عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


عبد الهادي عباس يكتب: متى تنتهي سذاجة التأويل لجائحة "كورونا"؟!

عبدالهادي عباس

الأربعاء، 20 أبريل 2022 - 09:51 م


كشفت جائحة كورونا كثيرًا من رواسب أفكارنا الساذجة القابعة في منطقة المُقدس والمؤله من عقولنا الآسنة التي تلجأ إلى الراحة المأنوسة بالتفسير الفوقي، ومن ثم النجاة من القلق النفسي والتوتر العصبي، ولو إلى حين!
لن نحتاج إلى البحث في وسائل التواصل الاجتماعي لنُدرك حجم التعري العلمي والمعرفي الذي طالنا جميعًا وكشف عن سوءاتنا خلال الفترة الماضية بعدما غلبت التأويلات الساذجة لتفسير إصابتنا بالجائحة، فقد وقعنا في شِراك تساؤلاتنا الدائمة عن الحلال والحرام، وهل يجوز تعقيم المساجد بالكُحل أم لا، مع التباكي على إغلاق المساجد، بل والتشكيك في آراء المؤسسة الدينية نفسها واتهامها بتخريب الدين، خاصة من الجماعات الإرهابية، بل ولا تزال تشابكات البعض قائمة مع وزارة الأوقاف لرفضها الاعتكاف في المساجد لأن خطورة الجائحة لا تزال قائمة.. كل هذا التشابك الشكلي يُقابله التأويل العلمي الغربي القائم على التجريب والبحث عن علاج ولقاح لإنقاذ البشرية، بما فيها نحن!
يُخطئ من يفصل بين تفكيك خطاب الكراهية والإرهاب وخطاب غياب الوعي وسذاجة تأويل معطيات الواقع، خاصة مع تعمد بعض الأئمة تشبيك خطاباتهم الساذجة مع النصوص المقدسة لبث أفكارهم ودحض أي محاولات للاعتراض، ومن ثم اللعب على مشاعر البسطاء من الناس وتحويلهم إلى الجهة التي يُريدون.
رغم اعتقاد البعض بأن تجديد الخطاب بدأ منذ قرنين من الزمان وقت أن كتب الطهطاوي عن الوطن والعقيدة والدستور والمرأة والديمقراطية والعلم، لأن ما قدمه الطهطاوي وتلاميذه من بعده لم يكن موجودًا من قبل وصولًا إلى تجديد الفقه وإصلاح برامج الأزهر وتدريس العلوم الحديثة وتحرير المرأة؛ بل وحصر التجديد الحقيقي فيما قام به مثقفون لم يتخرجوا من الأزهر، مثل فرج فودة والمستشار العشماوي وغيرهما، فإن المُتابع لتاريخ الفكر الإسلامي يُدرك أن التجديد مبثوث في الحمأ المسنون للفقه الإسلامي، بل وقامت به المؤسسات الدينية اتفاقًا مع فترات التفوق أو الاضمحلال الوطني، وهذا مع الاعتراف بتشبث مؤسسة الأزهر بالخطاب القديم في بعض الأحيان، بل ورفض محاولات التجديد التي قام بها أبناؤه، مثل: محمد عبده وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد وغيرهم؛ ولكن الحقيقة تقول أيضًا إن مؤسسة الأزهر الشريف تعيد تشكيل نفسها ذاتيا دون وصاية أو تدخل من أحد، وإنما إدراكًا للواقع ومحاولة لمُجاراته، مع التركيز على هوية الدولة الوطنية.
وإذا كان علينا التأكيد أن الأزهر ليس سلطة دينية، وإنما مؤسسة علمية وهي جزء من التجديد، فإننا نؤكد أيضا أن الاجتهاد ليس وقفًا على أي مؤسسة أيا كانت، بل وللناس مساءلة الأزهر وحثه على تجديد أفكاره ليظل المنبع الأول لعلوم الدين التي تستطيع تلبية احتياجاتنا في العصر الحديث. 
إننا نحتاج في هذه اللحظة الصعبة من خطابنا الديني إلى مراجعة ثوابتنا الفكرية ومناقشتها، والوعي بما نحتاج إليه منها ونبذ ما لم يعد ملائمًا لواقعنا أو يُضيف لمستقبلنا، مع إعادة النظر في المسلمات التي تحولت بالتدريج إلى عقيدة لدى البعض، وتغييرها أو تحويلها بما يتفق مع قضايانا المصيرية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة