحهم بأن الله لا ينتظر منكم بناء بيوت له من حرام أو التصدق على عباده من مال مكتسب بغير حلال، لكنه سبحانه يريد منكم استقامة على المنهج.


وحين نتأمل الآية نجد فيها عجباً، يقول الله عز وجل: «وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام» لقد ذكر الحق الحكام فى الآية؛ لأن الحاكم هو الذى يقنن ويعطى مشروعية للمال ولو كان باطلاً، وقوله سبحانه: «تُدْلُواْ» مأخوذة من (أدلى)، ونحن ندلى الدلو لرفع الماء من البئر و(دلاه): أى أخرج الدلو، أما (أدلى): فمعناها (أنزل الدلو).

ولذلك فى قصة الشيطان الذى يغوى الإنسان قال الحق: «فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا» «الأعراف: 22».


 «وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام» أى ترشوا الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالباطل، ومن العجيب أن هذا النص بعينه هو نص الرشوة.


 والرشوة مأخوذة من الرِّشاء، والرِّشاء هو الحبل الذى يعلق فيه الدَّلو، فأدلى ودَلاَ فى الرشوة. ولماذا يدلون بها إلى الحكام؟ إنهم يفعلون ذلك حتى يعطيهم الحكام التشريع التقنينى لأكل أموال الناس بالباطل، وذلك عندما نكون محكومين بقوانين البشر، لكن حينما نكون محكومين بقوانين الله فالحاكم لا يبيح مثل هذا الفعل..

ولذلك وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ فقال: (إنما أنا بشر وإنه يأتينى الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحب أنه صادق فأقضى له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها).

إن الذى يقول ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المعصوم، إنه يحذر من أن يحاول أحد أن يبالغ فى قوة الحجة ليأخذ بها حقاً ليس له.

وإذا نظرنا إلى أى فساد فى الكون، فى أى مظهر من مظاهر الفساد فسنجد أن سببه هو أكل المال بالباطل، ولذلك لم يترك الحق سبحانه وتعالى تلك المسائل غائبة، وإنما جعلها من الأشياء المشاهدة..

وأنت إن أردت أن تعرف خلق أى عصر، واستقامته الدينية وأمانته فى تصريف الحركة فانظر إلى المعمار فى أى عصر من العصور، انظر إلى المبانى ومن خلالها تستطيع أن تُقَيم أخلاق العصر.

إنك إن نظرت إلى عملية البناء الآن تجد فيها استغلال المال، وعدم أمانة المنفذ، وخيانة العامل، وكل هذه الجوانب تراها فى المعمار. لننظر مثلا إلى مجمع التحرير ولنسترجع تاريخ بنائه، ولنقرنه بمبنى هيئة البريد أو دار القضاء العالى وما بنى فى عهدهما.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة