صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«شبه منفصل» معرض جديد للفنانة رانية خلاف.. محاولة للتواصل مع الآخر!

آخر ساعة

الإثنين، 25 يوليه 2022 - 05:06 م

كتب: رشيد غمرى

اختارت رانية خلاف لمعرضها الذى أقيم مؤخراً بجاليري «سماح» بالزمالك عنوان «شبه منفصل»، وطرحت رسالتها الموجزة حول الانعزال الإنساني، ومحاولات التواصل مع الآخر، وهو ما يجرى عبر استرجاع الذكريات، وتستحضرها الفنانة، من خلال عناوين بسيطة، وتهكمية أحيانا.

العزلة قدر إنساني، لكنها ما تمنح لحظات التواصل قيمتها الاستثنائية. يسعى كل منا للترابط مع الآخرين، عبر علاقات الحب والصداقة والأسرة، وحتى مع الكائنات، والأماكن، وكأنه فعل تعزيز للوجود. وفى لوحات المعرض يبدو التواصل أحيانا مجرد ذكرى، تثير البهجة أو الأسى. وهو فى كل الأحوال تواصل فى الماضي، تستحضره الفنانة بإعادة رسمه، بيد طفلة، يجرى استعادتها، لبث الحياة فى الذكرى، وتحويلها إلى لعبة.

لا تهتم الفنانة بالمطابقة، ولا بقوانين المنظر المألوفة على الأغلب، ولكن تطرح عالمها بطريقة عفوية. وتمد لنا يد العون عبر عناوين إرشادية. ولحسن الحظ، فإن عالمها رغم خصوصيته، بسيط. وإذا كان هناك ما يدعو للإعجاب، فهو نجاحها فى إزالة السدود ليتدفق حرا، ويلقى بنفسه على المسطح، بألوان متداخلة، وكائنات، وعلاقات متوترة، فى مغامرة منبعها اللاوعى.

يمكن لليدين أن تغدوا كائنين يساعدان الشخص أو يلتهمانه، فى لوحة وحشية، تأكل الكائنات بعضها فيها لتعيش. «لماذا التهمت الموت يا كريم؟» هذا هو العنوان الذى يحيلنا إلى شخص رحل على الأغلب، وهو يظهر متصدرا المشهد فى عالم بيني. اللوحة تنبض بالحياة على عكس اسمها. وتقدم لنا اللب المفجع للعالم ببراءة. وبطلها إنسان يبدو كساحر، يمارس لعبته فى حدود المتاح، مثلنا جميعا.

اقرأ أيضا | «حكايات» انطلاق معرض الفنان محمد عبلة بأتيليه العرب للثقافة والفنون بالزمالك

تتخذ لغة التشكيل بعدا تعبيريا واضحا فى لوحة «حينما تقابلنا أول مرة». إنه لقاء طائرين بين قمم النخيل، والشمس الساطعة الأشبه بزهرة. لكن الرسالة لن تكون بهذه البساطة فى لوحة «من فضلك عاود الاتصال» وسنكون بحاجة إلى كثير من التأمل للوجه، والأيدى المنهكة والمترددة ما بين الفعل، والاستسلام.

ويظهر الآخر بوصفه رقيب فضولي، فى لوحة «الجيران»، والذين يطلون من علبهم، على مساحاتنا الخاصة. ويعود الإنسان إلى وحدته ببساطة طفولية فى لوحة «شارد»، والتى تصور طائرا صغيرا بلا أجنحة يسير على الأرض، ومن خلفه سماء لم يختبرها بعد، وربما لن يفعل. وفى لوحة «الهروب من المنزل» تظهر البيوت بوصفها جسد ثالث، أو ملابس ثانية نتوق إلى التحرر منها، لملامسة العالم بلحمنا الحي، عبر الانطلاق للاستكشاف واللعب.

وفى لوحة «وصال» تستسلم المرأة لذلك الكائن الذى يحتل رأسها، ويتلاحم معها، وتكتفى بمراقبة ما تتيحه الحياة من خيار لكسر العزلة. لكن يعود الانعزال كقدر فى لوحة «مسافة بيننا»، حيث الكائنان فى اللوحة ليسا سوى ضحايا طبيعتهما المختلفة، وغربتهما الوجودية، دون إدانة، ولكن فقط بشيء من الدهشة، والتساؤل.

فى قلب العزلة الثرية بألوانها، يتموضع البعض داخل إطار، ليس مؤكدا إن كان هو صانعه أم فرض عليه. وحتى عندما يتواجد اثنان معا داخل إطار واحد، فإننا نلمح انفصالا نفسيا، بينما الآخر البعيد يتصل عبر نظرة عين، وإن كانت حاسدة أو متطفلة. وهكذا يظهر الآخرون فى اللوحات كأشباح، أو كائنات غريبة، أو مجرد فضوليين. والعالم يغلب عليه طابع كرنفالي، حتى ولو كانت الاحتفالية سوداوية بعض الشيء، لكنها ساخنة.

أربعة وأربعون لوحة ما بين الأكريليك على القماش، والألوان المائية، والوسائط متعددة، قدمتها الفنانة، فى تجربة جديدة، تختلف عما شاهدناه فى معرضها الثنائى السابق، ومشاركاتها المختلفة. ويبدو عالمها هنا أكثر نضجا. الألوان براقة، والتناول تغلب عليه البراءة والبساطة.

علاقة المرأة والرجل إحدى الزوايا التى يمكن النظر من خلالها إلى فكرة التواصل والانفصال. والمرأة ليست بالضرورة «أنا» الفنانة، والرجل ليس الآخر على الدوام، فقد يكون «الأنا» الإنسانية. ولكن أحيانا يتجلى الرجل فى وضع بائس، كما فى لوحة يتموضع فيها بين مذياع، وامرأة فى إطار. ويحاط آخر بزجاجات تصبه، ويصبها، ضمن عالم فوضوى.

ولا تخلو اللوحات من أشباح الطفولة الطريفة، وحروف الهجاء التى لا تكمل كلمة بعينها، فالرسائل مبعثرة، وما يصلنا هو العجز الإنساني، وعدم الاكتمال، والرضا بالمتاح، ضمن حالة البين بين فى التواصل مع العالم، والذى هو بالفعل «شبه منفصل».
رانية خلاف كاتبة، وشاعرة، ومترجمة وصحفية. وهى تؤكد مكانتها الآن كفنانة، بدأت الإمساك بخيوط عالمها، وينتظر منها الكثير.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة