محمود الوردانى يكتب : عبده جُبير
محمود الوردانى يكتب : عبده جُبير


محمود الورداني يكتب: عبده جُبير

أخبار الأدب

السبت، 27 أغسطس 2022 - 02:00 م

[email protected]

فى مقاله الأسبوعى الأخير فى جريدة الشروق، نبّهنا جميعاً الصديق سيد محمود إلى تقصيرنا المخجل والمزرى تجاه الكاتب الكبير عبده جبير، الذى نسيناه أو تناسيناه بغُشم شديد ودون أى إحساس بالمسئولية.


 الحكاية باختصار شديد أن عبده جبير تعرّض لآزمة صحية منذ حوالى أربع سنوات، وأدّت هذه الأزمة إلى إعاقة، واضطر للانعزال والتوارى، ثم جاءت كورونا لتعزل الجميع عن الجميع، على الأقل فى سنواتها الأولى.


 وكنتُ أنا قد بادرت بالكتابة هنا، فى هذا المكان، عدة مرات، عن عبده صديق عمرى ورفيق السنوات الباكرة. كتبتُ عنه مرة عندما نشرتْ السلسلة الطويلة التى استضافتنى فيها «أخبار الأدب» عن زمن القليوبى، ثم جمعتها وأعدت تحريرها لتُنشر فى كتاب «الإمساك بالقمر» الذى نشرته أخيراً دار الشروق.


 كتبت، عن عبده باستفاضة، فقد التقينا عام 1969 أو 1970 على الأكثر. بدأنا الكتابة معاً ونشرنا قصصنا الأولى معاً، بل وفى المكان نفسه عند خالد الذكر عبد الفتاح الجمل. قرأنا الأعمال التى أحببناها وشاهدنا الأفلام الأولى معا وتعرّفنا على الشيخ إمام معاً، وتلمّسنا خطواتنا الأولى تجاه السياسة معاً.


 كان عبده ابن إسنا أيامها طالباً بكلية اللغات والترجمة التابعة للأزهر، ويسكن فى حجرة داخل شقة أم محمد فى مصر الجديدة خلف حديقة المريلاند فى الطابق الأرضى، وكان يستقبل يومياً الكثير من أصدقائه ويضطر لتهريبهم من الشرفة بسبب رذالة أم محمد وتحكماتها، غير أن الكثير من أصدقائه كانوا ينامون عنده، وعندما نستيقظ نجده قد استعد بـ«الحلبة باللبن» وأحلى فايش صنعته أمه فى إسنا.


 ظل عبده يستضيف أصدقاءه فى بيوت كثيرة تنقّل بينها، فى الهرم مثلاً حيث سكنّا متجاورين، واعتاد كل من يبحث عن مكان أن يستضيفه عبده، ولم أر فى حياتى أكثر كرماً منه، وهو كرم طبيعى وجزء من شخصيته ولا يبذل أى مجهود فيه. رحل بعدها إلى بيروت وتتلمذ على يد بلال الحسن.

وعمل فى عدة صحف. عبده ديسكمان لا يشق له غبار وعمل فى عدد كبير من الصحف فى لبنان، وهنا فى دار الهلال وكان مديراً لتحرير مجلة القاهرة فى ازدهارها أيام غالى شكرى، ثم مديراً لتحرير القبس لعشر سنوات متواصلة. ظل بيته مفتوحاً للجميع، وكان هو يهوى الطبخ ويعشق صُنع الولائم لأصدقائه، مثلما يعشق وجودهم فى حياته.


 كتبتُ عدة مرات عن صديق عمرى، وأعيد الكتابة هنا.
 ربما لا يعرف كثيرون أن عبده واحد من أهم روائيى السبعينيات، وأستطيع أن أعدد له عناوين مثل «تحريك القلب» و«سبيل الشخص» و«عطلة رضوان»، ومن المجموعات القصصية «فارس على حصان من الخشب» وغيرها من الكتب المتنوعة التى نشرتها دار آفاق. ربما كان ما نُشر له بالفعل يقترب من عشرين كتاباً، وكلها كتب مهمة لكاتب كبير.


 أما نحن، أصدقاؤه فقد نسيناه أو تناسيناه على نحو مخز. صحيح أن «الدنيا تلاهى»، وكل واحد وواحدة فينا يعانى ويعيش على الحافة، لكن من غير المعقول أن يسقط واحد فينا، فنستدير ونفرّ من أمامه ونتركه وحيداً. لم يتذكره أحد، ولم تبادر إحدى دور النشر بإعادة طبع بعض أعماله، وتناسته كل الجهات فى تكريماتها.


 كل هذا مخز جداً. أليس كذلك؟ وهل نستطيع أن نتدارك الأمر؟ نعم. يمكن لأخبار الأدب أو جريدة القاهرة أن تتذكره بملف مثلاً، أو تبادر دار نشر بإصدار طبعة جديدة لبعض أعماله، أو يتذكره أصدقاؤه ومحبوه بالاتصالات الهاتفية.


 أظن أن هذا أقل ما يمكن عمله لكاتب طالما أضاف إلينا وأبهجنا بأعمال رفيعة المستوى.

اقرأ ايضا | محمود الورداني يكتب: بحثاً عن الشمس المشرقة «2 - 2»

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة