محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل


كنوز| مصر التى صنعته

عاطف النمر

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022 - 06:19 م

بقلم: محمد حسنين هيكل

الآن.. قد أستطيع أن أمسك مشاعرى لأكتب عنه، فلقد قضيت أياماً بعد الرحيل، لا أستطيع أن أصدق، وأياماً أخرى تلتها، لا أستطيع أن أتصور، حتى استرجعت نفسى من أثر الصدمة. 

أتذكر ما كنت أقول دائماً، عندما كان بيننا: «إنه بكل عظمته لم يصنع مصر، ولكن مصر بكل عظمتها هى التى صنعته، ولو ولد فى غير مصر لما ظهر، ولو ظهر فى غير مصر لما استطاع». 

دوره البطولى كله جزء من قدرها التاريخى. 

إن البطل ظاهرة مؤقتة فى التاريخ، ويجب أن يكون كذلك، لأن الأصل والأساس الباقى والخالد، هو الشعب. 

وأن يكون دور البطل ظاهرة مؤقتة فى التاريخ، فذلك لا يعنى أنه فلتة أو صدفة، وإنما البطل فى الأمة الحية ظاهرة طبيعية، وإن لم تكن كظواهر الشروق والغروب، تتكرر كل يوم. 

إن البطل إنسان تتسع همته لآمال أمته وهى فى فترة خطر تستودعه كل سرها، وتعطيه كل طاقتها، لكى يتقدم باسمها، ويواجه ويزيح ويقتحم، وهى بعد

الخطر تسترد سرها، وتأخذ طاقتها؛ لأن مسيرتها أصبحت بالضرورة أعرض من دور البطل. 

كان البطل فى التاريخ جسر عبور لأمته. 

من القلق إلى الشجاعة.. من الحيرة إلى التقدم.. مما كان إلى ما يجب أن يكون أو فى اتجاهه على الأقل. 

ولقد يقال إنه كانت فى دور جمال عبد الناصر بقية. 

كنا نتمنى على الله أن يتركه بيننا، حتى يقود زحف التحرير، ويشهد يومه. 

كنا نتمنى ذلك لنا وله، على الأقل ليرى النتيجة التى عمل من أجلها، حتى آخر خفقة فى القلب، ويعيش الفرحة التى قاسى من أجلها، وعانى، وتعذب.

لكن مشيئة الله فوق كل الأمنيات.

ثم نتذكر أن جمال عبد الناصر أدى، فى الحقيقة، كل دوره أو معظمه.

وعندما نسأل أنفسنا: ما هو الدور الذى حققه عبد الناصر؟

فإننا يجب أن نستشرف أفقاً واسعاً، ذلك أن المعركة التى نخوضها الآن، أزمة سوف تمر، وحدتها فى وجداننا تجىء من أننا مازلنا فيها، لكنها سوف تمضى،

كما مضت قبلها الأزمات فى تاريخ الأمم الحية، ودور جمال عبد الناصر- عندما نستشرف الأفق الأوسع - بتجاوزها فى الحقيقة.

إن هناك إنجازين بارزين فى دورعبد الناصر، من وجهة نظر الحركة العامة للتاريخ: 

أولهما: أنه وصل مصر بأمتها العربية.

وثانيهما: أنه وصل أمته العربية بالعالم وبالعصر.

هذا.. بكل بساطة هو دوره، وتحته تندرج كل التفاصيل، وتتعدد معارك حربه التى لم تتوقف يوماً قبل رحيله، ولا أظنها سوف تتوقف بعد الرحيل.

إن التاريخ فوق مشاعر الأفراد. 

وعجزى - بعد الرحيل - عن التصديق، وعن التصور، لم يكن إلا شعور فرد عرفه عن قرب.

ومن هنا أحبه فى عمق.

ولقد كان شعورى غريباً خلال ساعات الرحيل الحزينة. 

مـن مقال «ملحمة الصراع مع الألم» 

إقرأ أيضاً|فى ذكرى ميلاده..محطات بارزة في حياة محمد حسنين هيكل

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة