المسلمون  يحتفلون بالعام الهجرى الجديد
المسلمون يحتفلون بالعام الهجرى الجديد


«الهجرة النبوية».. رحلة تاريخية وإيمانية أسست لتعايش إنساني بدستور «احترام الآخر»

زكريا عبدالجواد- محمد جمعة

الجمعة، 29 يوليه 2022 - 07:39 م

أسماء ياسر

يحتفل العالم الإسلامى غدا بالعام الهجرى الجديد الذى يؤكد أن الهجرة النبوية لم تكن مجرد المغادرة من مكان إلى آخر بل كانت رحلة تاريخية وإيمانية غيرت كثيرا من المفاهيم.

وأسست لسبل تغلب الإنسان على صعابه وانتصاره على أزماته وكيف يمكن أن يتعايش بدستور إنسانى قوامه الرقى واحترام الآخر، وعلمتنا كثيرا من الدروس والعبر الدينية والدنيوية، أوضحت تفاصيلها مزيدا من الصفات التى على المسلم أن يتحلى بها فى كل زمان ومكان.  

وتضمنت الْهِجرة النبويَّة العديد من الدُّروس والعِبَر، ومنها: التضحية التى تمثلت فى مغادرة الرسول صلى الله  فهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - لبلده، وترك أقرباءه وعشيرته.

كما علمتنا الهجرة النبوية ألا نيأس وتمثل ذلك فى مكثَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - فى مكة مدَّةً من الزَّمن، يدعو قومه إلى الهدى، فما آمن له إلاَّ قليل، بل عاش الاضطهاد والنَّكال.

كما كان من دروس الهجرة حسن الصحبة وإتقان التخطيط وحسن توظيف الطاقات، والثبات على الموقف، والبحث عن الحلِّ الشامل، وأكدت أن التوكُّل سبيل النَّصر.

كما أكدت الهجرة على معان مهمة ومنها: هجرة المعاصى وما يُعْبَد من دون الله، وهِجْر العصاة، ومُجانبة مُخالطتهم، وأعظمها هجرة القلوب إلى الله تعالى، والإخلاص فى التوجُّه إليه فى السرِّ والعلانية وغيرها مما نلقى عليه الضوء خلال هذه السطور.

وزير الأوقاف: حب الأوطان وترسيخ التعاون بين أهلها من أعظم دروس الهجرة

وأكد محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، شكلت الهجرة النبوية خطًا فاصلًا بين عهدين العهد المكى والمدني، وأحدثت تناغمًا بين الجانب الدينى والوطنى والإنسانى عبارة أكد عليها د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف.

وأوضح أن التعبير فى الآية الكريمة: «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» جاء بالفعل الماضى الذى يفيد تحقق الوقوع مقرونًا بـ(قد) التى تؤكد الوقوع أيضًا.

 يقول سبحانه: «فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ» وكأن الله سبحانه يقول إنه قد نصره نصرًا محققًا فى الماضى والحاضر والمستقبل، ثم جاء التعبير ب (إذ) وهى ظرف لما مضى من الزمان.

 وكأنه سبحانه يُذكِّرنا ويقول اذكروا إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين فنصره الله ، فأعظم أنواع النصر هو الذى ينصرك الله فيه بدفع العدو عنك دون قتال أو خسائر مادية أو بشرية. ونصر الله سبحانه يكون بأسباب عديدة كما كان فى بدر بإنزال الملائكة، فجنود الله لا يعلمها إلا هو، حيث يقول سبحانه: «وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»، ويقول سبحانه: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ».

فقد نصر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) بجنوده التى لا يعلمها إلا هو، وقد كان الكفار يريدون النيل من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجعل إرادتهم السفلى فلم يحققوا شيئًا وردهم مكسورين مخذولين، «وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى» فكانت كلمة الكفار السفلى، وقال سبحانه: «وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا» ولم يقل سبحانه وجعل كلمة الله العليا لأنها عليا دائمًا، أى وستظل كلمة الله هى العليا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 ليس هذا فحسب بل قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم): «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا» فكيف يصل إليه المشركون، وهذا لرسولنا حيًا وميتًا، حيث يقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»، ويقول سبحانه: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ».

 ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «المسلمُ من سَلِمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدهِ، والمهاجرُ من هجر ما نهى اللهُ عنه».

كما أكد الوزير أن الجانب الوطنى يظهر جليًا فى أحداث الهجرة النبوية المشرفة؛ حيث يقول سبحانه: «إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» فالرسول (صلى الله عليه وسلم) حين أخرج التفت إلى مكة وقال: «يا مكة والله انك لأحب بلاد الله إلى الله ولأحب بلاد الله الى ولولا أن أهلك اخرجونى منك ما خرجت»، فلما نزل بالمدينة واستقر بها قال: «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة».

كما أشار إلى الجانب الإنسانى فى رحلة الهجرة وذلك عندما ترك النبى (صلى الله عليه وسلم) عليًّا (رضى الله عنه) ينام مكانه ليرد الأمانات إلى أصحابها من أهل مكة من المشركين والكفار وغيرهم.

فقد كانوا مع شدة عدائهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجدون أكثر منه ثقة ليحفظوا عنده أماناتهم، ثم لما هاجر ووصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كانت وثيقة المدينة فى أعلى درجات الإنسانية عندما قال صلى الله عليه وسلم فى نص وثيقة المدينة على أن: يهود بنى عوف ويهود بنى ساعدة ويهود بنى النجار ويهود بنى ثعلبة ويهود بنى جشم ويهود بنى الأوس مع المؤمنين أمة، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ».

وهذا أعلى درجات الإنسانية، وقد تكامل الجانب الإنسانى مع الجانب الدينى عندما قال النبى (صلى الله عليه وسلم) لصاحبه أبى بكر الصديق (رضى الله عنه): لا تحزن إن الله معنا.

ولم ينس النبى (صلى الله عليه وسلم) ما قدمه أبو بكر الصديق يومًا بل كان (صلى الله عليه وسلم) فى أعلى درجات الوفاء لأصحابه ولأهله ولأمته، كان (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إنَّ أمنَّ النَّاس على فى صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا -غير ربِّي- لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودَّته.

بل أبعد من هذا حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): «ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ، ما خلَا أبا بكرٍ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ، ومَا نفَعَنِى مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِنى مالُ أبى بِكْرٍ، ولَوْ كنتُ متخِذًا خَلِيلًا، لاتخذْتُ أبا بكرٍ خلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صاحبَكُمْ خليلُ اللهِ». 

كما بيّن جانبا من عظمة أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ووفائه حين قال لحسان بن ثابت، رضى الله عنه: «أَنْشِدْنى قصيدةً من شعرِ الجاهليّةِ؛ فإِنَّ اللهَ تعالى قد وَضعَ عنَا آثَامها فى شعرِها وروايته، فأنْشدَه قصيدةً للأعشى هجا بها علقمةَ بْنَ علاثة.

فقال النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلم): «يا حَسّانُ، لا تَعُدْ تُنْشِدنى هذه القصيدةَ بعدَ مجلِسِكَ هذا». فقال: يا رسولَ الله، تَنْهانى عن رَجُلٍ مُشْركٍ مقيمٍ عندَ قيصر؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: «يا حَسّان، أَشْكَرُ الناسِ للناسِ أَشكَرُهم للهِ تعالى، وإِنَّ قيصرَ سأل أبا سفيانَ بنَ حربٍ عنّى فتناولَ منِّى وإِنّهُ سألَ هذا عنى فأَحْسَنَ القولَ». فشَكرَهُ رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلم) فقال حسانَ: يا رسولَ الله، مَنْ نالَتْكَ يَدُه وَجَبَ علينا شُكْرُه.

د. عبد الفتاح العوارى: حدث غيًر مجرى التاريخ الإنسانى
 

وأكد العواري، مليئة رحلة الهجرة بالعبر والدروس التى أسست لتعايش بين بنى الإنسان مهما كان اختلافهم ويقول الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين السابق بجامعة الأزهر، إن الهجرة النبوية الشريفة حدث غير التاريخ الإنساني.

لا العربى ولا الإسلامى فقط، إنما غير مجرى التاريخ الإنساني، حيث فرق الله تبارك وتعالى بتحقيق هجرة نبيه صلى الله عليه وسلم بين معسكر أهل الحق ومعسكر أهل الباطل.

وبعد أن أصبحت مكة بيئةً تأبى الإسلام وتضطهد أهله، وأصبحت غير صالحة لانطلاقة دعوية تعم أرجاء العالمين، شاءت إرادة الله أن تكون المدينة المنورة هى البيئة الصالحة لنشر مبادئ الحق والعدل والخير والجمال.

وأكد العوارى أن من دروس هذه الذكرى التى يجب على الأمة أن تتعلمها، أن التوكل على الله لا ينافى الأخذ بالأسباب، فصاحب الذكرى محمد صلى الله عليه وسلم كان يوقن يقيناً تاماً أن الله حافظه، وأن الله ناصره وراعيه.

 ومع هذا ما ترك سبباً من الأسباب المادية إلا وأخذه  بها فى التخطيط لهجرته.

د. نوح العيسوى: أكدت أن الإسلام دين لا يعرف التواكل

وقال د. نوح العيسوى، إن الهجرة النبوية كانا حدثا تاريخيا عظيما فرق بين الحق والباطل وغير مجرى البشرية.. بهذه الكلمات استهل د. نوح العيسوى رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب وزير الأوقاف كلامه.

وقال:  لا شك أن الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدث تاريخى عظيم غير مجرى التاريخ البشرى، فقد كانت فرقانًا بين الحق والباطل، وتحولاً إيجابيًّا نحو بناء الدولة المدنية على أسس راسخة من العدالة والمساواة، وحفظ الكرامة الإنسانية.

وترسيخا لفقه التعايش السلمى، وتأسيسا للعيش الإنسانى المشترك . والمتأمل فى هذا الحدث التاريخى العظيم يستنبط منه الكثير من الدروس والعبر التى تعد نبراسًا ينير للأمة طريقها.

فى شتى مجالات الحياة، ومن هذه الدروس: حسن التوكل على الله عزّ وجلّ مع حسن الأخذ بالأسباب إذ  إن الإسلام دين لا يعرف الكسل والخمول، ولا التواكل، بل يحارب كل ذلك وينبذه، ويدعو إلى التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب.
 

 د. أسامة الجندى :  أسست لاحترام الآخر والإقرار بالتعددية 

ويلقى د. أسامة فخرى الجندى مدير إدارة المساجد بوزارة الأوقاف الضوء على جوانب مهمة من الدروس والعبر المستفادة من الهجرة النبوية فيقول: 

إن الهجرة إلى الحبشة هى أحد النماذج الفريدة فى السيرة النبوية المشرفة، تبرز قيمة التعايش بين بنى الإنسان مع اختلاف عقائدهم ولغاتهم وطبائعهم . 

وهى إحدى النماذج الإسلامية، التى تُبّصِّر الخلق بجمال وحُسن الشريعة الإسلامية، وتؤكد على قيمة المرونة التى تُيَسّر على المسلمين العيش فى أى مكان بمنهج الله، عز وجل .

وكانت ولا تزال الهجرة نموذجا رصينا له أهمية بالغة فى الرد على أصحاب الفكر الأحادى الذين يصطدمون بالخلق، ولا يفهمون عن درايةٍ حقيقةَ تعاليم الإسلام التى تؤسس لاحترام الآخر والإقرار بالتعددية، مع الالتزام من المسلمين بالواجبات نحو وطنٍ آخر تحكمه قوانين خاصة نزلوا به .

وهى أحد النماذج التى تُمَكّن المسلم من إقامة حياة اجتماعية فاضلة، يتكيف مع الواقع المتغير والسياسات المختلفة والأنظمة المتعددة ؛ ومن ثمّ (فلا يكون المسلم نشازًا أو خارجًا أو نافرًا، بل يكون إلفًا يألف الناس ويألفونه، ويندمج مع الكون من حوله وينسجم، فيحرص على التعاون على البر والتقوى والاتحاد من أجل المصالح المشتركة.


فبعد أن اشتد الإيذاءُ والاضطهادُ والتعذيبُ للصحابة رضى الله عنهم بمكة أذن النبى صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة والخروج من مكة، ولننظر إلى هذا التصرف الدقيق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لاختيار المكان الذى يأمن فيه على أصحابه.  والذى يُخبِر هذا الموقف عن السكينة العميقة - حيث المقدمات التى يعقبها النتائجُ المُحْكَمَةُ، والحكمةِ الرصينةِ، حيث التصرفات المبنية والمُسْتَنِدة على العلم وفقه إدراك الواقع المُحيط.

مفتى الجمهورية: اجعلوا السنة الجديدة بناءً جديدًا للذات
 

شدد د. شوقى علام، مفتى الجمهورية، على ضرورة استفادة المسلمين فى جميع دول العالم من دروس الهجرة النبوية، وتطبيقها فى حياتهم ومجتمعاتهم، مؤكدا أن الهجرة النبوية الشريفة لم تكن تحرُّكًا عشوائيًّا، أو هروبًا من واقعٍ شديد القسوة أحاط بالنبى صلى الله عليه وآله وسلَّم، ولكنها جاءت عقب إعداد مسبَّق ودراسة شاملة، لتُصبح نقلة استراتيجية عظيمة انتقل المسلمون بعدها من الضعف إلى القوة، ولتكون المدينة المنورة مركزًا لنشر قيم العدل والسلام.

وقال فضيلة المفتي، إنَّ أوَّل ما بنى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فى المدينة كان المسجد الذى جمع المسلمين فى صفٍ واحد، لينبذوا أشكال الفُرقة والشِّقاق، ويوحِّدوا صفوفهم من أجل مصلحة دينهم ودولتهم التى وضعوا حجر أساس بنائها عقب الهجرة؛ لِتُصبحَ الدولةُ الإسلامية منارةً للوسطية والتسامح، وبناءً للإنسان فى أرقى صور التعامل البشري، واعترافًا بحقوق الإنسان وتفضيله على جميع المخلوقات، وإعلاءً لِقَدْرِه بالمحافظة على دَمِهِ وأمنه وسلامته.

وطالب مفتى الجمهورية المصريين جميعًا بجعل السنة الجديدة بناءً جديدًا للذات، ونشرًا لروح المحبة والعمل والبناء، ونبذًا للفُرقة والكراهية والهدم والإرهاب، حتَّى نرقى بوطننا، ودعاهم أن يبدأوا السنة الهجرية الجديدة كما بدأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى المدينة المنورة بعد الهجرة، بالبناء والوحدة بعيدًا عن النزاع والفرقة.

وتقدَّم المفتي، بخالص التهنئة للرئيس عبد الفتاح السيسى وللشعب المصرى الكريم، والأمَّة العربية وجموع المسلمين فى العالم بمناسبة العام الهجرى الجديد، داعيًا المولى عزَّ وجلَّ أن يجعلها سنة خير وبرٍّ وتقوى فى حياة الناس والمجتمع والعالم أجمع، داعيا الله أن يوفِّق المصريين إلى ما فيه خير وطنهم، متمنيًا أن تكون السنة الهجرية الجديدة سنة يعمُّها الخير والأمان والاستقرار على كافة المستويات.
 

الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: الصبر والاصرار والعزيمة اهم دروس الهجرة

الهجرة المباركة إلى المدينة المنورة كانت ضرورة ملحة فرضتها الأحداث التى أحاطت بالنبى صلى الله عليه وسلم فى مكة، وألزمته السعى إلى مكان آخر تُمارس فيه شعائر الإسلام، وتُطبّق أحكامه، وتنطلق دعوته إلى كل مكان، دون مزاحمة أو تضييق.

د. نظير عيّاد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، قال إننا فى حاجة إلى الاستفادة من دروس الهجرة المباركة فى التحلى بالإصرار والعزيمة فى مواجهة التحديات التى تحيط بنا وهجر كل سلوك منحرف، والعودة إلى القيم والأخلاق الحميدة، لافتا إلى أن الهجرة النبوية المباركة ليست بحدثٍ عابرٍ؛ وإنما هى مَعْلم من معالم الدين الإسلامى استطاع أن يغيّر من خلاله مسيرة التاريخ؛ مما يستدعى الوقوف أمام تفاصيله بدقة للاستفادة من الدروس والقيم المهمة التى نحن جميعًا بحاجة إلى تطبيقها والاستفادة منها فى واقعنا الحالى.

أضاف عيّاد أن الدروس والمواقف النبوية فى هذا الحدث العظيم؛ سارت وفق خطة محكمة ومدروسة، وتخطيط منظّم على ضوء رؤية مستنيرة تراعى الواقع، وتتجاوب مع ظروفه وأحداثه، مع قوة العزيمة، وكمال الشجاعة، وصدق الإيمان، وقوة اليقين، والإعداد الجيد للمستقبل.
 

د. إلهام شاهين تحكى قصة التاريخ الهجرى

أما عن حكاية التاريخ الهجرى فتحكى قصتها الدكتورة إلهام شاهين، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات.

وتقول: فى السنة السابعة عشرة للهجرة وقبل العمل بالتاريخ كتابة عند العرب، كتب الخليفة الثانى عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أبى موسى الأشعرى عامله على البصرة وذكر فى كتابه شهر شعبان.

فرد أبو موسى الأشعرى:  إنه يأتينا من أمير المؤمنين كُتب ليس فيها تاريخ، وقد قرأنا كتاباً محله شعبان فلا ندرى أهو شعبان الذى نحن فيه؟ أم الماضي؟

فجمع الخليفة الصحابة وأخبرهم بالأمر وأوضح لهم لزوم وضع تاريخ يؤرخ به المسلمون، وكان ذلك يوم الأربعاء 20جمادى الآخرة عام 17 هجرية الموافق 8 يوليو عام  638 ميلادية. وأوضحت د.إلهام أنهم وقتها أخذوا فى البحث عن واقعة تكون مبدأ للتاريخ المقترح ثم اختاروا وقت الهجرة، وكان من بين الفريق الذى اقترح ذلك عمر وعثمان وعلى. 

وقد قال عمر بن الخطاب: إن الهجرة فَرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، كما أن حادث الهجرة واضح وخال من أى تعقيد، ثم بحثوا موضوع الشهر الذى تبدأ به السنة، فاتخذوا شهر محرم بداية للسنة الهجرية، مع أن الهجرة النبوية الشريفة وقعت فى شهر ربيع الأول، وذلك لأن شهر محرم كان بدء السنة عند العرب قبل الإسلام.

وكيل الأزهر: الهجرة.. درس ومنهج إسلامى فى حب الأوطان

جاءت الهجرة النبوية الشريفة حدثًا فارقًا غَيَّر مجرى التاريخ الإنسانى، وقامت عليه دولة الإسلام بعد أن فرَّقت بين الحق والباطل، وأرست لمبادئ التوكل على الله مع وجوب الأخذ بالأسباب، وحسن التخطيط والحيطة وتحمل الصعاب، والصبر والإيمان بالقضاء والقدر، واستنفاذ كل الإمكانات والوسائل المادية المتاحة لتجاوز العقبات وتحقيق الأهداف.

د. محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، أكد أنَّ الهجرة النبوية تمثل درسًا ومنهجًا إسلاميًّا متكاملًا فى حب الأوطان وحب العبادة والعمل والسعى فى الأرض وعدم التكاسل أو الاستسلام أمام التحديات، فأراد الله بهذا الحدث التاريخى أن يجعل كلمته هى الكلمة العليا وأن ينتشر دينه فى ربوع الأرض وأن تتحول محنة المسلمين وما لحق بهم من أسى وبلاء إلى منحة إلهية..

وأضاف وكيل الأزهر أنَّ الهجرة النبوية كتابٌ زاخر بالدروس التى يحتاجها المسلمون والمجتمع اليوم أكثر من أى وقت مضى، من أجل إرساء التعايش والأخوة الإنسانية وخدمة المجتمع وحب الوطن وإخلاص العمل والعبادة، وأن الأمم لن تتقدم من دون الإيثار وتغليب المصلحة العامة والعمل وَفق خطط مدروسة للارتقاء بالقيم والأخلاق والمجتمع، وأن يكون الدين هو البوصلة التى ينطلق منها الإنسان فى حياته وتعاملاته حتى يسلم الجميع من شرور المادة ومغرياتها. 

 ودعا الأزهر الشريف جموع المسلمين إلى التدبر العميق فى دروس الهجرة النبوية ومراحلها الزاخرة بالأحداث والمواقف والعبر، والتأسى برسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى أقواله وأفعاله وأحواله، ونصرة هذا الدين الحنيف بالعبادة وحسن العمل والإتقان وحب الأوطان والسعى لنهضتها ورفعتها واستقرارها، وأن تكون فى أخلاق المسلمين وتعاملاتهم ترجمة صادقة وأمينة لتعاليم الإسلام وتوجيهاته فى كل ميادين الحياة.

اقرأ أيضاً| جمعة: هناك تناغما بين الجانب الديني والوطني والإنساني في الهجرة النبوية

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة