الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي | يوم عرفة

الأخبار

الخميس، 07 يوليه 2022 - 06:39 م

يقول الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية رقم (199) من سورة البقرة: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

عرفات ننطقها بمنطوقين: مرة نقول (عرفات) كما وردت فى هذه الآية، ومرة ننطقها (عرفة) كما فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، وعرفات جمع، وعرفة مفرد، هذه الكلمة أصبحت علماً على المكان الفسيح الذى يجتمع فيه الحجيج فى التاسع من ذى الحجة، ولا تظن أنها جبل، فإذا سمعت: (جبل عرفات) كما يقول الناس فافهم أن المقصود هو الجبل المنسوب إلى عرفات، وليس عرفات فى ذاتها، ولذلك تجد أناساً كثيرين يظنون أنهم إن لم يصعدوا الجبل المسمى بجبل الرحمة الذى عند الصخرات التى وقف عليها رسول الله فى حجة الوداع فكأن الإنسان منهم لم يحج، نقول لهم: لا، الوقوف يكون فى الوادي، والجبل المجاور للوادى أسميناه جبل عرفات، فالجبل هو المنسوب لعرفات وليس الوادى هو المنسوب للجبل. وأصل كلمة عرفة وردت فيها أقوال كثيرة، وهناك فرق بين الاسم يكون وصفا ثم يصير اسماً، وبين أن يكون عَلَماً من أول الأمر.. وكلمة (عرفة) هى الآن علم على مكان، لكن سبب تسميتها فيه خلاف: قيل: لأن آدم هبط فى مكان وحواء هبطت فى مكان، وظل كلاهما يبحث عن الآخر حتى تلاقيا فى هذا المكان، فسُمى (عرفة)، والحديث عن آدم وحواء يقتضينا أن نبحث عن سبب تفرقهما الذى جعل كلا منهما يبحث عن الآخر، إذا كان الله عز وجل خلقهما ليكونا زوجين فلماذا فرقهما؟، لك أن تتصور حال آدم وهو مخلوق فى عالم غريب واسع بمفرده، وينظر حوله فلا يجد بشراً مثله، بالله ألا يشتاق لإنسان يؤنس وحدته؟، وماذا يكون حاله عندما يرى إنساناً؟، لاشك أنه سيقابله باشتياق شديد، من أجل هذا فرق الله بينهما وجعل كلاًّ منهما يبحث عن إنسان يؤنس وحشته، ولو ظل كل منهما بجوار الآخر فربما كان الأمر عادياً، وهكذا أراد الله لكل من آدم وحواء أن يشتاق كل منهما للآخر، فأبعدهما عن بعضهما ثم تلاقيا بعد طول بعاد، فكان الشوق للقاء، وبعد اللقاء تأتى المودة والرحمة والألفة والسكن، وهو مطلوب الحياة لزوجين.

وهناك قول آخر بخصوص تسمية عرفات: إن سيدنا آدم قالت له الملائكة وهو فى ذلك المكان: اعرف ذنبك وتب إلى ربك فقال: «رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين» «الأعراف: 23»، فيكون بذلك قد عرف زلته وعرف كيف يتوب، أو حينما أراد الله أن يُعَلِّم إبراهيم عليه السلام، وهو الذى دعا ربَّه أن يجعل أفئدة الناس وقلوبهم تميل وتهوى هذا المكان، إن إبراهيم رأى فى المنام أن يذبح ابنه، وتلك مسألة شاقة من ثلاثة وجوه: المشقة الأولى أنها رؤيا وليست وحياً، والمشقة الثانية أنه ابنه الوحيد، والمشقة الثالثة أنه هو الذى سيذبحه، إنها ثلاث مشقات صعاب، وليس من المعقول أن تمر هذه المسألة على أبى الأنبياء بيسر وسهولة، بل لابد أنه تحدّث فيها كثيراً بينه وبين نفسه، وهل هى رؤيا أم ماذا؟، ومن هنا سُمى اليوم الذى قبل يوم عرفة بيوم التروية. وعندما تأكد سيدنا إبراهيم بأن رؤيا الأنبياء حق عرف أنه لابد أن ينفذ ما رأى، والمكان الذى عرف فيه حقيقة الرؤيا سُمى عرفة، أو أنه حين جاءت له الرؤيا بذبح ابنه فالشيطان لم يدع مثل هذه الفرصة تمر، وكان لابد أن يدخل ليوسوس لإبراهيم ،أليس هو القائل: «لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم» «الأعراف: 16».

فعندما تمثل الشيطان لإبراهيم رجمه بالحصى سبعا فى المرة الأولى، ثم عاوده مرة أخرى فرجمه سبعاً، وجاءه فى الثالثة فرجمه سبعاً، بعدها لم يأت له ثانية، فجرى إبراهيم مخافة أن يلاحقه، ولذلك سُمى المكان بالمزدلفة، والمزدلف هو المسرع، ويسمى (ذا المجاز) أى أنه اجتاز المزدلفة، ويكون قد عرف المسألة عند عرفة، أو أن جبريل كان يعرفه المناسك فى هذا المكان، فيقول له: عرفتَ؟ فيرد إبراهيم: (عرفتُ).

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة