عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر


عسل في الكوز

عبد الصبور بدر يكتب دكانة الشيخ سعدي

عبد الصبور بدر

الجمعة، 26 أغسطس 2022 - 06:42 م


أشطر التجار الذين عرفتهم في حياتي هو الشيخ سعدي أحمد عبدالكريم، كان يمتلك دكانة يبيع فيها كل ما يحتاجه أهالي النجع: بقالة، وملابس، ولوازم مدرسة، وحتى أثاث المنازل، وكان يصطاد زبائنه –من الفقراء – ويرغمهم على الشراء منه، وحتى يغريهم يقول لهم "شكك.. على النوتة"، والحقيقة أن الشيخ سعدي لم يكن معه نوتة أبدًا، يدون الحساب في ورقة يقطعها من أي كرتونة أمامه، وبمجرد أن ينصرف الرجل الفقير من أمامه، يرمي الورقة، ويجلس من جديد يرمق المارة، ويستكمل رحلة الصيد!

أما إذا جاء الزبون بعد زمن لتسديد ديونه، يدخله "المندرة" التي يحتفظ فيها بأوراق لا حصر لها، ويقول له "فتش معي عن ورقة حسابك"، ويظل الزبون ساعات يفتش ويقلب دون أن يعثر عليها؛ فيقول للشيخ سعدي" أنا عارف حسابي" ويمد يده بالجنيهات، والشيخ سعدي يماطل ويقول له "وأنا أعرف منين إن ده حسابك.. مش لما ألاقي الورقة؟" حتى ييأس الرجل ويعود إلى أولاده بالنقود!

والشيخ سعدي من حفظة كتاب الله، يدرس القرآن للصغار، وصاحب صوت جميل يجذب إليه الرايح واللي جاي وهو يتلو الآيات، ولا يمكن أن تجده جالسا أمام الدكانة دون أن تشاهد معه مصحفًا، وجريدة يومية؛ فالشيخ ليس فقط أقدم قارئ للصحف في النجع - وربما في مصر- ولكنه أول من عرّفنا على الجرائد؛ بعد أن ينتهي من قراءتها، يوزع أوراقها على الجالسين ليفهموا ما يدور حولهم، ويدركوا أن العالم أوسع كثيرًا من النجع الذي يعيشون فيه.

ورغم انتشار السوشيال ميديا، ظل الشيخ سعدي على حاله، يحصل على الأخبار من الصحف، ويحرص على اقتنائها يوميًا، ولكنه أصبح أحد نجوم الفيسبوك في النجع، يتسابق الشباب على التقاط الصور له ومعه؛ باعتباره بركة البلد، وينشرونها على صفحاتهم الشخصية ويحصدون علامات الإعجاب.

مات الشيخ سعدي منذ يومين، شيعه الآلاف من نجعنا والنجوع المجاورة. الرجل الذي كان يحمل الجميع في قلبه وعلى رأسه، تسابق الجميع على حمل نعشه فوق أكتافهم، بينما كان النعش يطير بخفة، والناس تهرول خلفه، حتى دخل إلى مثواه الأخير راضيًا مرضيًا عنه؛ لينعم بجوار الحبيب.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة