صورة موضوعية
صورة موضوعية


تحركات صينية وأمريكية.. «الشرق الأوسط» يعود لقلب اهتمامات القوى العظمى

حسام عبدالعظيم

الأحد، 19 يونيو 2022 - 04:36 م

استبقت الصين جولة الرئيس الأمريكى جو بايدن فى منطقة الشرق الأوسط المقرره منتصف الشهر القادم؛ بزيارة رسمية مكوكية قام بها السفير وانغ دى وهو مسئول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الصينية، وهي الجولة التي بدأها يوم 4 يونيو الجارى، وشملت دول الإمارات والسعودية والكويت والجزائر وتركيا، وكانت مصر المحطة الأخيرة لجولته.

وكان الهدف المعلن تجديد الصين التأكيد بدعمها الثابت للدول العربية الشقيقة تجاه التحديات والقضايا الهامة المتعلقة بأمنه وسيادته، فضلا عن تطوير العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية الهامة في سبيل الحفاظ على المصالح المشتركة، في ضوء المتغيرات والاضطرابات التي تشهدها المنطقة والساحة الدولية.


وعلى ما يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية، قد غيرت حسابات واشنطن واستعداداتها، وأجبرتها على مراجعة سياستها في المنطقة من أجل ضمان استقرار بلادها وتحقيق مصالحها، بعد أن تسببت العقوبات المفروضة على موسكو فى أكبر أزمة غذائية ونفطية لم يشهدها العالم منذ عقود، تلك الأزمات المتلاحقة المتسارعة لم تكن تداعياتها بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بل يمكن القول أنها فى القلب منها.


وأدركت الولايات المتحدة أن سياسة تخفيض التزامها تجاه منطقة الشرق الأوسط، كان تقديرا خاطئا بالتقليل من أهميتها، لما تمثله من تكلفة وعبء ثقيل عليها، وضعف تأثيرها -كدول المنطقة- على توجهات السياسة الدولية. نظير مناطق أخرى منحتها الأولوية الجديدة، مثل منطقة جنوب وشرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، وذلك بهدف تطويق الصين وكبح جماح صعودها المتنامي.


إلا أن ظهور "سلاح النفط" على السطح من جديد جراء الأزمة الأوكرانية وجائحة كورونا ، وهو السلاح الذى تملك دول منطقة الخليج القدر الأكبر بالتأثير فيه، يفسر هذا التحول السريع للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة، بالإعلان عن الجولة المرتقبة للرئيس الأمريكى.


باختصار عادت منطقة الشرق الأوسط بقضاياها ومشكلاتها وتحدياتها، إلى قلب اهتمامات السياسة الخارجية للقوى الكبرى، وما تشهد من توترات وتجاذبات ومغازلات واستقطابات، لاسيما فى ظل الأزمات والمتغيرات المتسارعة غير المسبوقة التى يعانى منها العالم فى وقتنا الحاضر، وفى مقدمتها  الأزمة الأوكرانية وجائحة كورونا، والأمن الغذائى وأزمة النفط، وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار.


فالولايات المتحدة تسعى إلى استقطاب المنطقة العربية والاصطفاف بجانب سياساتها تجاه الأزمة الأوكرانية، فى إطار صراعها مع روسيا ومساعي عزلها دوليا، لحد وصل إلى تهديد مباشر تجاه بعض المنطقة. فى الوقت نفسه، محاولة ربطها ومقارنتها بصراعها مع الصين فيما يخص مسألة تايوان، من خلال تصدير صورة أن الأزمتين متشابهتين على أساس مبدأ سيادة الدول، وهي بذلك تعتبر أوكرانيا الدولة ذات السيادة مثل جزيرة تايوان التابعة لحكومة بكين وفق القانون الدولي وما اتفق عليه في إعلان القاهرة أربعينيات القرن الماضي بين دول الحلفاء المنتصرة في الحرب. لكن الدول العربية تتخذ موقف الحياد فى هذا الشأن، فالشرق الأوسط  لديه من المشكلات والتحديات والقضايا والأزمات لينشغل بها والبحث عن حلول لها.


أما الصين فمن ناحيتها، لا تستطيع التخلي عن تواجدها بالمنطقة العربية، وتؤكد ذلك الأرقام التي أعلن عنها المسئول الصيني خلال زيارته القاهرة، حيث وصل التبادل التجاري 330 مليار دولار في 2021، في حين استوردت بكين من العرب نصف احتياجاتها من النفط في العام نفسه بقيمة 264 مليون طن، فضلًا عن عشرات المشروعات التي تمولها أو تبنيها الصين بالدول العربية، ولكنها مع ذلك تطالب على لسان السفير وانغ دي المجتمع الدولي بعدم التخلي عن الشرق الأوسط، وهو مطلب يبدو أن يحمل عدة معاني، أولها أن بكين ترغب في أن تتعاون جميع الدول لتحقيق المصالح التنموية مع الحفاظ على الأمن والاستقرار، وثانيها أنها ترغب في تخفيف الضغط الغربي عليها ومحاولات تطويقها من خاصرتها الجنوبية ببحر الصين الجنوبي أو من خلال القواعد الأمريكية باليابان وكوريا الجنوبية.


وترجم ذلك التوجه مؤتمر صحفى عقد بالقاهرة نهاية الأسبوع الماضى، للسفير وانغ دي مدير مسئول إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بالخارجية الصينية، قال فيه إن القمة العربية - الصينية الأولى المقرر انعقادها هذا العام بالمملكة العربية السعودية، تعد خيارا استراتيجيا في ظل الأوضاع الراهنة لتعزيز التضامن والتعاون. كما أكد أنها ستكون  بكل تأكيد حدثا هاما ومعلما في تاريخ العلاقات الصينية العربية. واصفا العلاقات الصينية العربية "كالذهب الخالص" فى مقاومته ونقائه وبريقه.


وسوف تناقش القمة وفقًا للمسئول الصيني، دفع  تطور العلاقات الصينية العربية إلى آفاق أوسع ، ورسم الخطوط العريضة للتعاون في المستقبل، وبلورة التوافقات وتنسيق الخطوات حول القضايا الدولية والإقليمية الهامة بما يعزز السلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط والعالم. وذلك على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمى مع الدول العربية وهى: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضى، عدم الاعتداء المتبادل، عدم التدخل فى الشئون الداخلية بصورة متبادلة، المساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمى.


 فى ذات السياق، اعتبر المسئول الصينى تلك المقارنة، ادعاءا باطلا ، ومعيارا مزدوجا. لأن أوكرانيا دولة ذات سيادة، أما تايوان فهي جزء من الصين ولم تكن دولة ذات سيادة أبدا، وأن القضية الأوكرانية صراع بين روسيا وأوكرانيا، فيما أن مسألة تايوان شأن صيني داخلي، ويعد مساسا بسيادة الصين واستقلالها .


مابين زيارة الرئيس الأمريكى لمنطقة الشرق الأوسط، والقمة العربية الصينية الأولى المقررة هذا العام، على دول المنطقة العربية، أن  تمضى فى الدفع قدما نحو إعادة ترتيب البيت من الداخل، وان تشكل موقفا موحدا، تجاه تحقيق التنمية والاستقرار والأمن فى ظل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة والقاسية، قد تهدد اقتصادات دول، فالتكامل والتكاتف بين دول المنطقة العربية لموجهة تلك التحديات والصعوبات، ليس إلا السبيل الوحيد لنجاة منطقتنا وتحقيق حياة أفضل لشعوبنا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة