محمد درويش
محمد درويش


وجدانيات

دفن الأحبة.. مرتين

الأخبار

السبت، 17 ديسمبر 2022 - 07:36 م

الصديق الدكتور حمدى هاشم الخبير البيئى عاش الأحد الماضى يوما كان كما وصفه كقسوة الصخر عندما ذهب ليجمع رفات نجليه الشابين عبدالرحمن ويوسف بعد وفاة الأول فى مارس ٢٠٢٠ عن عمر ٣٢ عاما والآخر «٢٦ عاما» ورحل فى سبتمبر من نفس العام، كان قد دفنهما فى مقبرة العائلة بالسيدة نفيسة وجاءه الإخطار بإخلاء المقبرة طبقا للمخطط العمرانى الجديد للمنطقة.

ما حدث مع د. حمدى تعرض له أيضا الكاتب عبدالقادر شهيب ووصفه فى مقال له فى الأخبار تحت عنوان « دفنت زوجتى مرتين « الموقفان قادانى إلى استعراض تخطيط الجبانات فى القاهرة، وكيف أنه ينقصه رؤية بعيدة المدى على مدار أكثر من قرن.

تعالوا نتفق على أن المقابر تقام دائما سواء بتخطيط عمرانى أو حتى بدونه على أطراف المدن، عندما كانت المنطقة تسمى صحراء العباسية احتلت مقابر الغفير والمماليك وباب النصر وغيرها الطريق المؤدى من السيدة نفيسة والسيدة عائشة والخليفة والذى عرف بعد ذلك باسم طريق صلاح سالم.
هناك أيضا مقابر زين العابدين بالسيدة زينب وهذه ملاصقة لها مقابر الصدقة أمام مبنى مصلحة الطب الشرعى « مشرحة زينهم « وكل هذه المقابر كانت تقع على أطراف القاهرة والانتقال إليها سهل إما على الأقدام أو لو طالت المسافة قليلا فإن عربات الكارو صباح يوم العيد مثلا تمتلئ بالسيدات المصريات الحريصات على زيارة المقابر بعد صلاة عيد الفطر مباشرة وثانى أيام عيد الأضحى.

كان من الطبيعى أن تحدث زيادة سكانية لكن معدلها بهذه الكثافة لم يكن فى الحسبان، تركت الدولة التى ارتخت قبضة يدها لتظهر العشوائيات تحيط بالمقابر من كل جانب حتى لو ظهرت على هيئة بنايات فخمة وضخمة مثل مقابر المعصرة عندما أقام أهالى المعصرة البلد مقابرهم فى المنطقة الجرداء على الجانب الآخر من الطريق وأصبحت الآن تقع وسط الأبراج فى حدائق حلوان.

حتى الدولة عندما أقامت مساكن زينهم الشعبية فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، لم تخطط لنقل المدافن التى تسبقها بأقل من كيلو متر وأصبحت هى الآخرى محاطة بالبيوت من كل جانب، كان التخطيط ضيق الأفق وأقل استيعابا للمستقبل وهو ما يتجسد فى المقابر المعروفة باسم الوفاء والأمل التى أصبحت الأبراج الشاهقة تطل عليها ولجأت الشركات إلى تغطية السور الخارجى ولكن ماذا عن سكان الطوابق العليا والكل يطل عليها ليلا ونهارا بمجرد أن يفتح شباك غرفة واحدة، المشهد أيضا يتكرر فى القاهرة الجديدة أمام مساكن الشباب حيث مقابر للمسلمين والأقباط.

عمليات إنقاذ القاهرة من تجمد حركة المشاة والسيارات فيها بإنشاء المزيد من المحاور تتخللها الكبارى وهو مخطط كان يجب أن يتم منذ عقود بعيدة وعندما أصبحنا مضطرين له لم يعد أمام المخطط سوى إزالة جبانات تقع فى طريق ما يخطط له، نتفق أن الحى أبقى من الميت ولكن نتذكر أن نتدارك ما تتعرض له هذه المقابر خاصة أن كان بها أضرحة من الرموز والعلامات فى حياة مصر والمصريين، فلنبدأ بنظرة أبعد ولنتذكر دعوة الراحل د. عبدالرحيم شحاتة محافظ القاهرة فى خطاب له أمام الرئيس الراحل مبارك فى عيد العمال عندما أشار إلى أن قاهرة المعز هى الوحيدة فى  العالم التى يسكن بعض من أهلها أحواش المقابر مشيرا إلى أن العلاج يتطلب قرارا بوقف الدفن 15 عاما وتعويض أصحابها بمقابر بديلة تنشأ فى إطار مخطط بعيد المدى يجنبنا نقل الرفات والموتى ومعاودة الأحزان كل حين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة