علاء عابد
علاء عابد


علاء عابد يكتب: الاختلاف والخلاف.. الخيط الرفيع بين الداء والدواء!

أخبار اليوم

الجمعة، 02 سبتمبر 2022 - 06:31 م

بقلم: علاء عابد

«رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب».
هذه العبارة للإمام الشافعي، هى خلاصة الحكمة التى يمكن استخلاصها من تجارب الحياة فى كل العصور، حتى نتجنب ما قد يُسفر عنه الخلاف فى الرأى من اختلافات، ربما تتحول إلى ضغائن لا تُحمد عقباها فى نهاية المطاف.

ورغم أننا جميعًا نردد مقولة الدكتور أحمد لطفى السيد الشهيرة «إن الاختلاف فى الرأى لا يُفسد للود قضية»، فإن الغالبية العظمى منا تردد هذه المقولة نظريًا فقط، دون إعمال لها. وبمجرد حدوث الاختلاف فى الرأى، نجد كل شخص يسارع بإشهار الأسلحة التى يملكها ضد الآخر، وبذلك يتحول الاختلاف الحميد، إلى خلاف مذموم.

والاختلاف سُنة كونية فى القضايا الإنسانية، اقتضتها المغايرة والتفاضل بين الناس، وضرورة انتظام صيرورة الحياة، وفرضتها طبيعة المجتمع الإنسانى القائم على دافع الاجتماع مع الآخرين. لذلك، كان القبول بالاختلاف والإقرار به، أمراً لا غنى عنه للأسرة الإنسانية بكافة مستويات وجودها، أفرادًا وأممًا وحضارات.

وهنا، يجدر بنا أن نميّز بين الاختلاف والخلاف لغةً واصطلاحًا، حيث يقول الفقهاء إن «الاختلاف والخلاف» جاءا من مادة لغوية واحدة، ولكن جرت العادة على استخدام مصطلح «الاختلاف» بمعنى التنوع والتعدد وتلاحق  الأفكار، والتدافع بين الآراء، واختلاف الحجج والبراهين. أما «الخلاف»، فيكون بمعنى التنازع على الحقوق وتعارض المصالح.

إن الاختلاف هو سُنة الله فى خلقه، لأنه بهذا الاختلاف يُعرف التضاد وتُدرك التناقضات. يقول الله تعالى فى كتابه الكريم «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين»، فالاختلاف -إذن- هو تلك التعددية التى تمثلت فى فلسفة الثنائية التى تحتوى الكون وتُسيّر أمور الحياة.

وهذا الاختلاف، يسيطر على حياة الإنسان طوال الوقت، فهناك اختلاف بين الرجل والمرأة. ومع ذلك بدون أى منهما لا تستمر الحياة. والاختلاف بين الإنسان وغيره من المخلوقات حتى تتكامل الحياة، والاختلاف ليس نوعيًا فقط بين الرجل والمرأة، بل كل رجل وكل امرأة، لها سمات وشخصية مختلفة، فلكل شخصيته وفكره ومبادئه ودينه وبصمته وجيناته، إذن فالاختلاف سُنة كونية وإرادة إلهية لا فكاك منها.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الخلاف هو التضاد وعدم التوافق، الذى قد يؤدى إلى الاحتكاك أو التصادم بين طرفين أو أكثر، وهذه الأطراف يمكن أن تكون عبارة عن أفراد أو مجموعات أو دول، وينشأ الخلاف حينما يكون لكل فرد استقلالية ذاتية وله قيم واحتياجات ورغبات تختلف عن قيم واحتياجات ورغبات الآخرين، فينشأ خلاف بين طرفين يعتقد كل طرف منهما أنه هو الأصح والأكثر موضوعية، بل إنه يحتكر الحقيقة!

ومن هنا، تأتى أهمية دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى إجراء حوار وطنى بين كافة القوى السياسية والاجتماعية فى البلاد، وذلك بهدف إعلاء المصلحة العامة للدولة والمواطن باعتبارها الأرضية التى تنطلق منها جلسات الحوار الوطنى، مع التأكيد على أن رحابة الصـدر وقبول الاختلاف هو الإطار العام الذى يحكمه، ليكون المبدأ العام الذى يلتزم به الجميع، وهو أن «الاختلاف فى الرأى لا يُفسد للوطن قضية».

غير أن «ثقافة احترام الاختلاف»، سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى أو الفردى، لن تولد فى يوم وليلة، ولكنها تنمو مع الفرد. ولكى تنمو هذه الثقافة الحضارية، فإنها تحتاج إلى من يرويها داخل الأسرة والمدرسة والجامع والكنيسة.

وتبعًا لذلك، يجب أن نزرع فى أبنائنا أن الاختلاف يصل بنا إلى التكامل، وأنه ليس مجالًا للصراع، بل هو مجال لاكتساب الخبرات وتفتح العقل وازدهار الشخصية يجب أن نربيهم على التمسك بأخلاق النبلاء فى حالة الاختلاف.

ومن المؤسف أن «ثقافة الاختلاف» بدأت تتراجع بشكل واضح على مستوى العالم الآن، ويحل محلها شعورٌ بالبغضاء يغذيه خطاب الكراهية الشائع فى عالمنا المعاصر وحياتنا الحالية، فقد تراجع حجم السماحة، واختفى إلى حدٍ كبير مفهوم «قبول الآخر»، وتاهت تقاليد الحوار البناء، وضاعت فى الزحام قيم كثيرة نقلتنا من مرحلة الاختلاف إلى مرحلة الخلاف.

لذلك، لا بد من ترسيخ ثقافة تقبُّل الآخر المختلف أو المغاير عنا فى كلّ مجال، وعلى كلّ مستوى، بصفته الوضع الطبيعى للحياة فى هذه الدنيا، والشرط الضرورى للثراء الناتج من التنوع، وتحرير العقل من كلّ قيوده، ليمضى فى أفقه الواعد، متحررًا إلا من التزامه مبدأ المُساءلة الذى يُخضِع له كل شيء، بما فى ذلك العقل الذى لا يكفُّ عن مُساءلة نفسه قبل مُساءلة غيره.
ولا يمكن بأى حالٍ من الأحوال أن نفصل بين الاختلاف وطرق التواصل بين الناس، وهو ما يعبر عنه الكاتب ستيفان كوفى بقوله «إن أعظم مشكل نواجهه ونحن نتواصل هو اننا لا ننصت لكى نفهم، بل ننصت لكى نجيب».

وحينما يندفع المرء إلى الكلام دون أى محاولة لفهم آراء من حوله، فإن ذلك لا يمكن إلا أن يقوده إلى رفض الآخر، فهو يرفض حتى أن تتلقف أذناه خطاب الآخر، فكيف أن يمحصه ويرد عليه، لذلك فإن ثقافتى الاختلاف والحوار لا تنفصلان، كما ان احياء لغة الحوار هى أول خطوة نحو بناء مجتمع يؤمن حقا بـ «ثقافة الاختلاف».

ولا جدال، بناء على ما تقدم، ان الخلاف هو الداء، والاختلاف هو الدواء، وبذلك، يكون الفرق بين الخلاف والاختلاف، هو بمثابة الخيط الرفيع بين الداء والدواء!
وقديما، قال أجدادنا الحكماء القول الفصل، فى هذه القضية بالغة الأهمية: «إن اختلافى عنك، لا يعنى أبدا خلافى معك».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة