محمد على كلاى
محمد على كلاى


هرب من عنصرية أمريكا وارتمى بحضن مصرl يوميات محمد على كلاي في القاهرة

آخر ساعة

الأحد، 29 مايو 2022 - 03:15 م

كتب: أحمد الجمَّال

يعد الملاكم الأمريكى محمد على كلاى (1942-2016)، أسطورة رياضية من الصعب أن تتكرر.. اسمه الأصلى كاسيوس مارسيلوس كلاى، لكنه اختار لنفسه اسم محمد على بعد إشهار إسلامه عام 1964، وقد فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات، وفى عام 1999 توج بلقب رياضى القرن، وكان يصف نفسه بأنه ايطير كالفراشة ويلسع كالنحلةب، كونه صاحب أسرع وأقوى لكمة فى التاريخ. واعتزل الملاكمة عام 1981 فى عمر 39 عامًا، بعد مسيرة حافلة تضمنت 56 فوزا منها 37 بالضربة القاضية وخمس هزائم فقط.

 

وقبل 56 عامًا زار كلاى مصر لمدة أسبوع بدعوة من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والتقاه الكاتب الصحفى الكبير محمود عبدالهادى، حيث جسد كلاى سيناريو متخيلًا من تأليفه فى منطقة الأهرامات لم يكن فى الحقيقة سوى ملخص لقصة حياته.. وفى السطور التالية نعيد نشر الحكاية بتصرف محدود:-

الرجل الذى صرع الأبطال فى حلبة الملاكمة واحدًا بعد الآخر، عاش أسبوعه فى القاهرة أقرب إلى العصفور الطليق.. لقد تحرّر فى مصر من قفص الكراهية العنصرية الذى يحيط به فى بلاده (أمريكا)، فأصبح كل ما يراه جميلًا فى عينيه، وارتد طفلًا على صدر أرضنا الطيبة.. وكانت أكثر لحظاته مرحًا تلك التى صمم فيها على أن يؤلف ويمثل هذا السيناريو خصيصًا لعدسة آخرساعة.

 

قصة السيناريو بسيطة، ترويها الصور: ظل الأعداء يطاردونه حتى تاه فى الصحراء.. سقط على الأرض من الظمأ والإرهاق.. أسرع واحد من البدو يغيثه.. بدأ يحمله إلى ظهر الحصان لينقله إلى حيث يجد الظل والماء.. لقد كان محمد على كلاى فى هذا السيناريو يترجم قصة حياته!

سافر محمد على كلاى، تاركا القاهرة التى لم يكن يريد أن يغادرها، وعاد إلى بلده، الولايات المتحدة.. ومن المؤكد أنه وهو فى الطريق إلى أمريكا كان يقارن بين الحياة هنا، فى بلدنا الطيب، والحياة هناك فى أمريكا، المجنونة، بلد التعصب التى لا تريد أن تترك للبطل حرية الحياة والحركة.

 

هنا كان ينتقل حرًا طليقًا كالعصفور، وهناك سوف تطارده الألسن والأقلام الحاقدة والقلوب السوداء التى تؤمن باللون الأبيض وتحتقر اللون الأسود.. لون محمد على  كلاى.. هنا وطوال الأيام التى قضاها كان محمد على يحس ببساطة الناس، ويقبل فى إعزاز كل من يعرفه، ومن لا يعرفه، وهنا ستظل عيونه ساهرة، وقلبه موجوع خائف.

فى أمريكا لا يؤمنون به كبطل، ولا يعترفون ببطولته.. حتى الآن، وهنا وفى العالم يقدره الجميع ويعتزون به.. فى أمريكا يقولون له أنت أسود، وهنا نقول له أنت إنسان.. وياله من فارق رهيب فى المعاملة.

 

محمد على الجديد!

لقد قضى محمد على أسبوعًا حافلًا فى القاهرة.. استُقبِل بالحرارة التى يجب أن يُقابَل بها أى شاب منتصر، متحمس لدينه.. لقد كانت لفتة ذكية من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ومن محـــــمـــــد توفيــــــق عويضة سكرتير المجلس، حين بادر بتوجيه الدعوة إلى البطل العالمى لينزل ضيفًا على المجلس وعلى الشعب المصرى. وكانت لفتة أكثر ذكاء من محمد على حين لبى الدعوة، وكان لا بُد أن يلبيها لأنه كان يعلم أنه لن يستقبل فى بلده أمريكا كما نستقبله نحن هنا فى القاهرة.

 

قال لى محمد على كلاى إنه هنا أحس براحة نفسية كان فى حاجة إليها، ولو ذهب إلى أمريكا لتعبت أعصابه أكثر وأكثر، فهناك يطالبونه بدخول الجيش، ولا يعترفون حتى الآن بأنه بطل محترف فى العالم، ولا يعترفون له بدينه المسلم، وتطارده الكلمة الرهيبة: أنت أسود.. وهناك جمعية اكلو كلاكس كلانب الإرهابية التى تريد أن تقضى عليه، فكيف بعد كل هذا يذهب إلى هناك؟! كان الله فى عونه، إن محمد على كلاى جاء إلى القاهرة هذه المرة بروح جديدة، بل إنك تستطيع أن تقول إنه إنسان جديد تمامًا.. فى المرة السابقة كان يتحرك بعصبية شديدة، كانت تصريحاته فى كل مكان يذهب إليه: اأنا الملك.. أنا ملك الملاكمةب، ولكنه هذه المرة، لا يتحدث إلا نادرًا جدًا.

 

قلت له: إنك هذه المرة إنسان جديد لا يعتمد فى كلامه على التهويش والمبالغة.. وضحك كلاى أو قل إنه ابتسم فقط وهو يقول: لم يعد هناك ما يدعونى إلى الحرب الكلامية.. لم يكن هناك من قبل من يقف بجانبى، فالكل يحاربنى، ولذلك بُح صوتى من كثرة الزعيق.. كنت أريد أن أكسب أنصارًا، أما الآن فإن نتائجى أصبحت كفيلة بالرد عليهم نيابة عن لسانى.

هل كانت حكاية إسلامه مجرد بدعة لجأ إليها كنوع من الدعاية؟! أعتقد أن هذا هو الانطباع الذى كان موجودًا لدى الجميع وأنا منهم، إذ ماذا يعرف هذا الولد الشقى عن الإسلام والمسلمين.. الحقيقة أن هذه الصورة اهتزت بل اختفت تمامًا من ذهنى خلال الأيام التى قضيتها معه ووراءه فى القاهرة.

يصلى ويصوم

إنه يحرص على تأدية الصلاة فى أوقاتها، كما أنه يحرص على صوم يومين فى الأسبوع، هما الإثنين والخميس، رغم ما فى ذلك من قسوة عليه كبطل عالمى يجب أن يحرص على التغذية، حرصًا شديدًا.

هذا هو كلاى كما رأيته هذه المرة.. طويل، أسمر، يكاد يكون نحيلًا، وهو أنيق فى ملبسه حريص كل يوم على ارتداء البدلة كاملة، هادئ جدًا! ومؤمن فعلًا.

وعندما ذهب إلى ملعب النادى استقبله أكثر من 40 ألفًا بحفاوة لم يسبق لها مثيل فى حياته، وخرج كلاى وانتقل إلى حجرة فى الفندق وأغلق على نفسه وظل يبكى! وقال لمرافقيه إنه لم يكن يتصوّر أن الناس فى القاهرة يحبونه إلى هذا الحد، وأن اللحظات التى قضاها فى مسجد الحسين كانت أسعد لحظات عمره.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة