محمد درويش
محمد درويش


الثانوية العامة.. بلد شهادات صحيح

الأخبار

الإثنين، 20 يونيو 2022 - 05:22 م

بقلم: محمد درويش

زمان فى بداية السبعينيات كان بعض أبناء جيلى من طلاب الثانوية العامة يقف عاجزاً وهو يحاول حل اسئلة الاعوام السابقة استعداداً للامتحان، كانت الامتحانات من بداية الستينيات وربما الى عام 1969 فى كل المواد خاصة العلمية والرياضية نعجز كثيراً أمام فك طلاسمها، وهذا العجز كاد أن يصيبنا بالاحباط قبل كل امتحان، الا أننا كنا نفاجأ باسئلة سهلة يسيرة جداً، وكان السبب «فى رأيى» أن الاجيال التى وصلت إلى الثانوية العامة بعد حرب 1967 بدأ التعامل سياسياً معها وبالطبع المستهدف اولاً كان أولياء الأمور.

بدأت مثلاً مانشيتات الصحف باللون الأحمر تقول: قبول جميع الناجحين بالجامعات والمعاهد.
لم تكتف الدولة بامتحانات سهلة، حتى أحياناً عندما كان واضعو الامتحان فى علم الرياضيات مثلاً يضعون سؤالاً يحتاج إلى كشف المجتهد جداً أو العبقرى الذى يتمكن من إجابته ليحصل على درجة تميزه عن أقرانه المجتهدين فقط، كانت التغطية الصحفية تستعرض صرخات الطلاب وشكاواهم من صعوبة الامتحان، أذكر فى ثانوية عام 1973 أن خبراً احتل مكانه فى الصفحة الأولى يؤكد أن رقماً اعتيادياً كان غير واضح، أين المقام وأين البسط؟ وأتذكر جيداً أننى لم أر فيه أى خطأ لأنه ببساطة لو قرأته خطأ فالنتيجة تكون غير منطقية، رغم أننى لم أكن جهبذاً فى الرياضيات.

القصد كان خروج الثانوية العامة إلى حيز الاهتمام الإعلامى علاوة على التعامل سياسياً معها سبباً رئيسياً فيما نراه اليوم من وقوف أولياء الأمور على الأبواب وحالات الصراخ خاصة من الطالبات وأمهاتهن وهو أمر لا نراه إلا فى المدن ويختفى تماماً فى ريفنا الجميل بحرى وقبلى.

وبدأت الأحلام تتبخر على أبواب مكتب التنسيق حيث يتسبب نصف درجة فى ضياع آمال وطموحات المستقبل، ولا أحد يتعظ مما يحدث أمامه للبحث عن بديل اخر غير الثانوية العامة والطب والهندسة، رويدا رويداً تدنت النظرة إلى التعليم الفنى وأصبحت كلمة معهد سواء  كان ثانوى صناعى أو زراعى ، عاليا أو متوسطا، كأنه «جرب» يحاول الجميع أن يتحاشاه وكنت أتعجب جداً من زملاء أكدوا أنهم التحقوا بكلية الإعلام بعد عامين من انشائها كمعهد تابع لجامعة القاهرة وأتساءل هل يريدون الاسم أم الدراسة فى مجال يسعون إليه؟!

انتشرت أنظمة تحت مسميات كثيرة مثل الانتساب والانتساب الموجه وعلى مدى عقود بدأ التعليم المفتوح ثم التعليم المدمج!
اختفت استراتيجية طويلة الامد للمسارات التعليمية، تحدد أسواق العمل والمهارات والمناهج المطلوبة والأهم من ذلك كله أن نعمل على تغيير ثقافة شعب مازال يؤمن بأننا «بلد بتاعة شهادات صحيح»، وهو شعار كسره منذ زمن طويل  رجل بسيط يجيد القراءة والكتابة عندما حصل ابنه على مجموع صغير طلب منه كتاب التنسيق وهو يستعد لتقديم اوراقه  الى المرحلة الأخيرة معه وسأل عن معهد متوسط لإعداد فنيى الاسنان وطلب منه الالتحاق به وبعد عامين حصل على المؤهل وافتتح له معمل أسنان فى شقة متواضعة ببيته وأصبح الابن فى سعة من العيش وأدخل أبناءه مدارس خاصة وألحقهم بكليات طب أسنان بجامعات حكومية وخاصة عشان زيتهم يبقى فى دقيقهم المعمل مع العيادة!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة