هالة فؤاد
وهــم الأحـلام
الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022 - 12:10 م
تأخذنا الأحلام تحلق بنا، فنصل بخيالنا للسماء ويصدمنا الواقع فنهبط بعنف صدمته لترتطم رؤوسنا بالأرض، وبين التحليق والهبوط تتأرجح أرواحنا وتتوه عقولنا وتتشتت نفوسنا فى رحلة عبثية للبحث عن سكينة استقرار وهدوء وسلام نفسى عصىّ على التحقق ،
لم تكن البدايات مبشرة بتلك النهايات البائسة، وكأن القدر أراد إحكام قبضته ليزيد مأساتى شدة وتأزمًا ،
كنت مثل كل فتاة تحلم بفتى أحلام تشعر معه بكل معانى الحب التى عاشتها مع كل غنوة رددتها وكل مشهد رومانسى تابعته وكل قصة حكتها صديقة أو زميلة وروتها ،
عندما دق قلبى بالحب سرعان ما فتحت بابه على مصراعيه ، رأيت كل ما فيه جميلا، شاب وسيم يكبرنى بعامين، يعمل بالتجارة التى ورثها عن أبيه بعد تخرجه فى الجامعة، بعد عام من تعارفنا تقدم لخطبتى، ولاقى ترحيبا كبيرا من أسرتى، الكل شهد له بحسن الخلق والطيبة، .
مرت فترة خطوبتنا بهدوء، وإن كانت هناك بعض التخوفات بدأت تتسلل إلىّ بعدما توقفت سريعا عند بعض التصرفات، منها أن االشبكةب التى اشتراها لى كانت متواضعة جدا بالقياس لمستوى خطيبى وأسرته المادية، كذلك كان مستوى الأثاث الذى اشتريناه وتشاركنا ثمنه مناصفة حسبما اتفق أهلى وأهله، ورغم ذلك كانوا مصرين على شراء أثاث متواضع وتجاهلوا رغبتى ورغبة أهلى، واستغلوا شعورنا بالإحراج من التطرق والإلحاح لتنفيذ رغباتنا..
تجاهلت كل ذلك بحسن نية، أو بالأدق كان حبى ورغبتى فى إتمام الزواج يفوق كل إنذارات التحذيرات ومؤشرات الخطر المنذرة بما هو قادم، .
وللأسف كان القادم أسوأ، بعد الزواج بدأت الأمور تضح وتكشف تفاصيل لم تكن فى حسبانى وحملت معها كل مقومات تعاستى، .
كان زوجى مقتصدا لدرجة الشح، يفكر ألف مرة قبل أن يخرج النقود من جيبه، يختلق الأعذار للتنصل من شراء ما أطلبه منه، يلغى بنود أساسية اعتدت عليها، يجبرنى على شراء ملابس متواضعة، ولا يهتم بتوفير مايلزمنا من احتياجات للبيت، يرفض شرائى سيارة بحجة أن تكاليفها كثيرة، يمنع استعانتى بمساعدة لى لتنظيف المنزل بحجة أنه لم يعتد دخول أى غريب يشاركهم ولوساعات محدودة فيه ..
لم يكن يكذب، فهو اعتاد بالفعل على تلك الحياة المتقشفة الشحيحة، رغم كل ما لديهم من مال، كان مظهرهم لا يوحى أبدا بما تحمله خزائنهم من أموال، لم يكن الطمع هو ما جعلنى أفكر بهذه الطريقة، لكنه الشح الذى يدفع البعض، ليس فقط، لعدم التمتع بنعمة الله عليهم وكرمه، ولكن أيضا ليظهروا فى عيون الآخرين أقرب للفقراء ..
لم أكن أحلم بعيشة مبالغ فى رغدها، فقد نشأت فى أسرة تنتمى للطبقة المتوسطة، لكن حياتى فى هذه الأسرة لا تقارن بحياتى مع زوجى الثرى، لم أكن أشعر يوما بالحرمان فى بيت أبى، كانت كل طلباتى مجابة بقدر ما يستطيع، وهو بالضبط ما كنت أحلم به فى بيت زوجى، لم أشطط بأحلامى فأتمنى مايفوق قدرته لكنى فقط أريد حياة أقرب للطبيعية ..
حاولت أكثر من مرة لفت نظره لضرورة إعادة النظر فى حياتنا، وأن يوسِّع علينا قدرا ولو بسيطا حتى لا نبدو على تلك الحال الأقل من متواضعة، لكن كل محاولاتى تبوء دوما بالفشل، يوقن أنه على صواب وتدعمه أسرته فى ذلك اليقين، يتهمنى بالإسراف والتبذير وأننى أنظر تحت قدمى ولا أفكر فيما يمكن أن يحمله المستقبل من متاعب يجعل من القرش الأبيض الذى يدخره الآن قيمة ونفعا فى أيام الضنك والسواد لا قدر الله ..
لم أقتنع بوجهة نظره خاصة أن ما أطلبه أقل كثيرا مما أحتاجه ويحتاجه بيتى، مثلما لم يقتنع هو بوجهة نظرى مصرا على فرض طبيعة حياة التقشف التى سئمتها ..
وازداد ضجرى بها بعدما كبر الأولاد وزادت احتياجاتهم، رفض إلحاقهم بمدارس خاصة، وبالطبع لم يعطنى فرضة حتى لاقتراح مدارس دولية عليه، رغم ثقتى بأن قدراته المادية يمكن أن تتحمل مصاريف تلك المدارس، ولم يكتفِ بذلك بل رفض إعطاء دروس خصوصية للأولاد بحجة أنهم ليسوا فى حاجة لها، وأنها لعبة يتفنن المدرسون فيها لابتزاز الأهالى وأنه لن يشاركهم فيها، اما احنا اتعلمنا واتخرجنا من غير دروسب، هكذا يكون الرد وكأنه يعيش فى كوكب آخر وزمن آخر ..
بل هو بالفعل مازال يعيش فى الماضى، يرفض اشتراك الأولاد فى أى نادٍ أو ممارسة أى لعبة أو هواية ..
صارت حياتى معه أشبه بحياة أهل الكهف، أقرب للبدائية، حياة لا تعرف التطور ولا التحضر ولا مواكبة العصر، حياة منعزلة، جافة، شحيحة، خانقة ..
سئمت تلك الحياة بكل تفاصيلها، أفكر فى الطلاق لكن مثل كل أم تخشى على صغارها من الانفصال وتشتيت شمل الأسرة وحرمانهم من حياة مستقرة، والأهم أخشى أن يكون الانفصال سببا فى مزيد من الضنك والتقشف وعدم الوفاء بأبسط الاحتياجات، أنا فى حيرة ولا أدرى بالفعل ماذا أفعل؟
لصاحبة هذه الكلمات أقول:
أقدِّر حيرتك وأتعاطف بشدة مع تلك الأزمة التى تعيشينها، أدرك أنك لم تبحثى عن ثراء فاحش ولن تطمعى فى حياة مبالغ فى رغدها كما ذكرت، وربما أكثر ما كانت تصل إليه أحلامك هو أقرب لتلك الحياة التى تعودتِ عليها فى بيت أبيك كما ظهرت من خلال كلماتكِ، المشكلة أن حياة بعض التجار تكون أقرب لتلك الحياة التى يفرضها زوجك، فالحرص الشديد على المال والرغبة فى استثماره والحصول على أكبر عائد منه والتقتير فى الإنفاق خشية من أيام الشدة، والرغبة فى الادخار لمواجهة تلك الأيام، والاقتصاد لأقصى حد، والتفكير ألف مرة قبل شراء الجديد وتأجيل كل ما يرونه غير أساسى، تلك سمات بعض التجار الذين يفضلون استثمار أموالهم لتأتى إليهم بالمزيد حتى ولو كان ذلك على حساب وجاهتهم وهيئتهم الاجتماعية ..
قدرك أنك وقعتِ فى زوج ينتمى لتلك الفئة من التجار، وإن كنت أرى أن الاستسلام لذلك الوضع المفروض عليك ليس بالأمر الصحيح خاصة أن ضرره أصاب فلذات أكبادك،
وأرى أن الطلاق ليس حلا ناجعا فى مثل حالتك كما أوضحت كلماتك أيضا، يبقى المخرج الوحيد فى الصبر والإلحاح وممارسة كل الضغوط الممكنة لدفع زوجك للتقليل من تقشفه وتلبية احتياجاتك واحتياجات صغارك الأساسية، ربما يتطلب منك أيضا وقفة جادة للتأكيد على مصلحة الأولاد وحاجتهم لمزيد من الإنفاق على تعليمهم، أعرف أن محاولاتك السابقة باءت بالفشل، لكن ليس بوسعك سوى المزيد من الضغوط وتكرار المحاولة، ومن المؤكد أنها ستنجح فى النهاية فى تليين موقفه، لا تملى واصبرى وتحمّلى ابتلاءك، وجاهدى لمواجهته، وإن شاء الله سيجعل الله لك مخرجا من بعد ضيق..
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة