د. علاء الجرايحي
د. علاء الجرايحي


بقلم د. علاء الجرايحي: فتنة العالم الجديد.. وهمسات الشياطين

بوابة أخبار اليوم

السبت، 29 أكتوبر 2022 - 05:56 م

فى عالمٍ مُتسع ومزدحم بالبشر مُتعدِّدى الثقافات والأعراق والألوان والديانات والمذاهب والطوائف، مُتنوعى الأعراف والسلوكيات وطرق التفكير، تتعدَّد القوانين والضوابط بالدول كافة؛ لتضع الأمور فى كل شىءٍ تُمارسه شعوبها وتتعامل به ومعه فى نصابها الصحيح وطريقها القويم، ويقوم على تنفيذ ذلك جهات رسمية بها، من بينها السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية،

وتُشرف على تطبيقها عيون الإعلام البنَّاء الأكثر انضباطًا ومراقبةً للمشهد، فتنمو الحضارات وتُعرف طباعها، حتى إنك من خلال الاحتكاك والمعاملة مع مواطنيها، تعرف فى التو واللحظة إلى أى شعبٍ وبلدٍ ينتمى هذا أو ذاك الذى يُحدِّثك وإن لم يُخبرك، وفى المقابل أيضًا ونتيجةً للانحراف عن الدرب، والخروج عن السرب، والجنوح للاختلاف والتناقض، تنمو منظمات تعمل على تغيير الحقائق وطمس الهُوية، وإزالة الروح البشرية من أساسها، وجعلها كالماكينات تُنفِّذ أوامر عن بُعدٍ بأفكارٍ مليئة بالشيطنة والمُغالطات، التى يتم بثها ونثرها ونشرها عليها من خلال عِدَّة وسائل كنا نظنها التطوُّر والتقدُّم والحداثة فى أسمى معانيها.
 
فى خضم ما يُسمَّى بالتواصل الاجتماعى من نوعية فيسبوك وتويتر وإنستجرام وتيك توك وغيرها، مما يموج به الفضاء المفتوح اليوم، تتولَّد الأحداث، وتتخلَّق التحديات، وتكثر أعباء الدول، مسئوليات، ورقابةً ومواجهةً وإنفاقًا للوقت والجهد والمال، خاصةً إذا ما تأكَّد لنا من خلال المتابعة المستمرة لغالبية المحتوى الموجود عليها الآن، والتحليل الدقيق لما يجرى ويقع جرَّاءه، انتشار مواقع مسمومة، مُغرضة ومُمنهجة؛ يتولى إدارتها أُناسٌ لهم أهدافٌ لا تُنبئ بخيرٍ للمكان الذى يتواجدون فيه، والتى منها إبطال العقل البشرى لمواطنى هذه الدولة، ونزع القيم والمبادئ وثوابت الدين عنها، والدعوة إلى الانحلال والتطرف والتفكُّك والتفرُّق، لأغراضٍ سياسية تهدف إلى خلق أجيالٍ بلا هُوية وبلا حضارة أو ثقافة؛ حتى يتم التحكُّم فيها بطرقٍ مُمنهجة ومدروسة بعنايةٍ، ومن ثمَّ يتم التحريض على إثارة الفتن وخلق الفوضى والعشوائية، لتعطيل الدساتير والقوانين، وسيطرة الغوغائية وعصابات السلاح والنهب والسرقة والإرهاب، بديلًا عن الأنظمة الديمقراطية التى جاءت بها الشعوب عبر إرادة وطنية حُرة من خلال صناديق الاقتراع.
 
الناظر عن قُربٍ وبتمعنٍ لوسائط السوشيال ميديا وما تعرضه على أعيننا وتُذيعه على مسامعنا حاليًا، يُدرك بلا شك أن هناك فتنةً مُؤلَّفةً ومُختلقةً، يستميت القائمون عليها لزرعها فى أوطاننا العربية، ويُنفقون عليها فى سبيل ذلك ما لا يُمكن حصره من أموالٍ، حتى يتمكَّنوا من إحكام السيطرة علينا، واحتلالنا فكريًا وثقافيًا ومعنويًا، قبل احتلالنا واقعيًا على الأرض، طمعًا فى ثرواتنا وخيراتنا، وما تجود به السماء علينا من نعمٍ بباطنها وفوق ظهرها من موارد طبيعية، وكنوزٍ معدنية وبترولية، يُحاولون قدر استطاعتهم جعل شعوبنا العريقة ذليلةً ومُسعبدةً ومسلوبة الإرادة، ويعتمدون فى تنفيذ مُخططاتهم الخبيثة تلك على بعض الفئات الضالة المُنحرفة، التى لا تعرف قيمة أوطانٍ، ولا معنى أعراضٍ، الذين يرفعون بُرقع الحياء عن وجوههم، وليس لهم فى الانتماء شرفٌ، ولا فى الوطنية حظٌ، أو قل  أشخاصٍ لا يُؤمنون بعقيدةٍ، ولا يعيشون لهدفٍ، كل ما يعنيهم فقط انتفاخ جيوبهم، وتضخم ثرواتهم وحساباتهم بالبنوك والمصارف، واتساع رقعة ممتلكاتهم بالداخل والخارج، يُديرون لهم هذه المواقع، وينثرون فيها بذور سمومهم الموضوعة خصيصًا لنا فى ظلام الليل الدامس، تمهيدًا للغزو من كل الاتجاهات وبلا رحمة أو هوادة.
 
دائمًا ما أتساءل عن سر انتشار فيديوهات الأزياء والعرى والرقص والمقاطع الخادشة للحياء العام، والفضائح وفتش أسرار البيوت والأُسر بغزارةٍ،  فى ظل وجود نماذج أخرى حَسنة من مثل الفيديوهات والمقاطع المُشرِّفة، والتى تستحق أن تُعرض وتُشاهد وتُسمع، لا تصل إلى نفس المستوى من الذيوع والانتشار، واستهداف ذات الجمهور، بل على العكس تمامًا، يتم تقييدها وحجب رؤيتها وتقليل عدد مُتابعيها ومُشاهديها لأدنى حدٍّ، رغم أنها بنَّاءة، وجديرةٌ بالاحترام والتقدير، ورائعة الغاية ونبيلة الهدف، فهل هذا مقصود أم هو بمحض الصدفة؟.. أدعوكم مليًا للتفكير معى، وتوجيه علامات الاستفهام تلك لأنفسكم، لماذا نُشاهد كل هذه الفيديوهات غير الهادفة والمُؤثرة على العقل البشرى بالسلب وجعله أثيرًا لها بسهولةٍ ويُسر، وتقييد كل ما هو مُفيدٌ ومُصلحٌ لحال المجتمع، ويغرس الأخلاق ويُنمِّى الولاء، ويحفظ على الأمة لغتها ودينها وتقاليدها الأصيلة التى شبَّت عليها؟ هل هذا بمحض الصدفة أم أنه مُتعمَّدٌ من أصحاب تلك المواقع التى تستهدف فئة الشباب مثلًا؛ لتلويث أفكاره وتعبئتها بالقاذورات وبذىء الألفاظ، وقبيح الفعل، والانحطاط العقلى والفكرى والسلوكى، وخداعه بالشهرة الزائفة عن طريق حصوله على لفظة "تريند" الرديئة، لحصد اللايكات والإعجابات التى لا تُثمن ولا تُغنى من جوعٍ، اللهم إلا الهدم والتخريب، وإفساد الذوق العام.

حرىٌّ بك أن تعرف أن دولةً عريقة مثل الصين الشعبية بنفوذها وتعداد سكانها المهول واقتصادها الأقوى، قامت بحجب تطبيقات التواصل العالمية كلها، وابتكرت وسائل محلية أكثر حداثةً؛ للحفاظ على أمنها القومى، وهُويتها وأعرافها وتقاليدها وثقافة شعبها، فتطبيق مثل فيسبوك مثلًا أنشأت خلافه مشروعًا آخر ممولًا من الدولة ذاتها وهو "جدار الحماية العظيم"، للتحكُّم فى إمكانية الوصول إلى مواقع الإنترنت للذين يعيشون فى بكين، ثم أتبعت ذلك بمنع يوتيوب وجوجل وواتس آب، إضافةً لحذف تطبيقات كثيرة أخرى، وأوجدت طرقًا مشابهة لها تماماً مثل موقع بايدو عوضًا عن جوجل، للبحث السريع فى الإنترنت باللغة الصينية، وبينج باللغة الإنجليزية، وويتشات للدردشة بدلًا من واتس آب، ويُمكن من خلاله القيام بالمعاملات الشرائية فى المطاعم والمحلات والسوبر ماركت، وحجز القطارات والرحلات الجوية، وغيرها من الخدمات الموجود جميعها على أراضيهم؛ كدفع فواتير الكهرباء والغاز والمياه والتليفونات، وقامت أيضًا بإغلاق يوتيوب وإنستجرام، وتيك توك، إلى آخره هذه الوسائط خارج القطر الصينى، لئلا يخترق جدارها أى عدوٍ خفى يستهدف الشعب والأرض والفكر والنهج والأجيال، لذلك تراها مستقرةً وآمنةً، ويهوى شعبها العمل والإنجاز واحترام الوقت، وعدم إضاعته فيما لا يُفيد، فتقدمت بقوة إلى أن أصبحت ثانى أكبر قوة على الأرض إن لم تكن الأولى فعلًا.
 
إذا كانت السياسات القميئة الخاصة بتلك المواقع تُبيح الخارج من القول، وتُعطى مساحةً واسعةٍ عليها للتعرى والإثارة، وغيرها من الأفعال التى تمحى القيم وتذهب بالأصول، وتهجر الأديان، وتُجرِّم المعانى الإنسانية التى جاءت بها وترفضها وتلغيها فى آنٍ واحد فإنى أدعو إلى منصات إلكترونية عربية وطنية يتعلَّق بها الشعب العربى بدلًا من المنصات الأجنبية التى تأخذ تاريخنا وأسماءنا واتجاهاتنا وآراءنا وعقولنا، وتُسيطر علينا لأهدافهم الشيطانية التى تمحى كلمة وطن أو حُب أو مشاعر إنسانية، وتُبطل الفكر وتُعيق تقدمنا وإنتاجنا، بل تتبع نهج التحريض من خلال اتباعهم وإعاقة تقدم أوطاننا العربية.. نحن الشعوب العربية نملك حضارات تعجَّب منها العالم، ونملك عقولًا أدهشت عصورًا وقرونًا لدرجة أنهم أرادوا سرقة تلك الحضارات وتغيير حقيقتها، ولكن الله دائمًا هو الحافظ، ويمد لنا يد العون دائمًا؛ بأن يجعل مَنْ يتولى أمورنا وشأننا أبطال وطنيون مُحبون للوطن، محنَّكون ولديهم خُطط واستراتيجيات نيِّرة تدفع بأوطانهم للأمام، فى زمنٍ ضاعت فيه العقول.. سلامًا على مصر، وسلامًا على الوطن، وسلامًا علينا من تلك الحروب الدنيئة، وحفظنا الله وحفظ أرضنا وشعبنا وحضاراتنا وأصالة أعراقنا من تلك التنظيمات والكتائب الشيطانية الإلكترونية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة