عاطف الجلالي
عاطف الجلالي


عاطف الجلالي يكتب: أنا .. وعم زكي الحلاق

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022 - 09:55 م

الزمان : اليوم التالي لاغتيال الرئيس السادات - رحمه الله - الساعة الثالة فجرًا وقد خفقت رايات الظلام وأرخى الليل سدوله ، والمكان : ميدان المجاهدين غرب مدينتي اسيوط القديمة– مسقط رأسي - وقد تم فرض حظر التجوال بالأمس ، الشوارع والأزقة والميادين خالية من حركة الحياة ، فقط عربات الشرطة والجيش بقواتها تقف مستنفرة على جانبي الطريق ، وبينما أتفقد القوات وكنت وقتئذ ضابط برتبة مقدم .

إذا بخشخشة أقدام– بددت جدار الصمت -  تمشي بخطى وئيدة لرجل عجوز قد انحنى ظهره يتوكأ على عصا ، فلما اقترب وجدته عم زكي عويضة الحلاق ذلك الرجل القوام الزاهد الذي لم يكن حظه من التعليم سوى حفظ فاتحة الكتاب وبعض قصار السور ، وصاحب دكان الحلاقة المتواضع الذي يقصده أصحاب الحرف الصغيرة و أرباب المعاشات والمشهود له بالمواظبة على صلاة الفجر حاضرًا بمسجد (أبو شقة) - أكثر ما يزيد على ستين عامًا - أعرق وأقدم مساجد اسيوط ، فسألته : " أنت رايح فين يا عم زكي ؟! انت مش عارف ان فيه حظر تجوال " فرد عم زكي: "انا رايح اصلي الفجر هوه فيه حظر على الصلاة "  ولعله لم يكترث بأمر الحظر و التجوال ولا بالحدث الأعظم الذي كاد أن يعصف بالبلاد ، ولم تجدِ محاولاتي لإثنائه عن الذهاب للمسجد نفعًافهابني حرصه على الصلاة فقلت له : " طب هوه فيه جوامع مفتوحة دلوقتي ومين اللي هيصلي معاك " فقال : " ايوه و مفتاح الجامعمعايا " وعلى سجيته أخرج من جيب جلبابه مفتاحًا حديديًا يبلغ طوله قرابة الربع متر وقال لي : " اللي هيصلي معايا الشيخ عبدالمعطي ضاحي امام المسجد " وكلاهما جاوزا السبعين من العمر آنذاك ، فاصطحبته إلى منزل الإمام وكلي شفقة على شيخوخته وانبهارًا بقوة إيمانه  .

نزل الشيخ العجوز وقال لي عم زكي : " تعال يا ولدي صل معانا الفجر جماعة " فوجدتني طائعًا له طيعًا ،فصلينا ثلاثتنا ولم أشعر بروحانية في حياتي قط مثل صلاة الفجر في هذا اليوم مع رجلين أحدهما فطرته السليمة أنقى من اللبن الحليب والآخر شيخًا ورعًا يرتل من كتاب الله بقراءة عذبة تسكن القلوب ، بعدها تتبعت حياة عم زكي وواظبت على مصاحبته والسؤال عنه قدر إمكاني ، ورأيته يوم وفاة الشيخ عبدالمعطي وهو يبكي حتى قيل أنها المرة الأولى التي شاهدوا فيها الرجل يبكيوبعد أيام قلائل رحل عم زكي عن عمر يناهز التسعين وكنت من أوائل المشيعين له وكانت جنازته مهيبة ومن المبشرات أنها كانت في مسجد (أبو شقة) الشاهد على تقواه .

تقصيتسيرة عم زكي فلم تزكيها إمارة ولم ترفعها كثرةمال ،بلعلو مكانته كانت بتقواه ومواظبته على ارتياد المسجد وصلاة الفجر طيلة عمره ، وأكبر همه وثقافته الأولى : الحلال والحرام ،فلم يشغله جمع مال ولا تجارة، ولكنه تحلىبلباس التقوى وعاش بالفطرة السليمة الكنز الخفي الذي لا يناله إلا أصحاب الحظوة عند الله  ، رحم الله عم زكي وربح أصحاب الفطرةوالبسطاء ، وخسر هنالك المنظرون.

عاطف الجلالي . المحامي بالنقض

[email protected]

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة