خالد محمود
خالد محمود يكتب ..مهرجاناتنا السينمائية و العالم ..نحن و هم
الخميس، 29 سبتمبر 2022 - 11:27 ص
دون شك، تبقى المهرجانات السينمائية وطن كبير للإبداع، ونافذة لصورة بلدانها المنظمة ثقافيا وفنيا واجتماعيا، وتعكس فعالياتها مدى إيمان مسئوليها برسالة تلك المهرجانات.
دائما ما اسأل نفسي: “هل مهرجانات السينما بمصر لها هوية حقيقية وقوام وهدف وقصص نجاح؟.. وهل بواقع فعالياتها تسير في ركب نظيرتها من المهرجانات الدولية الأخرى وخلقت لنفسها مكانة وتواجد ومنافسة وجماهير؟، أم أنها محدودة الأفق في أسلوب نموها وتطورها، أم أنها ضحية لضعف إمكانياتها المادية والبشرية؟!
أسئلة كثيرة نطرحها بواقع الغيرة، خاصة على تلك المهرجانات التي تقام خارج العاصمة، في مدن عزيزة وكبيرة ولا يشاهدها سوى ضيوفها القادمين من القاهرة من النقاد والصحفيين وبعض الضيوف من الخارج، وهي تعاني عقم كبير في بنيتها الأساسية “فنيا ولوجستيا وإداريا”، بغض النظر عن الشكل والمضمون وسياسة إدارتها،ولايهمها سوى “إقامة الدورة والسلام”.
في لحظة ما - وقبل بضع سنوات - قلت لنفسي،حان الوقت لأرى ماذا يحدث في مهرجانات العالم الكبرى، وبالفعل سافرت إلى بعضها مثل “كان” و”برلين” و”مراكش”، ومن قبلهما “دبي” و”أبو ظبي”، قبل أن نصطدم بإلغائها، وأعترف أنني اندهشت كثيرًا بما رأيت بدايةً بما يسمى بـ”قصر المهرجان”، ومرورًا بأفلام عظيمة وملهمة ونجوم ومخرجين من صناع الأفلام تتوهج شهاداتهم بقاعات الندوات، وجمهور غفير، ومنذ ذلك الحين أصبحت من مريدي تلك المهرجانات التي سافرت لها في مرحلة متأخرة من الشباب، لكنني في كل مرة كنت أرى مهرجاناتنا أمام عيني أحلم لها ومعها بمكانة أكبر وحضور حقيقي في قلب صناع السينما في مصر والعالم، كنت أغار عليها، وأتمنى في كل زيارة بالخارج -مبهورًا بالعروض والتنظيم وحتى الجمهور المصطفّ بشغف طوابير طويلة- أن تكون مهرجاناتنا الدولية والمحلية تسير على الدرب أكثر قيمةً وأكبر تأثيرًا بين مختلف المهرجانات المناظرة، فمهرجان القاهرة السينمائي مثلا - وهو “الاستثنائي” - يبقى واجهة مصر السينمائية، ومصر قلب العالم العربي التي عرفت السينما قبل أكثر من قرن، نعقد عليها أمالا كبيرة في ترسيخ هذا المفهوم، وإن تولد شاشته أفلاما تعرف طريقها إلى الجوائز العالمية الكبرى، مثلما نرى أفلام “كان” و”فينيسيا” و”برلين”.
أتذكر كلمات الممثل البريطاني العالمي، ريف فاينز، قائلا عن القاهرة: “المدينة النابضة بالحياة والطاقة، بل أكثر دفئًا من باريس”، مضيفا: “لديكم ثقافةٌ رائعةٌ وتاريخٌ كبيرٌ وهذا ما يعطيني حماسًا لوجودي بالمهرجان، نحتاج لمهرجانات جديدة للمنافسة لكي تنافس (فينيسيا) و(كان) و(برلين) و(تورنتو)”.
بداخلي يقين أنه إذا ما توفرت له نصف إمكانيات ودعم مهرجات العالم الكبرى - المادية واللوجستية - سيكون له شأن آخر، ويعرف طريقه إلى التطور والرسوخ، خاصة وقد بات على قمة إدارته اليوم نجم كبير بجوار فكرٌ جديد شابّ وطموح واعٍ يملك الحلم كله.
الحقيقة كما قال ألبرتو باربيرا - مدير مهرجان “فينيسيا” السينمائي - في شهادته هنا: “كي تكتمل المنظومةً، فإنه على المهرجانات أن تغير من سياستها كي تتماشى مع الفكر الجديد الطارئ على صناعة السينما، وعلينا إعادة صياغة مواقفنا وإعادة التفكير في السينما، ودور المهرجان هنا هو إظهار نوع التحول الذي طرأ على صناعة السينما، من حيث انتقاء أفلام تتوقع مستقبل الصناعة خلال السنوات المقبلة، كما علينا الانتباه للدول الناشئة في الصناعة التي أصبح لديها صناع جدد وموهوبون، وتكوين وجهة نظر جديدة عما ستكون عليه السينما”.
والواقع أن مهرجاتنا بات عليها أن تستوعب الدرس،وتقف عند دورها الجديد، بعمل توازنٍ بين اختيار أفلام ضخمة وأخرى مستقلة، وهو ما ألمسه في “القاهرة السينمائي” وحده، وإن كان يواجه خلال رحلة الإعداد تحدياتٍ كبيرة أتمنى تجاوزها لتحقيق الحلم.
أيضا المهرجانات لم تعد مجرد نافذة عرض ومشاهدة الأفلام، لكنها أصبحت منصةً لصنع الأفلام ودعم الموهوبين وجزءًا من الصناعة، مهرجان “كان” يفعل ذلك، وكذلك “برلين”، من خلال مشروع “روبرت بوش”، وفي “فينيسيا” يوجد مشروع “Final Cut”، وهدفه تمويل أفلام موهوبين جدد، وفي”القاهرة” توجد “أيام القاهرة لصناعة السينما”، و”ملتقى القاهرة السينمائي”، والأخيرة باتت منفذًا لدعم الموهوبين الجدد حتى ترى أفلامهم النور، وتعد منصة الإنتاج المشترك في المهرجان.
مازلت أحلم باكتمال الصورة الجديدة التي نرغب في إيصالها للعالم عن “القاهرة السينمائي” كحدث كبير ومعاصر، يعمل كجزء من الصناعة والثقافة السينمائية في العالم كله، وليس في مصر أو المنطقة العربية فقط،والمسألة فقط تحتاج إلى إصرار وإرادة ورغبة.
أما بالنسبة لكثيرمن باقي المهرجانات السينمائية في مصر فهي تحتاج إلى وقفة تعيد فيها حساباتها وتعالج قوامها الأساسي،شروخه وجروحه، بدءاً من قاعات العرض وأجهزتها والدعاية الغير كافية للمهرجان في الأقليم الذي يقام بها حتى يشعر الجمهور بوجود مهرجان سينمائي حقيقي يتفاعل معه، ومع أفلامه، فنحن نلاحظ عدم وجود جمهور في أغلب العروض رغم أنه هو العنصر الأهم، وعدم الاكتفاء “بروباجاندا التكريمات وندوات النجوم”، والتهليل لكل شيء باستثناء مسابقة الأفلام.
المهرجانات العالمية في اهتمامها الأكبر هو كيفية عمل برمجة قوية للأفلام مع عمل “ماستر كلاس” لكبار المخرجين والنجوم، لتتم الاستفادة القصوى من المهرجان، ويخرج بالنهاية في شكل عرس سينمائي كبير.
أعرف أن مهرجانات المحافظات الحديثة منها، ومن لها تاريخ،والتي تقام بالإسكندرية والإسماعيلية والأقصر وأسوان وشرم الشيخ، تعاني ضعفا في الإمكانيات، ينعكس على مدى قدرتها على المنافسة مع مثيلاتها بالدول الأخرى، ولا تزال المسافة بينها كبيرة، لكن المهرجانات السينمائية تحتاج إلى تغيير في الفكر والرؤية والمنهج بجانب الدعم المادي، سواء الحكومي أو الخاص، حتى تتمكن من التوسع والانتشار، وبالتالي امتلاك قدرة التأثير على صناعة السينما، فضلاً عن ذلك، تحتاج المهرجانات إلى التسويق لنفسها من أجل ضمان توسعها، سواء في الدول التي تقام فيها أو خارج الحدود، وذلك لإيماننا أنه لا فائدة من وصول المهرجان إلى الخارج، طالما لم يحقق الانتشار المطلوب منه داخلياً، لذلك فإن استراتيجيتنا يجب أن تقوم بالأساس على الاهتمام بتوسيع قاعدة المهرجان الجماهيري محلياً، ومن ثم تقديمه إلى العالم.
وتطور منظومات العمل في هذه المهرجانات لا يقتصر فقط على مستوى العرض، وإنما يشمل ذلك عمليات الإنتاج والتنظيم والتسويق وغيرها، والتي تشكل عناصر أساسية في رفعة وارتقاء أي مهرجان سينمائي، فضلاً عن أن هذه المهرجانات تقام في دول تأصلت فيها الثقافة السينمائية، وتمتلك حضوراً جماهيرياً واسعاً، الأمر الذي ساعد على نجاحها، وفعل قدرتها على استقطاب الأفلام العالمية والعربية على حد سواء.
كما أعتقد أن عمليات اختيار الأفلام في أي مهرجان سينمائي، تعد الأهم لأنها تعكس طبيعة توجه المهرجان ومدى قدرته على استقطاب الأعمال الجيدة التي تعكس الواقع الإنساني، وفي معظم المهرجانات السينمائية تذهب عمليات الاختيار في أحيان كثيرة إلى مجاملة المنتج أو المخرج أو حتى نجم العمل، الأمر الذي ينعكس سلباً على حضور الفيلم في المهرجان، وهو ما يؤثر أيضاً سلباً على صورة المهرجان على الساحة.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة