أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

« أنا اخترت عباس»

أحمد عباس

الخميس، 07 يوليه 2022 - 06:50 م

تعرف يا بابا انقطعت المياه ذلك النهار كأنها تعاندني، علقت شنطتي على ظهري كما أفعل في ظروف مماثلة كثيرة وعدت لبيتك العامر، انت تعرف شكلي في هذا المشهد لما تتفاجأ بي أسير حافيا في منتصف البيت بينما أبحث عن فوطة وشبشب، فتبتسم وتسأل: إيه اللي جايبك تستحمى عندنا!

كأن شيئًا لا أعرفه ساقني ليلتها للخروج لعزائك من غرفتنا تلك التي ورثتها أنت عني لما غادرت البيت وعشت بمفردي وصنعت منها صومعتك، تعرف.. رائحة دخانك لاتزال تعبئ المكان ماذا كنت تدخن يا رجل، فتحت شباك غرفتك وجلست في موضعك وتكلمت معك كثيرا بينما أرتدي بذلتي، والله لو رأيتني يومها لأقسمت أنني عريس، بخخت عطرًا قاتمًا تحبه، يقولون أنه مؤسس على زيت الأفيون المخدر ليكسبه ثقلا وثباتا اعتقدت أنني اخترته -ربما- ليخدر ما تبقى لي من إدراك لكن حتى زيت الأفيون فشل يا بابا، صورتك كانت أقوى من ألف مخدر يا صديقي.

تعرف.. ارتديت بذلة سوداء وحزاما وحذاء سوداوين وشرابا كُحليا.. لا تضحك أعرف كم تحب أن تتصيدني، تشابهت علي الألوان يا أبي، كنت تفعلها دائما أنت وأكشفها أنا ولا أشي بك، كنت كتوما يا أبي لأسرارك وكاتمها لكن آن لي البوح ببعضها ولو على سبيل الابتسام، اطمئن.. لن أقول أنك كنت تحلق جزءا من ذقنك ويفوتك جزء، تعرف.. أنا أيضا أفعلها لكن هذه المرة لم يكشفني أحد ولو كشفوني لأقسمت أنه لا دخل لي بلون الشراب المُغاير ولا بهذه الشعرات المتناثرة التي لم تطلها شفرات الحلاقة، سأورطك كالعادة وأقول أنني ورثتها عنك ولن تستطيع الفكاك هذه المرة.

أما القميص فأبيض مختوم على أسورته أول حرفين من اسمينا باللغة الإنجليزية، كُف عن السخرية يا جدع أنا جاد جدا وأنت لاتنفك تسخر، أنت تفهم جدا كم أعتز باسمك لا اسمي، هل تذكر تلك المرة التي عُدت فيها من عملي زاهيًا، فأخيرًا وافقوا على طباعة اسمي على صفحات «الأخبار» لا كمجرم عتيد تبحث عنه الشرطة لكن كمحرر جديد سيطبع اسمه بأصغر بنط، خيروني يومها بين الامضاء باسمي يلحقه اسمك أو اسمي متبوعا باسم جدي الأكبر فيكون أكثر في عدد الحروف ويبدو حينها أنني صحفي قديم ومهم، ولما عُدت سألتني: واخترت إيه!، فأجبت فورا: أنا اخترت عباس.. أحب أن أظل أحمد عباس، مَن عبد العزيز هذا لأذكره، أنا لا أعرف إلا عباس يا صديقي.

أرجوك كُف عن التظاهر ولا تفتعل النسيان أنت تذكر ذلك كله أكثر مني وتحفظ تفاصيله ليلتها اشتريت من ذلك العدد كل ما استطعت جمعه أنت وأصدقاؤك وأعمامي وجدي، ياااه كان ذلك قبل عشرين سنة مما يعدون.

غادرت إلى عزائك في رونقي وكامل بهجتي صحبني لقاعة العزاء صديقان لا أعتقد الزمان يجود كثيرا بمثيل لهما كانا واقفين على غُسلك، زارني في العزاء رجال يحبونك ويحبونني وأخوتي، لن أذكر لك مناصب فأنت لا تهتم لها منذ صغري ولن أقول لك أسماء فالقائمة طويلة وأنت تتلعثم في الأسماء دائما أفهم طبيعتك.. أنا أكسب هذه المرة أمسكت بك.

عُدت إلى بيتك يا حبيبي مع أمي واخوتي أعدك أن أكون عينهم ويكونون في عيني وهذا عهدي لك، نمت مكانك ذلك المساء ولم املأه وضعت هاتفي نفس موضع هاتفك وأطفأت شاشته وفشلت في النوم مجددا وهذه ليلتي الثانية على ذات الحال، سامحني.

لن أعدك يا حبيبي بأنني سأتزوج وأنجب ذرية تفخر بها فهذه مسألة أنت تعلم موقفي منها ولن نخوض فيها مجددا لكنني أعدك بأنني إذا كنت سببا في فخرك مرة في حياتك أنني سأكون سببا في فخرك ألف مرة، اه.. أعدك أيضًا انني اذا تزوجت وأنجبت طفلا سأعلمه كيف يفوت شعرات من ذقنه أثناء الحلاقة وأن يرتدي شربًا بلون مُخالف وأن يكون رجلا كريما وأنثى وجيهة، سأعدك أيضًا بأن ابتسم في وجه الناس.. كل الناس، وأن أبقى حنونًا قدر استطاعتي وألتمس الأعذار للخلق، وأن أردد الأذان على صوت خطواتك عائدا من التوضؤ، وأن أبقى شريفًا ما استطعت وأن أحمي اسمك ونسلك وأن أظل رجلًا، وأنتظر لقاء قريبا يجمعني بك.. مع السلامة يا بابا.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة