السبت، 23 أبريل 2022 - 01:17 م

علا نافع  

يرف عاليًا فاردًا جناحيه، لا يأبه بالطيور الجارحة أو صواعق السماء، يقطع مسافات شاسعة من دون أن يصيبه تعب، كان جنديًا مخلصًا فى أوقات الحروب، يرسل الأخبار والمعلومات بدقة، واستعان به الشعراء فى قصائدهم فجعلوه رسولًا للغرام، يختار باحات المساجد الواسعة كالحرم النبوى ليتجول فيه دون أن يمسه شر، إنه طير الحمام الذى قيل إنه يسبِّح ربه ويعظمه قائلًا "يا كريم يا ودود"، وكان الحارس الأمين على غار ثور، الذى اختبأ به الرسول الكريم وصاحبه أبوبكر الصديق من كفار قريش.

يتساءل كثيرون حين يسمعون صوت هديل الحمام.. هل هذا الصوت الجميل هو تسبيح وذكر لله تعالى؟.. وفى هذا التحقيق سنلقى الضوء على يوميات الحمام التى يقضيها بين التسبيح والتحليق والسباقات..

يقول رامى البرنس، رئيس جمعية الجيزة الجديدة لسباق الحمام الزاجل: من الصعب توقع ما يقوله الحمام، لكن الثابت أنه مثله مثل باقى الطيور والمخلوقات التى تسبح بحمد ربها خاصة فى وقت الفجر حيث يكون هناك اتصال مباشر مع الله.

ويشير إلى أن هديل الحمام هو لغة بين الأسراب تصدرها طوال الوقت وهى واحدة من لغاته المختلفة، مؤكدًا أن هناك لغة بين ذكر الحمام وأنثاه، كتلك الأصوات التى يصدرها المربون فى السباقات ليشعلوا حماس الحمام.

أما محمود مهنا، أحد هواة تربية الحمام فيقول: منذ حلول الفجر حتى نهاية اليوم لا يكف الحمام عن ذكر الله وتسبيحه بلغة لا يفقهها الإنسان، فكافة المخلوقات تذكر ربها آناء الليل والنهار حتى الجبال والأحجار، وكان سيدنا سليمان هو النبى الذى استطاع معرفة لغة الحيوانات والتعامل معها مشيرًا إلى أن مربى الحمام لا يستطيعون إدراك أوقات تسبيح طيورهم أو مفردات التسبيح.

ويضيف أن الفيديو الشهير الذى انتشر مؤخرًا لحمامة الحرم النبوى وهى تسجد لله خير دليل على أن الحمام يسبح ويذكر الله، كما أن الله حرم قتل الحمام المكى والنبوى بل إن قتلهما ذنب كبير يستوجب التكفير عنه، مؤكدا أن الحمام يشعر باقتراب الأشهر الكريمة خاصة رمضان فيصبح أكثر هدوءا واستكانة خاصة مع أذان الفجر، أما فى النهار فلا يتوقف عن الهديل وهو ما نعتقد أنه تسبيح وذكر لله.

وعن رأى الدين فى هذا الأمر، يقول الدكتور محمود عبدالمنعم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر: الحمام مثله مثل باقى أنواع الطيور والدواب التى خلقها الله لها لغتها وتسبيحها الخاص ولكن من الصعب على الإنسان أن يفهمها، يقول  الله تعالى: اوإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهمب، وكان لسيدنا سليمان معجزة فهم لغة الطير وهمهماته الخاصة دون غيره من البشر قال تعالى: اوورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبينب، مشيرًا إلى أن النبى داوود كان هو الآخر يجتذب الطيور كى تسبح معه كذلك الجبال فجاء فى سورة سبأ قوله تعالى: ا ولقد آتينا داوود منا فضلًا ياجبال أوبى معه والطير وألنا له الحديدب وهذا يدل على أن الطير بكافة أنواعه لا يكف عن تسبيح الله وذكره..

ويؤكد عبد المنعم أن كثيرا من آيات القرآن أشارت إلى أن جميع الكائنات الحية ومنها الحمام تسبح لله تعالى، يقول عز وجل: ا ألم تر أن الله يسبح له من فى السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلونب، مشيرا إلى أنه من الصعب إدراك ما يقوله الحمام عند تسبيحه فكل طير له تسبيح مختلف عن باقى الأنواع.

الزاجل

ويعد الحمام الزاجل تحديدا من أشهر أنواع الحمام فقد حباه الله ذكاءً خارقًا وقدرة على حفظ الأماكن ودلائلها المختلفة مهما طال به الزمن، يمتاز بحاسة نظرٍ خارقة تجعله قادرًا على اجتياز المسافات الطويلة، فضلًا عن حاسة سمعه التى تمكّنه من سماع أصوات ذات ترددٍ منخفض لا يشعر بها الإنسان.

ومنذ آلاف السنين هام به المصريون ونصَّبوه بطلًا رياضيًا، حتى أنه ظهر فى نقوش المعابد القديمة بالأقصر وأسوان، كما أقاموا له السباقات الطويلة، وفى مراحل لاحقة تباروا فى تشجيعه وأنفقوا عليه الكثير من المال لأجل إعداده وتهيئته لتلك السباقات، خاصة بعد ارتفاع أسعارها التى وصلت لملايين الدولارات.

ومؤخرًا ظهرت عشرات الجمعيات الخاصة بالحمام الزاجل يشرف عليها الاتحاد المصرى لرياضة سباقات الزاجل الذى تأسس عام 1976، بعد أن انتشرت أسواق الحمام فى كافة أنحاء مصر خاصة سوقى االسيدة عائشةب واأبو الريشب فى القاهرة، وكذلك سوق االدون بسكوب بالإسكندرية، ناهيك بآلاف صفحات الفيسبوك التى باتت تدعم عمليات البيع والشراء طبقًا لأوراق رسمية تحملها كل حمامة مدوَّنٌ عليها أصولها ونسبها والتطعيمات التى حصلت عليها، وبعد الحكم النهائى الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى بعودة الحمام إلى الطيران مرة أخرى منذ منع سباقاته المختلفة، نشطت السباقات وعادت بقوة مجددًا، خصوصًا فى النقاط المخصصة لذلك سواء بمنطقة طوخ أو الأهرامات وكذلك المناطق الصحراوية مثل مرسى مطروح وسيوة.

آخرساعة زارت نقطة النجيب، أكبر نقطة سباقات للحمام فى الشرق الأوسط، وتحتضن أكثر من ألفى زوج حمام من جنسيات عربية وأوروبية تمهيدًا لتهيئتها للسباقات المختلفة فى شهر أبريل سواء من حيث التطعيمات أو التدريبات المختلفة أو حتى طبيعة الطعام الذى يدعم قوة ونشاط الحمام.

ديربى النجيب

فى واحدة من أكبر المزارع الموجودة بجمعية المهندسين بمدينة العبور، توجد نقطة النجيب الأولى من نوعها فى الشرق الأوسط بمبانيها العالية التى تنتهى بقبة خشبية تحتضن الحمام بعد تدريباته الشاقة فى الصباح ونهاية اليوم.. يقف عليها ليستريح ويلتقط أنفاسه قبل معاودة التحليق، يرهف السمع لصافرات مدربيه، فيفهم مدلولها جيدًا ويفرق بين أنواعها، فهى تعنى إما الاستعداد لتناول الطعام أو عدم التحليق بعيدًا عن النقطة.. ألوانه المتعددة بين الأبيض والأسود الأبنوسى أضفت عليه وقارًا جميلًا. أما هديله المنغَّم فيسابق الصوت فى سرعته متحديًا الزمان والمكان، وقد حباه الله ببوصلة كيمائية تساعده على حفظ الأماكن وتجعله وثيق الصلة بوطنه وبيئته الأولى، يعود إليها مهما طال به الزمن وابتعد فى السفر.

على قدمٍ وساق، ينشط العاملون بالنقطة استعدادًا للسباق المزمع انطلاقه بعد نحو شهرين، فيعكفون على تنظيف عنابر الحمام ورشها بالمطهرات وتعقيمها دوريًا حماية للحمام من الميكروبات المختلفة.. يحرصون على تنظيفها بالشامبو، ويهتمون بنوعية الطعام فيزيدون من البروتينات الموجودة بالحبوب الكاملة.

يقول سامح مرعى، كبير مشرفى النقطة: اهناك اختلاف كبير بين الحمام الزاجل والعادى، فالأول لديه قدرة على الطيران المستمر لمسافاتٍ طويلة، لمدة تصل إلى نحو عشر ساعات يومياً، كما أن ريشه مرتبٌ واحدا تلو الآخر مع اختلاف الشكل العام طبقًا للمسافات التى يستطيع طيرانهاب، مشيرًا إلى أن الحمام الزاجل يحفظ الأماكن بسهولة ويعود إلى بيئته الأولى مرة أخرى، حتى أن الموت إذا فاجأه لا بد أن يعود لوطنه الأول كى يموت به، ولعل هذا ما جعله ساعى البريد الأول فى العالم.

شروط هامة

يتابع مرعى: الزاجل يحب الراحة والهدوء، ويمتاز بولائه لزوجه، فالذكر لا يتزوج إلا أنثى واحدة فقط، ومن النادر أن يتزوج اثنتين، ولديه حب فطرى لاحتضان صغاره حتى وصولها إلى سن الخمسة أشهر، وهو وقت التزاوج لدى الحمام، مؤكدًا أن اللوفت أو مكان تجمع الحمام يحتضن أزواجًا من جميع الجنسيات.

وعن شروط المشاركة فى السباقات يقول: اهناك شروط لابد من توافرها قبل استقبال النقطة للحمام، أهمها أن يكون فرد الحمام قد حصل على تطعيمات معينة، وأن تتوافر فيه مواصفات من حيث الشكل، كحجم الريش المتوسط الطول مع وجود خط أفقى متساو حول الرأس والمنقار، وأن يكون الأخير جميل المنظر مرتفعًا لأعلى.

ويضيف: اقبل انطلاق المسابقات يتم وضع بطاقة تحمل رقمًا معينًا، مدوَّن عليها اسم وسُلالة فرد الحمام، أما الدبلة الإلكترونية الثانية فمن خلالها يتم تحديد توقيت دخول فرد الحمام إلى اللوفت لتحديد الفائز فى السباقب.

بورصة عالمية

ويرى مرعى أن أسعار الحمام زادت فى الفترة الأخيرة، خاصة مع ولع الكثير من الأشخاص حول العالم بهذه الرياضة، والدليل أن الحمامة البلجيكية انيو كيمب بِيعت فى مزادٍ بـ1٫6 مليون دولار، وهو الأعلى على الإطلاق، أما فى مصر فيتراوح سعر فرد الحمام بين 200 جنيه و40 ألف جنيه، حسب سرعته والمراكز المتقدمة التى حصل عليها. وبالطبع فإن اتساع قاعدة هواة تربية الحمام الزاجل فى مصر شجَّع الكثيرين على استيراد حمام أوروبى، خصوصاً من هولندا وبلجيكا اللتين لهما سمعة عالمية فى مجال تربية الحمام الزاجل.

ملتقى الهواة

أما وليد محمد، أحد المتخصصين فى تربية الحمام الزاجل، فيقول: اتربية الحمام الزاجل هواية يعشقها الكثير من المصريين، وهناك الكثير من جمعيات هواة الحمام، فضلًا عن ملتقى الفيسبوك الذى أسهم فى تقريب الهواة من بعضهم البعض، وباتوا أشبه بأسرة كبرىب، لافتاً إلى ضرورة التعامل برفق مع الحمام فهو يعرف صاحبه جيدًا ولا يخشاه، كما يجب إمساكه من الجناحين معًا وليس من جناح واحد حتى لا يتأذى، بجانب الاهتمام بنوعية الطعام والبروتينات المقدمة له ليتمكن من مواصلة السباق.

ويضيف: انقوم بتدريب الحمام لمدة معينة، إذ نعوّده على الطيران حول المسكن لفترة مناسبة، وفى أوقات محددة، أو يجرى إطلاقه من مسافات عالية فى أوقات متقاربة، وذلك لتقوية وتمرين العضلات حتى تتناسب مع المسافات الطويلةب، مؤكدًا حصولهم على تراخيص بتربية الحمام من وزارة الداخلية، منعا لاستخدامها فى أمور غير مشروعة.

وعن أنواع السباقات يقول: اهناك ثلاثة أنواع للسباقات، الأول للمسافات القصيرة، ويتضمن مواليد السنة الواحدة، وهناك سباق الحمام الكبير وهو مواليد السنتين والثلاث سنوات، وهذان النوعان هما الأساتذة ويتميزان بالنفس الطويل فى السباقات، والقدرة على تحمل مشاق الرحلةب، مؤكدًا أن الجو المحمل بالرياح لا يعد مناسبًا للسباق.

هواية فرعونية

أما عن تاريخ هذه الرياضة، فيقول المستشار أحمد خليفة، رئيس الاتحاد المصرى للحمام الزاجل: اترجع تربية الزاجل فى مصر إلى زمن المصريين القدماء، حيث كان الفراعنة أول من آمنوا به بل نقشوا صوره على جدران معابدهم، فكانوا يربونه على ضفاف النيل، ويتغزلون فى جماله، ثم انتقلت تلك الهواية للكثير من الدول العربية التى بات لها باع كبير فى هذه الرياضةب.

وعن جمعيات الحمام الزاجل يقول: اهناك مئات الجمعيات على مستوى مصر يشرف عليها الاتحاد الذى جرى تأسيسه فى سبعينيات القرن الماضى، لكى يشرف عليها وعلى السباقات التى تنظم من آن لآخرب، مؤكدًا أن هذه السباقات توقفت عام 2006 بسبب إنفلونزا الطيور، لكنها عادت مؤخرًا وشهدت توافد الكثير من الجنسيات العربية والأوروبية، وبالطبع تعد هذه السباقات ترويجًا جيداً للسياحة.

وفيما يتعلق بشروط المشاركة فى السباق يقول: ايجب أن يكون فرد الحمام حاصلًا على التطعيم والتحصين الطبى، وأن يحمل فى إحدى قدميه (بار كود) مدوَّنا عليه نوعه وعمره مع اسم سلالته، وفى القدم الأخرى دبلة إلكترونية مسجلا عليها لحظة انطلاقه وقدومه إلى (اللوفت)ب.