هالة العيسوي
هالة العيسوي


ديّة القصاص بين الشرع والقانون

هالة العيسوي

الأربعاء، 06 يوليه 2022 - 05:55 م

نحتاج رأى علماء الدين فورًا ليحسموا قضية الدِيّة فى القصاص، ولينقذوا المجتمع من اللغط الدائر حولها. مؤخرًا أدخلتنا التقارير الصحفية وتصريحات بعض المختصين وغير المختصين فى دوامة مدى تواؤم فكرة دفع الدية مع الشرع والقانون بديلًا عن القصاص. انقسم المجتمع حول هذه القضية  بمناسبة  الجريمة التى زلزلت مشاعر الناس حين نُحرت فتاة المنصورة على يد شاب فى قارعة الطريق. وساد التخوف من أن تصبح دية القصاص الذى لا يكون إلا فى القتل العمد، سُنّة تشجع الموسرين على القتل والإفلات من العقاب.

اختلف الناس ما بين متعاطف مع الفتاة المغدورة، مطالبًا بالقصاص، وبين متعاطف مع الجاني، مبادرًا بشن حملات جمع التبرعات لدفع الدية لقاتل فتاة المنصورة لإنقاذه من حكم الإعدام، بل وسارعوا بتحديد قيمتها بخمسة ملايين من الجنيهات المصرية.

تباينت الاجتهادات فى تفسير الدية؛ القانونيون يجزمون بأن القانون المصرى لا ينص فى أحكامه على الدية إطلاقًا. لذلك اعتقد أن رأى الشرع مهم؛ فمنه يستقى القضاء أحكامه. أما العوام، وبعضهم يتمتع بدراية معينة بأحكام الشرع، مقتنع  بأن الدية لا تكون إلا فى القتل الخطأ استنادًا على النص القرآني: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ..... إلى آخر الآية (92)  سورة النساء. وآخرون يرون أن الدية ممكنة فى القتل العمد استنادًا على الآية الكريمة :»يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ « (178) سورة البقرة .واستندوا أيضًا إلى بعض الروايات عن السنة النبوية فى جواز دفع الدية بديلًا عن القصاص.

مفهوم بالطبع أن الدّية مرهونة بعفو وقبول ولىً الدم. وهى رخصة أتاحها الشرع الشريف لنشر مبادئ العفو والتسامح، وأن القصاص مكتوب للردع وتحريم الانتقام وإزهاق الأرواح.

لكن تبقى أسئلة مثيرة لحيرة العوام من أمثالي،من قبيل: أى الحالات تجوز فيها الدية بديلًا عن القصاص( قتل عمد/ سبق إصرار/ترصد)؟  وعلى من تجب تحديدًا(الجاني/ أهله/ متبرعين)؟ وما مقدارها؟ ومن هم أولياء الدم؟ هل فرد واحد أم عدة أفراد ( أب، أم/ زوج، زوجة/ ابن،ابنة) ؟ وهل صحيح أنه لو تعدد أولياء الدم ووافق أحدهم على الدية يسقط القصاص، ويضيع حق باقى الأفراد؟ يعنى لو عيل فلتان أغرته الأموال وقبل بالدية يسقط حق باقى افراد الأسرة؟ كلنا نعرف ضغوط الحياة وسطوة أصحاب المال والنفوذ وقدرتهم على إقناع المكلومين بعدم جدوى عقاب الجانى لأنه لن يعيد الميت، وأن المال أفيد لهم لمواصلة الحياة. فماذا عن حق المجتمع وأهمية الردع؟

من الضرورى أن يشتبك رجال الدين الموثوقين مع قضايا المجتمع الملتهبة، كما سبق واشتبكوا مع قضايا حجاب المرأة، والطلاق الشفوى وغيرها من قضايا ربما أقل أهمية. نريد فتوى واضحة من دار الإفتاء ورأيا حاسما من الأزهر الشريف، كى تتوقف اجتهادات العوام، من أجل الغد قبل أن تكون لضبط مفاهيم وعلاقات اليوم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة