محمد عبد الوهاب فى حضرة أمير الشعراء أحمد شوقى
محمد عبد الوهاب فى حضرة أمير الشعراء أحمد شوقى


«الشناوي» يروي معركة شوقي مع خصومه بسبب عبد الوهاب

كنوز | «الأخبار» تحيي الذكرى الـ90 لرحيل أمير الشعراء

عاطف النمر

الأربعاء، 19 أكتوبر 2022 - 05:38 م

حلقت روح أمير الشعراء أحمد شوقى إلى خالقها فى الرابع عشر من شهر أكتوبرعام 1932، وعم الحزن فى مصر وكل الأقطار العربية لرحيل أمير الكلمة والنظم والقوافى، وعندما نحيى اليوم الذكرى 90 لرحيله نلتقط مقالا من كتاب «زعماء وفنانون وأدباء» للشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوى الذى ارتبط ارتباطا وثيقا بأمير الشعراء وكان من تلاميذه، يتحدث فيه عن معركة بين أحمد شوقى من جهة وعباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازنى من جهة أخرى بسبب المغنى محمد عبد الوهاب القريب إلى قلب أمير الشعراء!

يقول كامل الشناوى: «كانت المعركة على أشدها بين شوقى وخصومه، وظهر كتاب «الديوان» للعقاد والمازنى، تناوَلَ شعرَ شوقى وشخصه وتاريخه وحياته بالهجوم والنقد والتجريح، وانقسمت الصحف إلى معسكرين؛ أحدهما يدافع عن شوقى ويهاجم العقاد والمازنى، والآخر يهاجم شوقى ويشيد بأدب العقاد والمازنى، وكان أنصار شوقى يتعصبون له ضد خصومه، وكان خصومه يتعصبون ضده، ونكاية فى شوقى أخذ المازنى يهاجم عبد الوهاب القريب إلى نفسه فى جلساته الخاصة، ويقول: إن صدره ضيق، ولا يصلح لأن يكون مغنيًا بل يصلح لأن يكون مريضًا.

وكان المازنى لم يسمع عبد الوهاب بعد، ورأى أحد أصدقاء عبد الوهاب أن يحميه من هجوم المازنى، فأقام حفلة فى داره دعا إليها المازنى والعقاد، وغنَّى عبد الوهاب، وأبدى العقاد إعجابه بصوته، وقال: إنه لا عيبَ فيه إلا إعجاب شوقى به ! ولما سُئِل عن رأيه فى عبد الوهاب قال: صوته قوى عذب جذَّاب، واستعداده الفنى عظيم، وقيل له: هل تمنعك خصومتك لشوقى من أن تقول كلمة عنه؟ فقال: كلا، وسأنظم قصيدةً، ونظم أبياتًا قال فيها «إيه عبد الوهاب إنك شادٍ / يطرب السمع والحجا والفؤادا / وقد سمعناك ليلةً فعلمنا / كيف يهوى المعذَّبون السهادا / ونفينا الرقاد عنَّا؛ لأنا / قد حلمنا وما غشينا الرقادا / بارك الله فى حياتك للفن / وأبقاك للمحبين زادَا».

ويقول كامل الشناوى: إن المازنى كتب يصف الليلة التى غنَّى فيها عبد الوهاب بأنها من أمتع ما مرَّ به فى الحياة، ووصفه بالصوت البديع الذى أهاج مشاعره، وقال عنه: «وقد أغالى فى إكبار هذه الثروة الصوتية، كأنى لم أكن أسمع بل أُسقى من رحيق الجنان، وكأنه لم يكن غناء مصوغًا من شجا القلوب، بل من شعاع العقول، هكذا أمتعنا عبد الوهاب بغبطته فى ليلةٍ كانت كلها سحرًا، وردَّنى بعدها بغير ذى أذن إلى كل نغمةٍ من سواه، وغير ذى صور إلا إلى فتنة مَن هوى فنه وشجاه، ولولا أن يُعَدَّ ذلك جحودًا ولؤمًا لَتجاوزْتُ عن ذكر اسمه، فإنه أحلى عندى وأوقع فى نفسى أن أجرِّد غناءه من صورته الآدمية على حسها النرجسى، وأن أتصوَّرَه أبدًا هوًى سابحًا، وروحًا هائمًا، وصوتًا صافيًا». 

ويقول الكاتب الكبير كامل الشناوى: «فرح شوقى بما نظمه العقاد فى عبد الوهاب، وما كتبه المازنى، واعتبر ذلك نصرًا شخصيًّا له، فقد كان حبه لعبد الوهاب عنيفًا جارفًا، وكان عبد الوهاب عاطفةً فى قلبه، وفكرةً فى رأسه، ونورًا فى عينَيْه، ولكن بعض أصدقاء شوقى أفهموه أن كتابة المازنى والعقاد عن عبد الوهاب ستجعله ينضم إليهما، وأفهموه أن بلبله الصغير قد بنى له عشًّا فى قلب المازنى والعقاد واقتنع شوقى فإذا به يسلط بعض الصحف عليهما، فكتب الساخر حسين شفيق المصرى مقالًا نقد فيه قصيدة العقاد، وقال: هل أراد العقاد أن يمدح عبد الوهاب أو أراد أن يذمه ؟ إنه يقول «قد سمعناك ليلةً فعلمنا / كيف يهوى المعذَّبون السهادَا» إذن لم تكن ليلة طرب بل كانت ليلة شقاء، إن عبد الوهاب لم يُشْجِ الشاعرَ ولكن أشقاه، وسامه سوء العذاب، وكيف يتفق هذا الشقاء والعذاب، مع وصفه للمغنى بأنه أطرب السمع والحجا والفؤاد.

وكتبَتْ «الكشكول» كلمة بعنوان «هجاء فى مدح»، قالت فيها: « سأل أعرابى أحد المغنين ما الغناء؟ فأراد المغنى أن يُرِى الأعرابى كيف يكون الغناء، فأخذ يتغنى بأبياتٍ من الشعر، ويهتز، ويلقى برأسه إلى الوراء، ثم يعتدل، ويتجعد وجهه، وتلعب عيناه، فقال له الأعرابى: «والله يا أخى ما يفعل بنفسه هكذا عاقل!»، وقد صدق، ولم نَرَ مَن استملح هذه البشاعة من المغنين غير المازنى، فقد كتب فصلًا عن المغنى النابغة محمد عبد الوهاب، قال فيه «إنه إذا تناوَلَ العود وأصلحه واستعَدَّ للضرب عليه، يرفع رأسه حتى يكاد يمس به ظهر الكرسى، ويرسل طرفه إلى الفضاء، وتلك أوصاف مفتراة، ظنها المازنى ممَّا يُحمَد من المغنين، فوصفه بها وعبد الوهاب براء منها، ولا نرى المازنى أخزاه الله يصف مغنيًا، ولكنه يصف قردًا، وخُيِّلَ إليه أنه يمدح وهو يهجو، ولا شأن لنا به، فَلْينظر عبد الوهاب كيف جزاء مَن يُطرب الحمقى والجهال، فلا يكافئونه إلا بإلحاقه بالقرود»، وأخذ شوقى يبدى إعجابه بكاتب المقال قائلا: «إنه ليس أديبًا فقط، ولكنه أديب وموسيقى ويفهم فى علم النفس». 

كان شوقى يقول ذلك على مسمعٍ من عبد الوهاب، وكاتب هذه الكلمة هو شوقى نفسه، وقد نشرها غفلًا من الإمضاء، ونجح شوقى فى إقصاء عبد الوهاب عن العقاد والمازنى الذى ظلَّ حانقًا على عبد الوهاب إلى قُبَيْل وفاته بسنتين، أما العقاد فقد نشر قصيدته عن عبد الوهاب فى «البلاغ»، ولما تغيَّرَ رأيه فى عبد الوهاب رفض تسجيلها فى أى ديوانٍ من دواوين شعره. 

ويقول كامل الشناوى فى بداية المقال ما نختتم به الموضوع: «رحل أحمد شوقى عام 1932 من ضفة الحياة إلى الضفة الأخرى، ضفة الغيب والمجهول، وكان شديد الفزع من هذه الرحلة، يتمنى لو عرف ما وراءها، كما لو كان شيئًا ماديًّا يراه بعينه ويلمسه بيده، وقد بلغ من فزعه من الموت، أنه كان يطمئن إلى الضجة ويجفل من الهدوء، يحب الشوارع الصاخبة، والأنوار الصاخبة، والأصوات الصاخبة، وكان حريصًا على إحاطة اسمه بالضجة والصخب، ضجة المدح، وصخب الثناء، وكان برغم إيمانه بنفسه، وإدراكه لقيمته الفنية، يتألَّم من النقد، ويخاف من النقاد، هاجَمَه كثيرون من الأدباء والنقاد والكتَّاب والساسة هجومًا عنيفًا، فلم يردَّ عليهم بكلمةٍ صريحة، واكتفى بغمزهم تلميحًا فى القصائد التى يقولها فى مناسباتٍ لا تمتُّ إلى موضوع نقده بصلةٍ من الصلات، وعندما هاجمه الأستاذان العقاد والمازنى فى كتاب «الديوان» هجومًا قويًّا جارحًا، انبرى بعض الكتَّاب للردِّ عليهما، وكان شوقى يُغذِّى هؤلاء الكتاب بآرائه وأفكاره، وكان حريصًا على ألَّا يظهر معهم فى مكانٍ عام، حتى لا يقال إنهم دافعوا عنه بإيعازٍ منه». 

كامل الشناوى من كتاب «زعماء وفنانون وأدباء»

اقرأ أيضا | كامل الشناوي.. غاب عن الوعي فمر بالحساب والبعث ودخل الجنة !

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة