علاء عابد
علاء عابد


علاء عابد يكتب: الكلمة نور.. وبعض الكلمات فيها «سم قاتل»!

أخبار اليوم

الجمعة، 16 سبتمبر 2022 - 07:58 م

 

فى أبيات شهيرة، ضمن إحدى مسرحياته الشعرية، يقول الكاتب الكبير الراحل عبد الرحمن الشرقاوي: «الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. الكلمة فرقان بين نَبىٍّ وبَغىٍّ.. بالكلمة تنكشف الغمَّة.. الكلمة نورٌ ودليلٌ تَتْبَعُهُ الأمّة».

والسؤال الذى يطرح نفسه، هو: ما سر قوة الكلمة؟
إن «السر» ليس فى بريق الكلمات وموسيقى العبارات، إنما هو كامن فى قوة الإيمان بمدلول الكلمات، وما وراء المدلولات. إنه يكمن فى تلك المقدرة التى يتمتع بها كبار الكُتاب على تحويل الكلمة المكتوبة، إلى حركة حية، والمعنى المجرد إلى واقع ملموس.

وفى زمنٍ ما، كان أرباب القلم أمثال طه حسين وعباس العقاد وأحمد شوقي، وغيرهم، هم «نجوم» المجتمع المصرى الذين يُشار لهم بالبنان، ويعرفهم القاصى والدانى فى ربوع مصر والعالم العربى حق المعرفة، فقد كانوا بمثابة «القاطرة الفكرية» لهذه الأمة، الذين صنعوا وعى الناس وشغلوا الرأى العام بكتاباتهم وإبداعاتهم الخالدة، فأصبحوا «القوة الناعمة» الحقيقية لمصر، عن جدارة واستحقاق.

فى تلك الأيام الجميلة، كان عامة الناس يترقبون صدور الصحف والمجلات فور وصولها إلى منافذ البيع، لكى يطالعوا المقالات النارية، ويتابعوا المعارك الثقافية والفكرية الدائرة بين كبار الشعراء والأدباء، وكأنها خبزهم اليومي!

وخلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حين كان التليفزيون المصرى يذيع برنامج «العلم والإيمان» للراحل د. مصطفى محمود، فى موعد أسبوعى محدد، كانت الشوارع تكاد تخلو من المارة، ويتحلق معظم الناس حول جهاز التليفزيون لمشاهدة الحلقة، ومتابعة كل كلمة فيها بشغف واهتمام، كأنها مباراة مهمة فى كرة القدم! 

أما فى زماننا هذا، فما أكثر من يكتبون على المواقع، جاعلين من أنفسهم أوصياء على المجتمع وقضاياه، ولكنهم يهدمون المجتمع من حيث لا يشعرون، ويزرعون الفتن والانقسامات والكراهية بين الأفراد والجماعات، من حيث لا يعلمون. والبعض منهم يفعل ذلك ليس لمصلحة الناس، كما هو مفترض، بل لغرض فى نفس يعقوب!

وليس الأمر مجرد «أغراض» فى نفوس بعض المثقفين من ذوى الأهواء السقيمة فحسب، بل إن ثمة دولًا كبرى وضعت استراتيجيات من شأنها استخدام الكلمة المكتوبة فى التأثير على الشعوب، ففى كتابها «من يدفع للزمار: الحرب الباردة الثقافية»، تكشف الكاتبة البريطانية فرانسيس سوندرز، عن حجم الأموال الضخمة التى أنفقت من أجل السيطرة على الفكر العالمي، عن طريق إنتاج وعى مزيف فى جميع أنحاء العالم، تدعمه بقوة كتابات المثقفين مدفوعى الأجر، ومن بينهم مثقفون عرب مشاهير، باعوا أنفسهم للشيطان، وأسهموا عمدًا فى تزييف وعى الناس عن طريق كتاباتهم المغرضة.

وكان «تزييف الوعي» فى الماضي، يتم وفق أجندات معدة ومدروسة سلفًا، ترعاها قوى كبرى، بقصد حماية مصالحها الداخلية والخارجية، أو فى إطار الصراع والتنافس مع باقى القوى الكبرى فى العالم، للسيطرة على مقدرات الدول.

والآن، نحن نرى بأعيننا كيف يقود بعض مشاهير الكُتّاب حملات لإفساد العلاقة بين الدول ومواطنيها، عبر مقالات فيها «سُمٌّ قاتل»، الهدف منها هو أن يفقد الناس كل أمل فى المستقبل، وأن يدّب اليأس فى نفوسهم. وهو أمر خطير، لأن فقدان الأمل، معناه - ببساطة- نهاية الحياة.

ومن الغريب أن بعض الأقلام تريد فرض وصايتها على صانع القرار بطريقة «افعل ولا تفعل». فإذا هو فعل رضوا عنه، وإن لم يفعل استشاطوا غضبًا وأعلنوها خصومة، وتحولت المسألة إلى صيد فى الماء العكر، وتشويه لكل القرارات التى تتخذ وهؤلاء، الذى يعرفهم الجميع، لا يفعلون هذا من منطلق الحرص على «المصلحة إلعامه» كما يزعمون، بل إن «مثقفون مدفوعو الأجر»، لا يتورع أحدهم عن فعل أى شئ مقابل أجر او هدية او عطية

لتكثيف الحملات المكشوفة لنشر اليأس والإحباط بين الشباب والمرأة والمثقفين واستهداف العمال بمختلف مهنهم ولابد ان ننتبه الى انه هناك أسلحة خبيثة تؤدى ذات الغرض عن طريق الترويج لخيارات ورؤى تدفع الشباب إلى أن يحلم بعيدًا عن قدراته وإمكانياته ومن ثم يجئ الفشل الذى يمثل بداية فقدان الثقة بالنفس وسيطرة أحاسيس اليأس والإحباط وتراجع مقومات الأمل والتفاؤل.

وثمة أسباب لا حصر لها لذلك، حيث يقف الكاتب فى مربع الجهل بأشكال مختلفة، فهو إما أن يكون متخصصًا فى مجال معين ولكنه يفتى فى مجالات أخرى بغير علم، فيسيء لنفسه ويسيء لعلمه، وبالتالى فهو يسيء لمجتمعه، أو أن يكون مثقفًا سوقيًا أو مثقفًا بالوراثة، أى أنه بالفعل لا يملك حدًا أدنى من العلم حتى فى المجال الذى يدعى التخصص فيه، ولكن يتم تسويقه بواسطة طريقه او اخرى فيقف على قمة جبل الجهل والسذاجة والسطحية، بفعل أدوات التسويق والتلميع!

يقول الله تعالى: (أَلَم تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاء تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَالَهَا مِنْ قَرَارٍ).

وبهذا المعنى، فإن الكلمة الطيبة، كالشجرة الطيبة، تورق وتثمر وتظلل الحياة بالسكن والطمأنينة، وهى تصعد بقدرة قادر إلى الخالق العظيم فيجزى صاحبها عليها خير جزاء (إليه يصعد الكلم الطيب). أمّا الكلمة الخبيثة، فهى - بلا شك - شجرة خبيثة، لو وجدت أرضًا خصبة لنمت وترعرعت، وأحالت حياة الأفراد والمجتمعات إلى جحيم.
وأخيرًا يجب ان ننتبه لانه بالفعل الكلمه نور وبعض الكلمات قبور

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة