شيرين هلال
شيرين هلال


شيرين هلال تكتب.. هُزمنا بأقلامنا

شيرين هلال

الإثنين، 18 يوليه 2022 - 04:29 م

طالعت مقالا لرئيس تحرير جريدة خاصة يحدثنا فيه عن الحقد الطبقي وعلاقته بالوعي بتاريخ 17 يونيه 2022، وجاء بالمقال قصة تشابك لفظي بين مغردة على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" لقبت نفسها بنصيرة "الحقد الطبقي" والتي انتقدت مظاهر الترف الشديد في أسرة مصرية تمتلك السيارات الفارهة في إحدى قرى الساحل الشمالي ونعتتهم بالحرامية، وأشار المقال إلى قيام أحد المستثمرين الأثرياء بالتراشق اللفظي معها والتشدق بمشروعية ثروته والمجاهرة بحقه في الاستمتاع بالرفاهية التي تمنحها له ثروته خاصة وانه دفع ما علية من ضرائب ومستحقات ووفر 4000 فرصة عمل في مصنعه.


إلى هنا ولا غضاضة في الأمر، ولكن ما أثار دهشتي هو طبيعة المقال الذي تم نشره على عمود رئيس التحرير بالصحيفة بلا قيد أو شرط حتى أنه وضع معيارا جديدا للرأسمالية لا تعرفه الأكاديميات العلمية، و أنا شخصيا – كاتب هذا المقال - لم أدرسه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومن ناحية أخرى رحت أدقق الغرض من المقال ولم أفلح حتى في تصنيفه ما إذا كان سردا صحافيا خبريا على شاكلة صحافة الخبر، كما أنه ليس من صنف الصحافة التحليلية أو صحافة الرأي كما تقرها العلوم الصحافية وأصول الإعلام، ولهذا قمت بتحليل المحتوى الذي لم يتضمن كلمة حق بل أريد به كل الباطل، كما يؤخذ علي المقال تسلل الكاتب في المقدمة من وصف الخبر المنقول إلى الرأي المفتري والمليء بالحقد الذي تفوق على ما جاهرت به الفتاه التي وسمت نفسها براعية الحقد الطبقي، وكان الأحرى به تصحيح جهلها بمعايير الثراء المشروع ونصحها بالعدول عن الكراهية المعلنة واستخلاص الخبرة من كفاح الأثرياء بدلا من الحنق عليهم. 


ولا زلت هنا أخاطب كاتب المقال قائلة: مصر تضج بالفقراء والفقر آفة الكسل وتراخي الهمم، و في هذا الوقت يفترض أن نشجع الفقراء على بذل المزيد من الجهد للخروج من العوز، ويفترض بك وببقية المنابر نسخ خبرات الناجحين للشباب ربما تصيب معظمهم فننسخ النجاح، ولكن أن نضخ جهودنا ونجند منابرنا الصحفية لنعت الأثرياء بأعداء الميزان المجتمعي، فهو تغول على مفاهيم الإنسانية.


سيدي، لن تجد ثريا أو مستثمرا ناجحا جمع ثروته من السرقة أو تربح على حساب الفقراء والكسالى بشكل كامل، وبذات الوقت لا أنكر وجود اللصوص والفاسدين وأثرياء الحرب في كل عصر، ولكن من الخطورة بمكان أن نعمم وصف اللصوصية على كل ناجح، وأعلم جيدا أنك لم تتحرى عن رجل الصناعة الذي حاول جاهدا إيصال رسالة كفاحه للفتاة المصابة بداء "الحقد الطبقي"، لأن مقالكم منشور بتاريخ السابع عشر من يوليو والواقعة حدثت بتاريخ السادس عشر منه. لذا، لم يتسنى لحضرتك و لا لطاقم التدقيق بالجريدة  التحري والتدقيق عن الرجل الذي قمت بإلقاء محاضرة كلامية عليه من مكتبكم المكيف في وسط المدينة، مع أن الرجل حاول جاهدا أن يُشحم حواره مع الفتاة بزيوت المكينات في كفاحه طيلة أربعين عاما من العمل الجاد في المصانع والحرمان من ابسط المتطلبات لأسرته من أجل بناء صرحه الصناعي في المناطق الصناعية شحيحة الخدمات في ذلك الزمن. 


قمت أنا – كاتبة هذا المقال - بدلا عنكم بالتحري عنه وتحديد هويته في الحقل الصناعي و الوقوف على النقاط المضيئة في مشواره "الوطني" الناجح، وبدلا من أن يتماشى قلمك مع توجهات الدولة المصرية التي تشجع المستثمرين من القطاع الخاص على خوض معركة الوصول إلى الجمهورية الجديدة في نضالها من اجل بناء مشروعات الوطن والخروج من الأزمات الاقتصادية الطاحنة، راح قلمك يسرد الروايات المستوحاة من الخيال الأمريكي الذي يروج لأبطاله بالتضخيم من إنجازاتهم بالغلو بعيدا عن الواقع، وذهبت لتوجيه الرجل لإعادة استثمار أمواله ومصانعه و كانك تحدث شخص خارج البلد او ينوى الهروب بأمواله، بينما هو لم يقصر عبر تاريخه المهني في تسديده الضرائب و الرسوم المستحقة حتى بعد ضربات الركود المتتالية ولا توجد نية لديه للتمتع بفترة المعاش التي هى حق مكفول لأي انسان وسيادتك تنكره عليه هو و من على شاكلته. 


زاد الأمر بلبلة عندما طالبتموه باستثمار أمواله داخل مصر !! بينما المشروع بالفعل قائم على أرض مصر ولا توجد لديه أي نيه للهروب بمصانعه، وطبعا جاءت كل هذه المغالطات جراء نقص معلوماتك عن المستثمر الوطني، وكان الأحرى بك سيدي قبل أن تسترشد بأمثلة مشبعة بالدهون الضارة مثل روايتك حول "وارن بافييت" الملياردير الأمريكي الشهير الذي يروج للتبرع بالمال لصالح مؤسسات خيرية مجهولة الهوية وتناولها الإعلام العالمي بالريبة إذ كان من ضمن نشاطها تمويل "جورج سورس" ومشاركته في نشر مؤلفاته التي هندست الثورات الملونة و مهدت للربيع العربي الذي كاد أن يهوى بمنطقتنا إلى الجحيم، وأنا لا أتصور انه قد نما إلى علمكم أن قام شخص ثري بعرض أكثر من 19 مليون دولار في مزاد أقيم عبر الإنترنت من أجل الفوز بغداء خاص مع رجل الأعمال المشبوه "وارن بافيت"، بل لمصلحة نفس الجمعيات في سان فرانسيسكو ولا احد يعلم على وجه الدقة أين تذهب تلك الأموال. 


سيدي ..


أراك تطالب رجال الأعمال المصريين الذين مهما بلغت ثرواتهم لن تصل لتلك المبالغ الضخمة بتقليد "وارن بافييت" الذي كان ملهما لباراك اوباما في فكره السياسي والاقتصادي و جميعنا نعلم مدى عداءه لمصر.
وأيضا، لن اسهب في شرح من هو "بيل جييتس" الذي اتخذته نموذجا ليزين المقال وتزغلل به أعين المستثمرين المصريين في محاكاة الزهد وهو الذي تخطت تكلفة زفاف ابنته مليونا دولارا أمريكيا،  أي ما يفوق 35 مليون جنيه مصري واهدى العروس قصرا و مزرعة خيول يقدر ثمنهما ب 16 مليون دولار، و لا اعلم حقيقة عن أي زهد تريد رجال مصر الشرفاء تقليده. عموما، هالني فكرة أن صحفيا بحجم خبرتك لا يعلم ما تفعله الآلة الإعلامية الأمريكية لتلميع أبناءها و صناعة وهم الحلم الأمريكي.


وهنا دعني أسألك سيدي: أخذين بالأمثلة الجائرة التي تبنيتها، هل لو عرف هؤلاء المستثمرون الأجانب بأن رئيس تحرير جريدة مرموقة يقوم بتحديد أوجه الإنفاق للمستثمرين في مصر ويكيل لهم التوجيهات "الاشتراكية" في شكل "تأميم مُقنع"، هل تظن بأنهم سيقبلون على الاستثمار في بلادنا؟ 


هل تعلم بان حرية انتقال رؤوس الأموال من أدبيات العمل الاقتصادي حاليا وانك بدعواك هذه لوضع أموال الناس تحت الإقامة الجبرية يعد خرقا لتلك الأدبيات في عالم لا يتحرك فيه الاستثمار إلا بعد تحري الجدوى و التي أول ما يتم اختباره فيها هو مدى حرية مناخ ممارسة الاستثمار في تلك الدول؟


سيدي الفاضل..


لقد سخرت قلمك ضد مصلحة الوطن وضد رسالتك الصحفية، فمن يقرأ رسالتك من المحللين سيقوم بتحذير المؤسسات الاستثمارية من ضخ أموالهم في السوق المصري لما يعانيه من سوء توجيه و سيادة الثقافة الطاردة  للاستثمار الحر، وكان الأحرى بك أن تسخر قلمك لخدمة اقتصاد مصر و أن تحاول الكتابة عن المعوقات التي تواجهها الصناعة المصرية وما يهدد وظائف العديد من الأسر التي توفر لهم تلك الصناعات فرص للعمل في قطاع يصنف بأنه من القطاعات كثيفة العمالة. 


لا اعلم لماذا تتجاهل الملفات الملحة التي يحتاجها المواطن المصري قبل المستثمر مثل أزمات التراخيص وسلسلة الإجراءات المعقدة عوضا عن تبني سياسة الشباك الواحد وتدقيق القرارات الاستثمارية والحول دون التضارب فيما بينها خاصة في الجمارك لدي استيراد معدات التصنيع إن كنتم تسعون بالفعل  للصالح العام ومساعدة قطاعا واسعا من قطاعاتها المنتجة.


لقد عبر الرئيس عبدالفتاح السيسي عن تقديره لجهود القطاع الخاص وأشاد بأهمية مشاركة المستثمر المصري لإعمار الوطن،  الذي يحتل القطاع الصناعي فيه 17% من حجم الاقتصاد المصري، وأذكركم باصرار السيد الرئيس على اصطحاب رؤساء تحرير الصحف وجريدتك منهم، لمعاينة المشاريع الإنتاجية لتنقلوا للمصريين بأقلامكم أهمية تلك المشاريع و تنشروا من منابركم صورة تشجع على الاستثمار، و تقوموا بتوضيح مدى اهتمام الدولة بإقامة تلك المشاريع لتوفير مزيدا من فرص العمل، وتذكرون إشادة سيادة الرئيس بتفوق قدرة القطاع الخاص على قطاعات الدولة الأخرى في الإدارة والإنجاز. 


يشير هذا المقال بوضوح إلى انه ما تزال هناك أقلام تحتل مناصب لا تعي خطورة ما تكتب وتسقط عن عمد او عن جهل نقل رسالة الدولة لمواطنيها بأمانة في وقت يمر فيه العالم بأزمات اقتصادية خانقة تلقي بظلالها القاتمة على اقتصادنا لأننا جزء من هذا العالم.


لقد حاولت في هذا المقال إمساك العصى من المنتصف بإثناء الفتاة المعترفة بإثم الحقد "قليلا" عن توجهها وأخذتم من باقي المقال الفرصة لتذكرنا من جديد بطعم التأميم.


أرى أن ما تريده من طرحك هو تنميط رجال الأعمال على معيار واحد وكأنهم آلات وليسوا بشر، فحاولت في مقالك التلميح لكون معظم هؤلاء تربحوا بالرشوة والفساد، وليس خفيا أن هذه النظرة مدمرة للاقتصاد والصناعة ، فالتشكيك المستمر "بدون أدلة" وإعادة التوجيه لأوجه استعمال الثروة أمر كارثي، لأن رجل الأعمال اذا لم يستطع العيش بشكل آمن في بلد، فإنه يهاجر بثروته ومشاريعه لبلد آخر في ظروف تقاتل فيها البلاد الآن لجذب الاستثمارات ورجال الثروة. 


كان الأحرى بكم أن تكون نصيحتك موجهة للفتاه لأنها المخطئة حتى لو تم استفزازها من المبالغة في إظهار الثراء، فهناك علاج لذلك وهو الحمد والرضا و العمل على استثمار الذات للحصول على الثروة، ولكنكم آثرتم النمطية المعلبة التي روجت لها الدراما السينمائية الهابطة و التي توسم كل ناجح بأنه لص يعتدي على قوت الفقراء و أن كل فقير هو ضحية أحد الأغنياء، متناسيا أن مثل هذا الفكر قد تخطاه الزمن و تيقن لنا كم هو فكر مضلل يحبط الناجحين ويدعم تواكل الفاشلين وهو خطاب يوسع الفجوة الطبقية، كما تناسيتم أن الله قد نظم الخليقة في تفاوت يخدم البقاء رهنا بحكمته.


أراك تسير عكس الدرب وتسعى لهزيمتنا بأقلامنا. 
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة