الزعيم سعد باشا زغلول أثناء فترة علاجه بالمستشفى
الزعيم سعد باشا زغلول أثناء فترة علاجه بالمستشفى


كنوز| أسرار محاولة اغتيال سعد باشا في محطة مصر

عاطف النمر

الأربعاء، 17 أغسطس 2022 - 06:10 م

98 عاما مرت على نجاة زعيم الأمة سعد باشا زغلول من محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها فى محطة سكك حديد مصر بالقاهرة عندما قرر السفر إلى الإسكندرية على رأس مجموعة من وزراء حكومته لتقديم التهنئة لجلالة الملك فؤاد ضمن التشريفات التى تقام احتفالا بعيد الأضحى المبارك، وصل سعد باشا فى السابعة وثمانى دقائق صباح السبت 12 يوليو 1924 إلى محطة مصر ليستقل القطار المتجه إلى الإسكندرية.

احتشدت الجماهير خارج المحطة تهتف بحياة زعيم الأمة، واحتشد المسافرون للهتاف بحياة سعد باشا زغلول، بينما اصطف رجال البوليس بمحاذاة الرصيف، وحدثت المفاجأة التى لم يتوقعها أحد عندما كان سعد باشا ورفقاؤه فى طريقهم لعربات الدرجة الأولى، ظهر فجأة شاب من بين الجماهير وهو يرتدى حلة زرقاء واندفع يطلق الرصاص، الرصاصة الأولى على الزعيم سعد باشا زغلول الذى ترنح، واستعد لإطلاق الرصاصة الثانية لكن من كانوا يحيطون بسعد باشا انقضوا عليه، واستخلصه رجال البوليس من بين إيديهم قبل أن يلفظ أنفاسه!

ادخل سعد باشا لحجرة الضابط القضائى بالمحطة، وجاء ممرضان بالقسم الطبى بمصلحة السكة الحديد لعمل الإسعافات الأولية له واتضح أن الرصاصة مرت بالذراع اليمنى ومست الثدى الأيمن، لكن الكاتب الكبير مصطفى أمين ذكره فى كتاب «الكتاب الممنوع - أسرار ثورة 1919» أن النشرات الطبية التى أذيعت لم تذكر شيئا عن الرصاصة التى استقرت بجوار القلب ولم يستطع الأطباء استخراجها، وبقيت فى مكانها ومات سعد بعد ثلاث سنوات وهى فى جسده.

والغريب أن النشرة الطبية التى أذيعت لطمأنة الشعب المصرى لم تشر إلى هذه الرصاصة، المهم أن سعد باشا نقل من المحطة إلى مستشفى الدكتور «بابايوانو» التى لم يرتح له واكتفى بالبقاء به لبضع دقائق حتى حضرت حرمه المصون «أم المصريين».

التى كانت ملهوفة عليه فقال لها: «لا تجزعى، الحالة بسيطة»، ونقل بعدها إلى مستشفى الدكتور على إبراهيم رامز بك بمنيل الروضة، وتمت إذاعة التقرير الطبى الخاص بحالته فى الساعة التاسعة صباحًا ليطمئن الشعب المصرى الساخط على هذا العمل الدنيء، ورغم الإصابة كان سعد باشا متماسكا وقال للمحيطين به: «نموت ويحيى الوطن، لكنى ما كنت أتوقع أن تقع هذه الجريمة علىَّ من وطنى وفى أرض الوطن».  

اتضح من التحقيقات الأولية أن الجانى الأثيم يدعى «عبد الخالق عبد اللطيف» وهو من طلبة الطب فى برلين، ويبلغ من العمر الحادية والعشرين، جاء للقاهرة من برلين يوم 2 يوليو 1924، وقال فى التحقيقات إنه سعى ثلاث مرات لمقابلة سعد باشا لكى يثنيه عن السفر للتفاوض مع الإنجليز، وقال إن مدير مكتبه لم يمكنه من المقابلة، وعندما علم بموعد سفر سعد باشا للإسكندرية ذهب لمحطة القطار لتنفيذ جريمته الشنعاء.

وقال فى اعترافاته الأولى: إنه منتمٍ لمبادئ الحزب الوطنى الذى تبنَّى فى تلك الفترة أيديولوجية تختلف تمامًا عن ميول سعد باشا، فقيادات الحزب الوطنى تدور فى الفلك التركى العثمانى بينما سعد زغلول لا يرى مصر إلا دولة مستقلة لا تتبع أحدًا يمينًا أو يسارًا حتى لو كانت دار الخلافة، وقيادات الحزب الوطنى اعتنقت فى تلك الفترة مذهبًا يمينيًّا متطرفًا فى حلولهم المقترحة لإجلاء الإنجليز عن مصر.

ولهذا رفض أتباع الزعيم مصطفى كامل مبدأ المفاوضات بشكلٍ تام، وخوَّنوا كل من سار على خطاه حتى لو كان زعيم الأمة نفسه، وبدلًا من ذلك اعتنوا بتدشين تنظيمات سرية مُسلحة تنفِّذ عمليات اغتيال بحقِّ الإنجليز والمتعاونين معهم، ولهذا حدث الربط بين الجانى الأثيم وأفكار الحزب الوطنى عندما قال إنه أصبح معاديا لسعد باشا عندما أعلن استعداده للتفاوض مع الإنجليز لأنهم خصوم شرفاء معقولون.

ولهذا اتجه التحقيق للبحث عن محرضين من الحزب الوطنى لهذا المجرم الآثم، وألقى القبض على الشيخ عبد العزيز جاويش، ورئيس تحرير جريدة «اللواء» لسان حال الحزب الوطنى، وتم تفتيش منازل قيادات الحزب، وقيل ضمن ما قيل إن للخديوى السابق عباس حلمى الثانى يدًا فى محاولة الاغتيال الفاشلة لميوله المؤيدة للأتراك والرافضة لأى اتفاق أو تفاوض مع الإنجليز بشأن الجلاء.

لكن التحقيقات لم تسفر حسبما يقول زكى فهمى فى كتاب «صفوة العصر فى تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر» عن وجود أى صلة للجانى مع الحزب الوطنى، وتأكدت النيابة أن الجانى أقدم على جريمته بدوافع سياسية خاصة، وعندما تم توقيع الكشف الطبى عليه للتأكد من سلامة قواه العقلية اتضح أنه مريض بمس من الجنون، وبالتالى أصبحت محاكمته غير مجدية، ولهذا تم إيداعه بمستشفى الأمراض العقلية!

المهم أن الملك فؤاد انزعج انزعاجا شديدا فور علمه بما تعرض له سعد باشا وأمر بإلغاء تشريفات عيد الأضحى وأوفد سعيد باشا ذو الفقار وطبيبه الخاص محمد شاهين باشا للاستفسارعن صحة سعد باشا، وقد انهالت البرقيات من عموم رؤساء الوزارات الأوروبية على القطر المصرى، للإعراب عن شديد استيائها من هذا الحادث السيئ، واهتمت الصحف المحلية ووكالات الأنباء الأجنبية بتقديم تغطيات صحفية موسعة حول الحادث، ونشرت  الصحف القصيدة التى كتبها أمير الشعراء أحمد شوقى ابتهاجا بنجاة زعيم الأمة، والقصيدة التى كتبها أيضا شاعر النيل حافظ إبراهيم.

وقد مكث الزعيم سعد باشا زغلول ستة أيام بالمستشفى خرج بعدها إلى بيت الأمة، وأتت وفود من النواب والشيوخ ورجال القضاء والنيابة لتهنئة الزعيم بالنجاة، وفى صبيحة 21 يوليو 1924 قرر سعد باشا السفر إلى الإسكندرية لتقديم واجب الشكر للملك أحمد فؤاد، خرج من بيت الأمة فى سيارته الخاصة التى أحاطت بها الجماهير على الصفين وتبعتها تشريفة من دراجات البوليس.

وقد احتشد سكان الإسكندرية انتظارا لوصول القطار إلى محطة سيدى جابر، وفور ظهور سعد باشا ومرافقيه أخذت الجماهير تهتف باسمه ويصيحون بالتهنئة لنجاته شاكرين العناية الإلهية، وتوجه سعد باشا يرافقه الوزراء وكبار رجال الدولة إلى قصر المنتزة، لتقديم واجب الشكر للملك فؤاد على ما لاقاه من عطف من جلالته، وعندما تقرر سفر سعد باشا على الباخرة «لوتوس» كان فى انتظاره جمهور عظيم، وكانت تحف به كوكبة من جنود البوليس الراكبة، وقد أعدت لجنة الوفد سرادقًا كبيرًا لاستقبال المدعوين، ومكانًا لسعد باشا وصحبه وزملائه.

وأخذ الخطباء يلقون خطبهم والشعراء يلقون قصائدهم، وقد أوفد الملك كبير أمنائه إلى الباخرة «لوتوس»، لتوديع سعد باشا وزملائه بالنيابة عن جلالته، وقد أبحرت «أم المصريين» مع سعد باشا على نفس الباخرة لمرافقته طوال إقامته فى أوربا، سافر سعد باشا ورفاقه وتفاوض مع رئيس الوزراء «رامزى ماكدونالد»، وفشل التفاوض فى التوصل لاتفاقٍ مُرضٍ.

واشتعلت الخلافات بين الطرفين حتى أتت حادثة مقتل «لى ستاك» سردار الجيش المصرى فى السودان التى دبَّرها أعضاء الحزب الوطنى، واضطر سعد باشا إلى تقديم استقالته بسببها، لينجح خصومه فى إزاحته من الملعب السياسى بالاغتيالات بعد أن عجزوا عن تحقيق ذلك بالانتخابات!

من «عدة مصادر»

إقرأ أيضاً|كنوز | «الأخبار» تحتفى بذكرى «سعد زغلول» زعيم الأمة.. وخليفته في النضال الوطني

 

 

 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة