جبران خليل جبران
جبران خليل جبران


كنوز | الحياة بغير حب

الأخبار

الأربعاء، 07 سبتمبر 2022 - 05:32 م

جبران خليل جبران

عندما جنَّ الليل وألقى الكرى رداءه على وجه الأرض، تركتُ مضجعى وسرت نحو البحر قائلًا فى نفسى: «البحر لا ينام، وفى يقظة البحر تعزية لروحٍ لا تنام».

بلغتُ الشاطئ وكان الضباب قد انحدر من أعالى الجبال وغمر تلك النواحي، مثلما يوشِّى النقاب الرمادى وجه الصبية الحسناء . 

وقفتُ مُحدِّقًا بجيوش الأمواج، مُصغيًا إلى تهاليلها مُفكرًا بالقوى السرمدية الكامنة وراءها، تلك القوى التى تركض مع العواصف، وتثور مع البراكين، وتبتسم بثغور الورود، وتترنَّم مع الجداول.

وبعد هُنيهة التفتُّ فإذا بثلاثة أشباح جالسين على صخرٍ قريب وأغشية الضباب تسترهم ولا تسترهم!

مشيتُ نحوهم ببطءٍ .. كأن فى كيانهم جاذبًا يستميلنى قسر إرادتى .

ولمَّا سرتُ على بُعد خطواتٍ منهم.. وقفتُ شاخصًا بهم كأن فى المكان سحرًا أجمدَ ما بى من العزم وأيقظ ما فى روحى من الخيال.

فى تلك الدقيقة وقفَ أحد الأشباح الثلاثة .. وبصوتٍ خِلتُهُ آتيًا من أعماق البحر قال: 

« الحياةُ بغير حب كشجرةٍ بغير أزهار ولا أثمار» .

ثم اضاف: «والحب بغير الجمال كأزهار بغير عطر.. وأثمار بغير بذور» 

ثم قال: «والحياة والحب والجمال.. ثلاثة أقانيم فى ذاتٍ واحدة مستقلة مُطلَقة.. لا تقبل التغيير ولا الانفصال». 

قال هذا وجلس فى مكانه .

ثم انتصب الشبح الثانى .. وبصوتٍ يُماثل هدير مياه غزيرة قال: 

«الحياة بغير تمرُّد كالفصول بغير ربيع.. والتمرُّد بغير حق كالربيع فى الصحراء القاحلة الجرداء». 

ثم اضاف: «الحياة والتمرد والحق.. ثلاثة أقانيم فى ذاتٍ واحدة لا تقبل الانفصال ولا التغيير». 

ثم انتصب الشبح الثالث .. وبصوتٍ كقصف الرعد قال :

«الحياة بغير الحرية كجسمٍ بغير روح.. والحرية بغير الفكر كالروح المشوشة.. والحياة والحرية والفكر .. ثلاثة أقانيم فى ذات واحدة أزلية لا تزول ولا تضمحل ».

ثم وقف الأشباح الثلاثة .. وبأصواتٍ هائلة قالوا معًا: 

«الحب وما يولده.. والتمرُّد وما يوجده.. والحرية وما تُنمِّيه.. ثلاثة مظاهر من الله.. والله ضمير العالم العاقل».

وحدث إذ ذاك سكوت مُفعم بحفيف أجنحة غير منظورة .. وارتعاش أجسام أثيرية.. فأغمضتُ عينىَّ مُصغيًا إلى صدى الأقوال التى سمعتها.

ولمَّا فتحتهما ونظرتُ ثانيةً لم أرَ غير البحر مُتَّشحًا بدثار الضباب.

فاقتربتُ من الصخرة حيث كان الأشباح الثلاثة جالسين .. فلم أرَ إلا عمودًا من البخور متصاعدًا نحو السماء.

من كتاب «فى عالم الرؤيا»

اقرأ أيضاً|هيئة الرقابة الإدارية: 11 يوليو يوم إفريقيا لمكافحة الفساد

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة