هالة فؤاد
هالة فؤاد


فرصــة ثانيــة

آخر ساعة

الخميس، 06 أكتوبر 2022 - 01:50 م

أخيرأ اإطلقتب.. بعد طول تردد حسمت قرارى.. لم أستغرق وقتا طويلا لأقنع زوجى بالموافقة فيبدو أنه أسر فى نفسه نفس القرار وإن جاهد ألا يعلنه

تم الطلاق بهدوء ولم يعقبه أى عاصفة.. فحياتنا لم يكن فيها ما يبهج ويستحق الندم عليه .وإن شئت الإنصاف أيضا فلم يكن فيها مايشعل الخلاف ليصل لحد الثورة.. لم يخطئ أبدا أحدنا فى حق الآخر.. لم يتجاوز فى اللفظ أو يتطاول فيهين ويجرح مشاعره.. كان الاحترام متبادلا.. كلانا كان يتسم بالتعقل وضبط النفس

كان الهدوء هو أكثر مايميز بيتنا.. هدوء يحسدنا عليه الجميع.. لم يدر هؤلاء الذين يقيمون العلاقات بشكل سطحى أن للهدوء وجها آخر لايقل شقاء عن صخب الخلافات وصيحات الشجار .. 

عندما يصل الهدوء لحد الصمت، ويصبح كل ما حولك يدعو للملل.. حياة روتينية جافة.. يعيش كل طرف فيها بجزيرة منعزلة عن الآخر.. أنا وابنتى فى حجرة وزوجى فى حجرته.. غارقا فى صمته أو منشغلا بالألعاب الإلكترونية والويل لو أحد قطع عليه ذلك الصمت أو شتت ذهنه المنشغل والغارق فى التركيز فى اللعبة.. كان ضيقه الواضح يدفعنا لتجنبه.. نتحاشى نظراته والتى كانت فى حدتها أقوى من أى صوت

حاولت على استحياء لفت نظره على ما حل بيننا من جفوة، وبهدوئه المعتاد حاول إقناعى أن حياتنا تسير على أكمل وجه.. وأن ما نعيشه أمر طبيعى بعد سنوات سبع من الزواج

حاولت إقناع نفسى بما يراه.. لكن الحياة ازدات سوءا.. تحول الصمت لسوط قاس أصبح يدمى مشاعرى فلم أعد أقوى على الاستمرار. وأحسست بأن لا أهمية لى.. كم مهمل .لا هم له سوى تلبية مطالب أسرته.. أعانى الوحدة مع زوج أدمن الخرس الزوجى والوحدة.. فقدت كل رغبة فى التواصل معه.. وفقدت رغبتى فى الحياة.. لم يعد لدى قدرة على التواصل مع أهلى وأصدقائى.. لم أعد أستطيع الكلام أو الضحك أو حتى البكاء.. غرقت فى عزلتى وجزيرتى المنعزلة عن جزيرة زوجى.. سئمت كل ركن فى بيتى.. تحول فى نظرى لسجن أبوابه محكمة الإغلاق .. حصار خانق كاد يزهق روحى

لم أتحمل مزيدا من الحصار.. قررت تحطيم القفص الذهبى لم يبهرنى بريقه.. فحاجتى للحياة كانت أكبر من قيود تكبلنى بلا طائل.. هل كان هو الآخر يعانى نفس القيود ونفس حالة الاختناق ونفس الشعور بضجر وملل الحياة معى؟ ربما وصلنا معا لنقطة اللا عودة فاتفقنا على الانفصال

كان كل ما يشغلنى هو مصير ابنتى.. كان همى هو ألا تتعرض لهزات نفسية جراء انفصالى عن والدها.. كنت أخشى عليها من حكايات تمزق القلب يعانى منها من هم فى مثل ظروفها.. مشاكل الحضانة والرؤية.. تعنت أحد الوالدين. بخل الوالد فى الإنفاق.. محاولة خطف الأولاد.. شحن نفوسهم بالكراهية تجاه الأم أو الأب.. كانت الحكايات والمآسى تتراءى أمام عينى فتزيد مخاوفى ويزيد إصرارى معها أن أجنب ابنتى كل هذه المشاكل

وللحق لم أعان أبدا فى الحفاظ على سلامة صحة ابنتى النفسية ليس بمجهودى فقط ولكن أيضا كان لطليقى نفس المخاوف ونفس الإحساس بالمسئولية ونفس الرغبة فى توفير حياة هادئة وسعيدة لابنتى لا تشعر فيها أبدا بكراهية ونفور والديها أو عدم احترامهما للبعض أو تعمد أحدهما تشويه صورة الآخر والنيل منه ونعته بأبشع الصفات

لم يكن الأمر صعبا علينا فكما قلت كانت حياتنا لا ينقصها الاحترام المتبادل والهدوء والحكمة

كنت أرحب فى أى وقت بزيارته لاصطحاب ابنته. لم أمانع فى طلبه أبدا السماح لها بالمبيت إذا ما شعر بحاجته لذلك .. وكان من ناحيته يتجنب أن يفعل ذلك أيام الدراسة حتى لا يسبب لها أى متاعب. أما فى الصيف فكان يصطحبها للمصيف فضلا عن نزهات عديدة بين الحين والآخر

مع الوقت اعتدنا على اللقاء الودود والذى سمح بدعوته لمرافقة ابنتنا للخروج معا.. ترددت فى القبول، رفضت متعللة بالتعب بينما فى الحقيقة كنت أسكت باب الحيرة والقلق وأقطع حبل التساؤل ماذا عن الخطوة القادمة .. هل أنا مستعدة لها أم لا؟

ولأنه كان يجيد قراءة ما يدور فى عقلى وقلبى ويعرف مفاتيح عقلى ونفسى..ألح أكثر من مرة فى مشاركته وابنتى إحدى الرحلات.

سافرت وقضيت أجمل يوم فى حياتى.. شعرت معه نفس مشاعرى تجاهه أيام خطبتنا.. نفس الرقة ونفس الاهتمام ونفس الحنية. لماذا وأدت حياتنا الروتينية كل تلك المشاعر الجميلة

همس معترفا بخطئه، وأن انشغاله بإثبات نفسه وتحقيق ذاته فى عمله استغرق وقتا أكبر مما كان ينبغى وأنه جار على حقه تجاهى وتجاه ابنتى، أما انشغاله بالألعاب الإلكترونية فكانت وسيلته للخروج من دوامة العمل وإرهاقه وطلبا فى مزيد من صفاء الذهن .. 

لم تكن كلماته غريبة على نفسى .. كنت أصدق كل حرف فيها، لأننى وصلت لتلك المبررات بعد شهور من البعد عنه، لم أتوقف عن التفكير فيما وصلنا إليه .. من فينا المخطئ ومن على صواب، من منا المسئول عن الوصول لتلك الحالة من الملل والرتابة وجعل من جدران بيتنا سجنا خانق الحصار .. 

كلانا أخطأ، واستسهل العزلة وآثر الانسحاب .. لكن من يضمن إذا عدنا ألا يتكرر نفس السيناريو ونصل لنفس النهاية .. 

كدت أستجيب لضغوطه والرجوع للحياة معه لكنى أخشى أن أصل لنفس النهاية وألدغ من جحر الخرس الزوجى مرتين .. 

لصاحبة هذه الكلمات أقول :

أحيانا لا نقدر قدر النعم التى بأيدينا فنصل لحد الجحود.. ربما عانيت وزوجك من ذلك الجحود .. وهبكما الله حياة هادئة .. يسكن فيها كل منكما للآخر .. يكن له الاحترام والمحبة .. لا يسمح لنفسه بإهانته أو الانتقاص من حقه حتى بعد الانفصال.. كل منكما يتحمل مسئوليته تجاه الصغيرة بنفس القدر من الاهتمام .. كلها نعم قلما تنعم أسر بها خاصة فى زماننا منزوع الرحمة والمودة الموصوم بالأنانية والقسوة واللامبالاة .. 

يخطئ من يضيع من يده كل تلك المزايا .. ويؤثر الوحدة بكل قسوتها، لا أنكر أن الخرس الزوجى مشكلة وأن الحياة الزوجية التى يصيبها الملل تصبح جحيما، وأن الجزر المنعزلة التى يعيش فيها كل طرف بعيدا عن الآخر كارثة وبداية الانهيار. لكن مازال الأمر بيدنا قابلا للمواجهة والتحدى والتحجيم. بأيدينا يمكن أن نكسر حوائط عزلتنا ونحطم أسوار سجننا الذاتى ونفتح قلبنا للآخر .. مزيدا من الحب والمودة والتفهم والتضحية يمكن أن نتغلب على تلك المشاعر المقبضة لأرواحنا .

بذور التفاهم موجودة والرغبة فى الاستمرار متوفرة والتعلم والاعتراف بالأخطاء لا ينكره أى منكما .. كل مقومات النجاح تدفعك للتخلى عن ترددك.. افتحى صفحة جديدة وامنحى فرصة ثانية لعلاقتكما ويقينى أنك لن تندمى وسيكون النجاح حليفك فى تخطى كل العقبات التى لاتخلو الحياة منها بعدما أصبحت أكثر نضجا وخبرة وحكمة فى التعامل مع كل ما يكدر صفو الحياة .. 

[email protected]

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة